تستمر معاناة الفلسطينيين الذين غادروا قطاع غزة إلى مصر، فحتى بعد خروجهم بحثاً عن الأمان وحالة من الاستقرار، يضيق بهم الحال، بسبب ظروف صعبة يعيشها كثير منهم هناك، بسبب مشاكل في الإقامة والعلاج وغيرها.
بحسب شهادات من الغزيين في مصر فإنه بعد اضطرارهم إلى الذهاب لمصر بسبب الحرب والقتل والدمار في غزة، كانوا يأملون بظروف أفضل عند جارتهم مصر، لكنهم تفاجأوا بمشاكل متعلقة بـ:
الإقامة.
العلاج.
التعليم.
استخراج إقامة
على الرغم من المبالغ الطائلة التي يدفعها الغزيون للحصول على تصريح دخول إلى الأراضي المصرية، الذي عرف بـ”التنسيق الأمني”، إلا أنّ هذه المبالغ الكبيرة التي قدرت بين 5 – 10 آلاف دولار للشخص الواحد، لم تؤهلهم للحصول على تصريح إقامة في مصر، ولو بشكل مؤقت لتسيير أمورهم الحياتية.
كان السفير الفلسطيني بالقاهرة قد أكد في وقت سابق في تصريحات لوكالة “رويترز”، أنّ هناك ما يقرب من 100 ألف من الغزيين في مصر، ويفتقرون إلى الوثائق اللازمة لتسجيل أطفالهم في المدارس، أو فتح شركات، أو حسابات مصرفية، أو السفر، أو الحصول على خدمات صحية”.
حسن آغا حاول التوجه أكثر من مرة إلى الإدارة العامة للجوازات بالعباسية لاستخراج إقامة، إلا أنه كان يقابل بـ”ردود روتينية وبمعاملة سيئة”، وفق تعبيره، من قبل ضباط الداخلية المشرفين على منح الإقامات.
يقول : “يتذرعون لي دائماً بالقول إن الفلسطيني لا يحتاج إلى استخراج إقامة في مصر، حتى وإن طالت الإقامة”، إلا أنه أوضح أنه عندما يريد تنفيذ أي معاملة في الدوائر الرسمية في مصر، فإنّهم يطلبون منه إبراز الإقامة.
يوضح أيضاً أنه “سواء على مستوى استقبال الحوالات المالية، أو على مستوى تجديد شريحة الهاتف “الموبايل”، أو حتى على مستوى تسجيل ابني في مدرسة أو حضانة، كل ذلك يحتاج إلى إقامة رسمية لتنفيذها”.
لكن آغا يقول إن “إدارة الجوازات تماطل، وتتذرع بالقول إنّه لا يوجد أي بند يقضي باستخراج تصريح إقامة، وأنّه يستطيع البقاء في مصر”.
“عقبة استخراج الإقامة مشكلة كبيرة تؤرق الغزيين في مصر”، بحسب حسين الدريملي، الذي يقول ، إنه “لا يوجد قرار صادر من أي جهة رسمية بإعطاء الفلسطينين إقامة مؤقتة في مصر، ومؤخرا كان هناك وفد وزاري من الضفة الغربية التقى بالسفارة الفلسطينية مع الجهات المعنية بمصر لبحث الموضوع، لكن لا قرارات رسمية حتى اللحظة”.
ويدعو الدريملي إلى أن يتم حل هذا الموضوع بأقرب فرصة، فهناك الكثير من الفلسطينيين خرجوا من غزة خلال الحرب بسبب العلاج، على بند التحويلات الطبية، وغالبية هؤلاء يقيمون بالمستشفيات الحكومية المصرية، وممنوع أن يغادروها المستشفيات”.
ويوضح أن “بعض هذه المستشفيات مستواها جيد، وتعاملها محترم، والآخر منها سيئة جداً، ومقصرة من ناحية العلاج والخدمات المقدمة، كما أن المريض ومرافقه ممنوعان من الخروج خارج أسوار المستشفى، باعتبار أنّهم يقيمون بغرض العلاج فقط”.
مشاكل في التعليم.. معاناة الغزيين في مصر
فيما يتعلق بمسألة الدراسة، فإنها مرتبطة بمشكلة الإقامة أيضاً، فنسبة كبيرة من طلاب المدارس الذين وصلوا مع أهاليهم إلى مصر، أضاعوا السنة الدراسية الماضية.
يتحدث الطالب حسن تيّم، عن أن العام الدراسي الماضي، ضاع عليه هو وأشقاؤه، فهم لم يستطيعوا الالتحاق بالمدارس الحكومية المصرية، لأنها تشترط استخراج إقامة رسمية.
لذلك، فإن البعض يلجأ إلى التوجه للالتحاق بالمدارس الخاصة، التي تكلفتها عالية، ويمكن أن تصل سنوياً إلى 12 ألف جنيه مصري، في حين أن الفلسطينيين دفعوا بالفعل مبالغ طائلة لدخول مصر.
أفاد فتحي السراج ، وهو فلسطيني من غزة يعيش في مصر، بأن “الكثير منا باع كل ما يملك لدخول مصر”، مشيراً إلى أنّه ومجموعة من معارفه “اضطروا إلى بيع أملاكهم وسياراتها، حتى أنّ نساءهم بعن ذهبهن للخروج من غزة، ووصلوا إلى مصر بلا أي موارد مالية”.
ويقول إن وضعهم الحالي بات صعباً جداً، لدرجة أنّهم غير قادرين على توفير احتياجاتهم الأساسية، وتسجيل أبنائهم في مدارس خاصة.
ثائر البردويل، فلسطيني من غزة، حصل على منحة دراسية من دولة أوروبية، لكنه عالق في مصر، وهو غير قادر على الخروج منها، لأنّه لا يملك إقامة.
يقول، إنه تم رفض منحه التأشيرة لأنّه لا يحمل إقامة.
ويضيف أن ذلك ينعكس أيضاً على أبسط الأمور الحياتية المرتبطة بعدم وجود إقامة بمصر وهي الحرمان من استخراج شريحة هاتف، مؤكداً أن “الغزاوي لايستطيع حمل شريحة موبايل، لعدم توفر الإقامة، فيما تمّ تجميد شرائح الهواتف التي كانت بحوزة العديد من الغزيين بسبب انتهاء الإقامة المؤقتة، التي لا تتجاوز الشهر فقط”.
ويتابع بأن الغزيين يضطرون إلى الاستعانة بمواطن مصري، واصطحابه لأي فرع شركة اتصالات لاستخراج شريحة موبايل.
مشاكل العلاج
فيما يتعلق بالمرضى الذين خرجوا للعلاج من غزة، يقول جزء منهم إنهم لم يتلقوا الخدمة الطبية اللازمة، وجلسوا لفترة في المستشفيات الحكومية التي لم تقدم إليهم العلاج الكافي وفق قولهم.
ويروي بعضهم، أنهم لم يتلقوا العناية الجيدة، ما جعلهم يفضلون مغادرة المستشفيات الحكومية إلى المستشفيات الخاصة للعلاج على نفقتهم الشخصية، وذلك بالنسبة لمن استطاع توفير المبالغ الكبيرة اللازمة لذلك.
هذا ما عمد إليه فؤاد القطاوي ومرافقته ابنته ليان، الذي يعاني من الفشل الكلوي، ويضطر إلى الغسيل الكلوي بشكل دوري ثلاث مرات أسبوعياً، لكن المستشفى الحكومي الذي جرى استقباله فيها بمصر كانت سيئة للغاية، بحسب ما تؤكده ابنته ليان.
وتقول ليان : “اضطرنا ذلك إلى مغادرة المستشفى الحكومي، وتأجير شقة على حسابنا الخاص، في مستشفى خاص”.
تؤكدّ إلهام فخري وليان القطاوي من غزة، أنه لدى وصولهم إلى مصر، “تمّ تحويلنا إلى مستشفيات التأمين الصحي التابعة لوزارة الصحة المصرية، مع التأكيد على أنّ المريض الذي يأخذ قرار السفر للعلاج في مصر، فإنّه يسافر على كفالته الشخصية، وأن السفارة الفلسطينية لا تدفع له أي تكاليف متعلقة بالسكن أو المعيشة”.
وتضيفان: “إذا رأى المريض الذي جاء عبر تحويلة طبية من غزة إلى مستشفى حكومي بمصر، أنّ طبيعة الخدمة الطبية المقدمة له غير مناسبة ولائقة، وأخذ قرار المغادرة، فبمجرد مغادرة باب المستشفى، فإنّ تكاليف السكن والمعيشة والعلاج سيتحمل مسؤوليتها المريض، والسفارة الفلسطينية غير ملتزمة بالمساعدة في أي شيء”.
وتؤكد فخري والقطاوي أن “جزءاً كبيراً من المرضى غادروا المستشفيات الحكومية، وجزء لا يستطيع التغلب على التكاليف الباهظة في المستشفيات الخاصة، واضطر للبقاء في المستشفيات الحكومية، رغم سوء الأوضاع والعلاج فيها”.
على صعيد آخر، أنهى بعض الغزيين الجرحى علاجهم في المستشفيات الحكومية المصرية، بالتالي يجب عليهم مغادرتها، واستئجار سكن على حسابهم الشخصي، لتصبح كل تكاليف معيشتهم على حسابهم الشخصي.
بهذا الخصوص، تقول إلهام فخري في حديثها، إنه لدى مغادرة الفلسطينيين الجرحى لغزة، خرجوا على خلفية اتفاقية بين وزارتي الصحة الفلسطينية والمصرية لتلقي العلاج عبر التحويلات الطبية، التي تقضي أنه بعد إنهاء العلاج يجب مغادرة المستشفى.
وتقول إنها أجبرت على مغادرة إحدى المستشفيات في الزقازيق، بعد إنهاء العلاج، لكن ليس لديها القدرة على تغطية التكاليف الأخرى، سواء الأدوية التي ما تزال تأخذها، أو إيجار بيت، أو تكاليف المعيشة.
حسن آغا، وصل مصر مع ابنه المريض إحسان، المصاب بشلل دماغي، بحثاً عن علاج أفضل له، بعد أن ضاقت به الأحوال داخل خان يونس، وعجزت المستشفيات فيها عن توفير علاج لحالته وسط الدمار والقتل بفعل العدوان الإسرائيلي.
يقول حسن: “ظننا أنّ الحال سيكون أفضل في مصر، لنتفاجأ أنّ أسعار العلاج هناك مكلفة للغاية، إذ يحتاج ابني البالغ من العمر 7 سنوات إلى 1200 جنيه أسبوعياً، بسبب من شلل دماغي من الدرجة الثانية”.
يؤكدّ كذلك أنّه بالكاد يكون قادراً على تدبير مصاريف المعيشة والسكن، مشيراً إلى أنّه تقدم بطلب لتوفير وتغطية تكاليف العلاج، إلا أنّه تلقى وعوداً لم تترجم للواقع حتى اللحظة.
يذكر أنه منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تستقبل مصر أكثر من 100 ألف فلسطيني غادروا القطاع وسط الحرب والدمار، عبر دفع مبالغ طائلة لدخولها.
لا يُعدّ الفلسطيني الذي دخل مصر خلال الحرب الجارية في غزة لاجئاً من الناحية التقنية؛ بالتالي هو غير مؤهل للحصول على معظم المساعدات الدولية للاجئين.
كما أن الفلسطينيين الفارّين من غزة إلى مصر، وصلوها في وقت تشهد فيه أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، إذ وصلت معدلات التضخم في مصر إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، وارتفعت أسعار الإيجارات، والمواد الغذائية بشكل كبير، ومع معدلات فقر كبيرة هناك.