اخبار ع النار-مع بدء فصل الشتاء تبدأ جرائم التحطيب الجائر في الأردن الفقير بموارده الحرجية، والتي تشكل خطرا كبيرا في ظل إرتفاع أعداد الحرائق التي يفتعلها تجار الحطب والمشتغلون في التفحيم، في الآونة الأخيرة، الأمر الذي أكد ناشطون في مجالات البيئة وحماية الطبيعة، أنه أهم المشاكل والمخاطر وأكبرها تأثيرا على التنوع الحيوي، وهو قبل ذلك إغتيال صريح لخيرات الأرض الأردنية الجمالية والطبيعية.
فئة «خارجة عن القانون»، تمارس إغتيال ثروتنا الحرجية بدواعي الفقر، لكنها في حقيقة الأمر تبحث عن الربح «الكبير»، من خلال لصوصية جني المال الحرام، جراء تلك الممارسات المنحرفة، التي تستخدم أدوات لذبح ملايين الأشجار التراثية المعمرة، مثل «البلطات» و»الفؤوس» و»المناشير الكاتمة للصوت» وإفتعال الحرائق، وتحويل آلاف الدونمات من الغابات، التي تكاد تتكلم من شدة بهائها وجمالها، إلى مساحات سوداء محروقة قاحلة..!.
وللأسف.. يفجع الأردن يومياً بخسارة مئات الأشجار من الغابات، حيث يقول مختصون: إن حجم الدمار الذي أصاب غابات الأردن وحراجها في الفترة الأخيرة، لم تتعرض له منذ سنوات طويلة، ولا شك ان الهجوم على الغابات أيضاً عن طريق إشعال الحرائق، أو قطع الأشجار بقصد «كسر الأراضي»، وإستثمارها في بناء الفلل السياحية!.. أو لإستثمار الأرض في الزراعة، بالإضافة إلى القطع أو التحطيب بقصد التدفئة، فهناك من إمتهن قطع الحطب بقصد التجارة وإيجاد دخل إضافي، وهناك من يقطع الشجر للحصول على حطب للتدفئة..!.
عصابات التحطيب هنا يتواجدون
وبمنتهى الوضوح فإن «مافيا» تجارة الحطب تنشط في غابة الشهيد وصفي التل، على امتداد طريق جرش وفي غابات عجلون وثغرة عصفور وريمون وساكب وبرما ومنطقة جلعاد وبدر الجديدة ومنطقة بلال وأبو السوس وعراق الأمير ومناطق متعددة في محافظات البلقاء وإربد، يمارس أفرادها التحطيب في الغابات بإستخدام تقنيات حديثة تحول دون إكتشاف أمرهم من قبل طوافي ومفتشي وحراس الحراجات، حيث يقومون بقطع الأشجار بإستخدام «الجازور» وماتورات النشر الكاتمة للصوت، ورافعات خاصة في السيارات، بل وصلت ممارساتهم الى إضرام الحرائق المفتعلة، وبعد أن تقوم الأجهزة الرسمية بعمليات الإطفاء، يعود ذات اللصوص لتحطيب الأشجار، ليصار الى بيع الحطب الى عدد من التجار في مناطق متعددة، الذين بدورهم يقومون ببيعه مجددا، لأصحاب المنازل التي يتواجد فيها مواقد حطب، فيما يتم تحويل أنواع أخرى وخاصة حطب أشجار البلوط والسنديان الى فحم ليتم بيعه في مناطق عدة، مع الإشارة الى ان ما يشجع هؤلاء اللصوص على إقتراف اعتداءاتهم على الثروة الحرجية، الارتفاع الملحوظ في أسعار الحطب في الفترة الماضية، والطلب المتزايد عليه.
اتحاد المزارعين: إجراءات غير كافية
وبهذا الخصوص، أشار مدير عام اتحاد المزارعين المهندس محمود العوران إلى أن الإجراءات التي تتخذها الجهات المعنية بحق المعتدين على الثروة الحرجية «غير كافية»، مطالبا بتشديد الرقابة على الأحراج، خصوصا في ضوء انتهاج أساليب جديدة في التحطيب الجائر بافتعال الحرائق في الغابات الحرجية. وأكد العوران أن التحطيب الجائر أصبح قضية وطنية، تتطلب تضافر الجهود، من قبل كافة الوزارات المعنية ومديرية الأمن العام ممثلة بالشرطة البيئية والحكام الإداريين، مشيرا إلى ان مواجهة هذه الظاهرة تتطلب إلى جانب تكثيف الرقابة، تغييب الوساطة والمصالح الشخصية وتطبيق القانون وتغليظ العقوبات. وبين العوران ان الأشجار في المملكة تعد مصدرا مهما لدخل عدد كبير من السكان بخاصة للطبقات الفقيرة والعمال غير المهرة ولبعض العمال المهرة حيث يعمل أكثر من عشرة آلاف عامل وحارس بصورة دائمة في نشاطات الغابات المختلفة كالمشاتل والتشجير والحماية والاستثمار والمراعي.
«الزراعة» تحذر بشدة
أمام ذلك، حذر مصدر مسؤول في وزارة الزراعة، من عمليات التحطيب الجائر والإغتيال الصارخ لخيرات الأردن الجمالية والطبيعية، لافتا الى ان مديرية الحراج بكافة أجهزتها تعمل على مدار الساعة من خلال مشروع حماية الغابات، الذي يشتمل على أبراج ومحطات حرجية تبلغ أكثر من 60 محطة، إضافة إلى الطوافين والدوريات الراجلة لحماية الثروة الحرجية، ومع ذلك فهناك تعد عليها تصعب السيطرة عليه في ظل محدودية عدد الطوافين.
وأضاف ان الوزارة وبالتعاون مع الجهات المختصة، لن تتهاون في التعامل مع أي شخص أو جهة، تقبل على قطع الأشجار في صورة مخالفة، مبينا انه تم اتخاذ إجراءات قانونية بحق عدد من الأشخاص تم ضبطهم أخيرا يقومون بتلك الأعمال.
خسائر مفجعة وحقائق مؤلمة
في غضون ذلك.. يقول الخبير البيئي الدكتور زيد احمد المحيسن، إن للغابات خدمات متعددة منها بيئية واقتصادية وطبية وجمالية وترفيهية وعلمية، وأن ظاهرة قطع الأشجار تنتشر في مختلف المناطق الريفية، لافتا الى أن فقدان شجرة واحدة هو خسارة، ولكن يمكن تغطية المنطقة التي تعرضت للأذى خلال خمس سنوات بعد زراعتها وتشجيرها قبل أن يسرع السكان المجاورون إلى إستثمار الأرض وزراعتها، وان هناك آراء علمية أقل تفاؤلاً تشير إلى أن الغابة تحتاج إلى أكثر من 15 عاماً لتجديد نفسها، وأن هناك مناطق تضررت تحتاج لأكثر من 50 عاماً لتعود كما كانت، وأن هناك غابات اختفت بأكملها بسبب الحرائق، وأن هناك أنواعاً من الأشجار المقطوعة، لا يمكن تعويضها، مثل شجرة البطم التاريخية التي طالها الاعتداء في مقبرة ياجوز القديمة، بجوار قبر الشاعر نمر العدوان قبل سنوات عديدة.
يذكر أن قانون الزراعة ينص على ان الاعتداء على الأراضي الحرجية سواء بإزالة أو بتخريب علاماتها وأسيجتها الحدودية بالحبس لمدة ثلاثة أشهر وبغرامة مقدارها 100 دينار، كما يعاقب بالحبس ثلاثة أشهر إلى سنة وبغرامة مالية قدرها 50 دينارا، عن كل شجرة أو شجيرة حرجية أتلفها الحريق، ويلزم بدفع تكاليف إطفاء الحريق.