بقلم: د. حازم قشوع
وهو لعله الموضوع الذى يخص الحاضر المنهجي ونماذج العمل المستقبلي، لاسيما والبشرية تنتقل من مكانة الحاضنة الصناعية التي كانت سائدة في القرن الماضي إلى منزله الحاضرة الاصطناعية التي أخذت علومها ترسي ثقافة جديدة في الحاضر والمستقبل الذى نعيش فواصله ونقف على أبوابه.
وهو العصر الذي ينقل مساقات العلوم ومسارات المعرفة من مستويات التعليم التقليدي الى منازل التعلم المعرفي، وصولا بها للحرف الاصطناعية والحالة العملية التي تلصق مخزون الذكاء الاصطناعي بإطار الذكاء الذهني في بحور الجيل الخامس من التواصل والاتصال ضمن نماذج “نورا لينك” قيد التنفيذ، ومسارات العلوم المهنية بمجالات العمل الحياتية عبر تطبيقات ( G P T Chat ) وفى إطار منهجية الاقتصاد الإنتاجي التى ترتقي فيه المجتمعات النامية من نماذج العمل قائمة على الاقتصاد الخدماتي الى اطوار الثقافة الإنتاجية.
وهو ما جعل من مجتمعاتنا العربية تشارك بطريقة عضوية ومعرفية بعمليات التصميم والتصنيع، لتساهم بإثراء نماذج التطوير والتحديث للتطبيقات المعرفية التي أخذت بدورها تسيطر بل وتدير مسارات العمل المختلفة، الخاصة منها بالنقل والتنقل كما بالإدارة والتسويق وتدخل في صميم الأعمال المهنية بالطب كما في الهندسه وتقوم بادارة الكثير من البرامج الخدماتية وآليات الحياة المعيشية التى تربط الفرد بالمجتمع والدولة بالتطبيقات الذكية حتى غدى صفر الأمية لدينا لا يقوم على القراءة والكتابة كما فى السابق بل على صفر التعاطي مع نماذج العلوم الاصطناعية.
ولعل منهجية التواصل بين المجتمعات التي سمحت بتسريع وتيرة التبادل المعرفي بالاستنتاج ووحدة النسق الثقافي في البيان، قد شكلت في أطوارها الركن القويم في صياغة حضارة مشتركة للبشرية الأمر الذي جعل من الحالة المعرفية التى نقف عليها تشكل روابط منهجية متشابكة انسانيا ومتصالحه ثقافيا يمكنها أن تعمل ضمن أرضية عمل واحدة لتحقيق أهداف مشتركة للتنمية المستدامة، تقوم على التبادل المعرفي والاستثمارات المشتركة في جملة واصله عنوانها الحماية وهي المفردة الضامنة التي تعتبر حجر الزاوية للتنمية واستراتيجيات عملها.
إن العمل لإثراء المسارات العملية عبر التطبيقات الذكية جعلت من أسوار اللغة تذاب فى بحور الحواضن المعرفية وفتحت الأبواب بشكل واسع أمام التبادل المعرفي وتبادل الخبرات الحياتية ومنهجيات العمل، مما انعكس بشكل مباشر على الأدبيات الثقافية كما على المحتوى الإنساني، وهو ما ينتظر في نهاية المطاف أن يكون حاضنة للحضاره الإنسانية المشتركة التي تقوم على مرجعية واحدة وارضيه عمل متوافق عليها تعمل عبر وسائل التواصل الاجتماعي على ربط الثقافة الانسانية بروابط المجتمعات المحلية، وهى الوسائل التى يعول عليها في بناء حواضن معرفية تسمح بمشاركة الجميع بتطوير تطبيقات للتفاعل الحر ضمن محتوى العالم الافتراضي الذي أصبحت اسقاطاته تشكل جزءا رئيسيا في العالم الوجاهي وفي صيانه ثقافة المجتمع.
وهي الحاضنة الافتراضية التى غدت تشكل جملة بيان الرأي وتحدد بوصلة اتجاه الحاضنه الشعبيه تجاه بيت القرار وتحدد عناوين اهتماماته المهنية بتفرعاتها العلمية، الأمر الذي جعلها ترسي قواعد علمية عصرية تقوم على اطر التخصص وتطبيقات الاختصاص، وهو ما يؤهلها لترتقي بالعلوم الحياتية وتسهم بمشاركة الجميع لاغناء نماذج العمل الثقافي والمهني على أن يأتي ذلك ضمن نسق واحد وأداء بناء مشترك، وهو ما يعمل على بيانه هذا المؤتمر بمساراته البحثية ولغة تواصله غير الوجاهية والذي نأمل أن يثرى بالاضافات القيمة والأفكار الجديدة التي يحملها منهجيات العمل والبحث على كافة الأصعدة وكل المستويات.
إن الذكاء الاصطناعي وهو يشكل الحجر الأساس للصناعة المعرفية وقد اصبح هذا النموذج بما يحويه من تطبيقات للبحث العلمي والبيان المعرفي وعمليات التطوير المنهجي وكذلك الاستنتاج الكمي، يشكل ركنا فى التطور ومناخا ملائما للإبداع والابتكار حتى أخذ يرتبط وجوده واتساع دائرة تعامله الأفقية مع معدلات التنمية المستدامة، فإن العمل على تمكين محتواه سيكون له الأثر المباشر بالتطوير المنهجي والتحديث العلمي، كما سيكون له تأثير على نماذج العمل الجامعي وأساليب المناهج التدريسية، وكذلك فى بيان عناوين الانخراط المطلوبة بالمساقات الجامعية التي ستكون غالبا متوائمة مع احتياجات سوق العمل مع دخول الجميع الى عصر “الاقتصاد الإنتاجي” بكل ثقافاته ومحددات رافعه، هذا اضافه الى عوامل اخرى متصلة بالدراسة “عن بعد” وآليات عملها ونماذجها المستخدمة التي ستكون حكما متوافقة مع الذكاء الاصطناعي وآليات عمله وحتى طريقة التدريس عبر تطبيقاته التي لا يحددها حيز مكان التحصيل بقدر ما يميزها حيز المعرفة.
وهى المساقات التي تأخذ بطريقه التحصيل المكثف على حساب التعليم التقليدي ومنهاجه التي دأبت المجتمعات على التعاطي معها طيلة العصر الماضي، وهذا ما يجعل من الذكاء الاصطناعي وعلوم الصناعة المعرفية تشكل ثورة معرفية في شتى المجالات لما تحمله من اسقاطات مهنية على معظم المهن وجوانب الاستدامة، فالطبيب ستتغير وسائل عمله بدخول الذكاء الاصطناعي كما المهندس والمدرس و كافه المهن، وهذا ما يجعل من هذه العلوم تشكل فاصلة تاريخية من فواصل الإنسانية وجعل من مجلس الأمن الدولي ينعقد من أجل مناقشة الذكاء الاصطناعي وعلومه في محاولة منه لوضع ضوابط للحد من تسارع عجلة الإبداع والابتكار في العلوم المعرفية وعلى الرغم من كل المحاولات مازالت حركة التنامي في تصاعد وميزان العمل في تسابق.
صحيح أن الأمة العربية مازالت فى طور المتلقي الذي يقف عند عناوين الاستخدام لنماذج الصناعة المعرفية، لكونها مازالت بعيدة عن كيفية تصنيعها لدواعي سياسية لها علاقة بأطوار الدور الوظيفي للدول المستهلكة وسيادة الدول الصناعية المنتجة التى مازالت تحتكر آليات التصنيع في الصناعة المعرفية، وهذا ما يجب معالجته ذاتيا فى دعم نماذج البحث العلمي والعمل على تقويمه من خلال برامج تشاركية استثمارية مع المجتمعات المتقدمة معرفيا عبر مسارات تصنيعيه قادرة على توطين الصناعة المعرفية و تطوير روافدها.
وأما ما هو صحيح ايضا ان الأسس العلمية والرياضية التي حملتها هذه الأمة للانسانية فى مجالات اللوغاريتمية وعلوم الفلك والطب والرياضيات الجبرية كانت النواة للعلم الحديث ولولاها لما وصل اليه من علوم معرفية بفضل علماء العرب الأوائل أمثال الخوارزمي وابن حيان والرازي وغيرهم كثير حتى وصلت علومهم إلى مقومات ابتكارية وإبداعية في مجالات الخيمياء والليماء والسيمياء والريمياء التي كانت من أسرار العلوم المعرفية والتى حملها فيما بعد اينشتاين ومن بعده تيسلا وفورد وغيرهم من علماء الثورة الصناعية التي سبقت نماذج الثوره الاصطناعية.
إن جامعة الحسين التقنيه التى قد تشكل نموذجا من نماذج جامعات البحث العلمي وتعد مرادفا لجامعه اهومى البريطانيه نظير اهتمامها بالصناعه المعرفيه والادب المعرفي، والتي اقدم هذه المحاضره فى رحابها انما تشكل حاضنه رائده للنماذج المعرفية، وتقوم بأطوار بحثية من خلال سلسلة من المؤتمرات والندوات والأوراق البحثية والمحاضرات العلميه تجاه النموذج المعرفي من اجل التنميه المستدامه.
محاضرتي فى جامعه اهومي البريطانيه 28/6/2024