Palestinian boys transport water containers past buildings destroyed during previous Israeli bombardment, in Gaza City on June 10, 2024, amid the ongoing conflict between Israel and the Palestinian Hamas militant group. (Photo by Omar AL-QATTAA / AFP)
أكدت بلدية مدينة غزة أن سكان القطاع يعانون حالة عطش شديد ونقص المياه جراء تدمير آبار وخطوط المياه منذ بداية الحرب الإسرائيلية، في حين تنتشر الأمراض المعدية جراء استهلاك المياه الملوثة.
وتمضي أسر غزة وقتاً كبيراً في رحلة البحث عن المياه، التي تشح كثيراً بشكل لم يسبق له مثيل منذ بداية الحرب، وتعدّ الوقت بالدقيقة وهي تترقب إما وصول شحنات تحمل على ظهرها صهاريج مياه، أو وصول إمدادات المياه في الصنابير، وهي عمليات تتم في وقت قصير، ولا تلبي احتياجاتهم الشخصية.
دمار كبير
وفي مناطق النزوح العشوائية، التي تفتقر لوجود خزانات مياه، أو في مناطق “مراكز الإيواء”، التي إن توفرت فيها الخزانات فإنها لا تكفي سوى لوقت قليل جداً، بسبب الكم الكبير من النازحين، وكذلك في مناطق السكن العمرانية داخل أحياء قطاع غزة، بات الهم الأول لجميع السكان الحصول على قدر كافٍ من المياه، سواء المخصص للشرب، أو للاستخدامات الأخرى في الغسيل والاغتسال.
وبسبب الحرب الإسرائيلية، التي دمرت غالبية آبار المياه وخطوط الإمداد، والحصار المستمر الذي يمنع دخول قطع غيار محطات الضخ، ويمنع كذلك الوقود المخصص لتشغيل مولدات الطاقة الخاصة بتلك الآبار، لضمان استمرار عملها، لم تعد إمدادات المياه تصل بالشكل اليومي للسكان، حيث تصل إمدادات المياه عبر الشبكات الأرضية للسكان مرة كل أسبوع، وتكون بالغالب ضعيفة، لا تصل إلى الخزانات العلوية في المنازل، ما يضطر السكان كما النازحين، إلى تخزين هذه الكميات القليلة من المياه في جالونات وأواني المطبخ، لاستخدامها بكميات مقلصة ومحسوبة طوال ساعات اليوم.
ولا يسمح أرباب الأسر في هذا الوقت لأفراد الأسر من الشبان الذين يكابدون كثيراً من أجل تعبئة الجالونات سواء من الصنابير لحظة وصولها عبر الخطوط الأرضية، أو خلال تتبعهم لصهاريج المياه، استخدامها وفق ما يشاؤون.
وتضع ربات الأسر والرجال الكبار أيضاً أولويات لاستخدام المياه، لأن الحصول عليها في أغلب الأوقات ليس بالأمر اليسير، والتفريط بها بسهولة قد يجعل المنزل خالياً من مياه الشرب والاستخدام الخاص بالحمامات ليومين متتاليين.
ويمنع سامي جبر أبناءه من الشبان من عادة الاستحمام يومياً، كما تعودوا في الفترات السابقة قبل الحرب، حيث كان هذا الأمر متبعاً مع بداية موجات الحر، ويقول إنه يواجه مشقة كبيرة في توفير المياه، ويضطر وأبناؤه الشبان والأطفال لحمل جالونات المياه وأواني المطبخ والهرولة بها، في حال وَرَدَ إليه نبأ عن وجود صهريج ماء قريب، فيما يترقب وصول إمدادات المياه من خلال الصنابير، وفق الجدول الموضوع من قبل البلدية.
هذا الرجل يقطن وسط القطاع، حيث خصصت السلطات المحلية هناك يوماً واحداً في الأسبوع، تصل خلالها إمدادات المياه لمدة لا تزيد عن الساعتين، ورغم أن تغذية شبكة المياه الأرضية من قبل الآبار التي تدار من قبل البلدية لا تتم قبل الظهيرة، إلا أن هذا الرجل يترقب وصولها مع حلول الساعة العاشرة من ذلك اليوم.
ويقول إنه في كل مرة يأمل أن تصل الإمدادات مبكرة، فيما يزداد التأخير كل مرة، كما تنقص كل مرة مدة الإمدادات التي باتت حالياً لا تصل إلا لأقلّ من ساعة ونصف.
الجميع يعمل
وفي هذا الوقت يعمل كغيره من المواطنين على ملء الجالونات، وكذلك خزان مياه صغير أسفل المنزل، ويوضح هذا الرجل أن نزوح عوائل اثنتين من أخواته إلى منزله، هرباً من العمليات العسكرية القريبة من منازلهم، فاقم الأزمة بشكل أكبر، إذ بات الأمر يتطلب من الجميع تخزين مياه تكفي لثلاث أسر، تضم أطفالاً ورجالاً ونساء.
ويقول هذا الرجل، الذي وضع برنامجاً للاغتسال، يمنح فيه بعض اللترات القليلة لكل فرد، على أن تتم العملية مرة كل ثلاث أو أربعة أيام، أنه بدون ذلك لن تبقى نقطة ماء في اليوم الأول من التخزين، ويوضح بأنه يرى انعكاس ذلك سلباً على أفراد الأسرة، خاصة الأطفال، حيث تفوح روائح التعرق، وتكثر الأمراض الجلدية بسبب عدم الاغتسال، لكنه يؤكد أن اللجوء لهذا الأمر كان اضطرارياً، حيث بالكاد تكفي كمية المياه المخزنة كل مرة، حتى تعبئة غيرها.
وفي مناطق خيام النزوح، تقتصد النساء كثيراً في استخدامات المياه، فهناك لا تتوفر كميات الجالونات ولا خزانات المياه، الموجودة في المنازل، فتحرص سناء خضر على الاقتصاد بشكل كبير خلال غسل أواني المطبخ، وقالت هذه السيدة التي ذاقت ويلات النزوح خمس مرات قبل وصولها من مدينة رفح، قبل عدة أيام، إلى مدينة دير البلح، أنها حرصت على حمل جالونين مياه رغم ثقلهما، كانا مليئين بالمياه في رحلة النزوح الأخيرة، لأنها لم تكن تعرف متى ستحصل على المياه، ولا جدول التوزيع في منطقة النزوح الجديدة.
هذه السيدة أكدت أنها اضطرت مؤخراً لاستخدام الطريقة البدائية القديمة في غسل الأواني، والتي تعتمد أولاً على وضع الرمال النظيفة على تلك الأواني، ومن ثم فركها جيداً، وبعد ذلك إزالة الأوساخ والرمال بقليل من الماء، وتؤكد أيضاً أنها تحرص على عدم وضع زجاجات المياه معبأة أمام أطفالها، وأكبرهم في عمر الـ 16 عاماً، خشية شربها بدون أي قيود.
ماء قليل
وتؤكد أنها، في كثير من الأيام، لا تشرب إلا أقل من لتر واحد من المياه، رغم ارتفاع درجات الحرارة في هذا الوقت، رغم علمها جيداً بالضرر الصحي على الجسم، كونه يحتاج في فصل الشتاء إلى كميات أكبر من الماء.
وتجدر الإشارة إلى أن مناوشات عادة ما تحصل بين الأهالي خلال الاصطفاف أمام محطات تحلية المياه، وحين يتجمعون حول الشاحنات التي تقل صهاريج مياه، لحرص الجميع على أخذ بعض الكميات، قبل نفادها.
وبالعادة لا تكفي الأوقات المخصصة لتشغيل محطات التحلية، ولا الكميات المتوفرة في صهاريج المياه، احتياجات السكان الذين ازداد عددهم بشكل كبير في مناطق النزوح غرب مدينة خان يونس ووسط قطاع غزة، بعد بدء العملية العسكرية الإسرائيلية ضد مدينة رفح، حيث فرّ من هناك نحو مليون مواطن.
وبدأ هذا العدد الكبير، إضافة إلى العدد المتواجد في مناطق النزوح من قبل، يعتمد على إمدادات المياه الشحيحة المتوفرة، بعد أن كان العدد الإجمالي يستفيد من هذه المحطات، ومن تلك التي توقف عملها في مدينة رفح، فيما تأثر عمل محطات التحلية وتحرك عربات المياه بشكل كبير، بسبب نقص إمدادات الوقود المخصصة لتشغيلها بسبب إغلاق إسرائيل، منذ أكثر من أسبوعين، لمعابر غزة.
أما سامي أبو سالم، الذي نزح وأسرته للمرة الرابعة إلى مدينة دير البلح، ويقطن في منطقة خيام مقامة جنوب المدينة، فقد أشار إلى أن الحصول على المياه يمثل معضلة كبيرة لأسرته، لافتاً إلى أنه وأبناءه يتجهون إلى أماكن بعيدة من أجل ملء جالونات المياه، حيث يكلفهم ذلك وقتاً وجهداً كبيرين.
وقال: “أصبح الحصول على شربة ماء يحتاج إلى وقت وجهد كبير”.
وتحدث أبو سالم عن مواجهته مشكلة كبيرة يعاني منها جميع النازحين، وتتمثل في عدم امتلاك المال في هذا الوقت لشراء احتياجات الأسرة، من طعام وغيره من مستلزمات، خاصة في ظل ارتفاع أثمانها بشكل كبير، ويشير إلى أنه كغيره لا يستطيع سحب أمواله من البنوك، لشح السيولة، وإغلاق البنوك أبوابها واقتصار عملها على بعض الصرافات الآلية.
ويؤكد أن الجميع يعاني من شح الطعام في هذا الوقت، لعدم دخول مساعدات، كما كان الوضع سابقاً، بسبب إغلاق سلطات الاحتلال المعابر.
ويقول إنه كان من أجمل المشاهد اليومية في غزة أن تصحو من النوم وتطل برأسك من المنزل، لترى أطفالاً يحملون على ظهورهم حقائب المدرسة بمختلف ألوانها يتوجهون إلى مدارسهم، في مشهد يمنح الأمل، ويضيف: “الآن تطل برأسك من مكان لجوئك تجد أطفالاً من الجنسين يحملون قوارير وجالونات ماء فارغة مهترئة يتوجهون لأي بئر ماء أو شاحنة تبيع أو توزع الماء، أو يحملون بطاريات وهواتف لشحنها من شخص لديه لوح طاقة شمسية، أو يصطفون في طابور الخبز، أو طابور الحمام.
وقد أكدت العديد من الأسر النازحة وغير النازحة أنها اضطرت في أوقات كثيرة لشرب المياه العادية غير المعالجة والصالحة للشرب، لإطفاء ظمأها، وقد أدى ذلك إلى إصابة أفراد من هذه الأسر خاصة الأطفال بأمراض معوية.
وعلى شاطئ مدينة دير البلح التي تكتظ بالنازحين، تضطر الأمهات إلى دفع الأطفال للاغتسال في مياه البحر المالحة، في هذا الوقت الذي ترتفع فيه درجات الحرارة لعدم توفر مياه عادية للاغتسال، ويترك ذلك بعد مرور الوقت آثار على جسم هؤلاء الأطفال، غير أن النساء يقلن إن الآثار هذه أقل ضرراً من ترك الأطفال بلا اغتسال لمدد طويلة.
ويقوم سكان خيام قرب بحر دير البلح بتعبئة المياه المالحة من البحر لاستخدامها في دورات المياه وأعمال التنظيف، وهذه العملية تحتاج إلى جهد كبير، إذ يضطر البعض لحمل جالونات المياه لمسافة تزيد عن الكيلو متر.
والجدير ذكره أن جيش الاحتلال الإسرائيلي تعمد خلال الحرب تدمير المئات من مرافق المياه والصرف الصحي في قطاع غزة، وذلك من خلال القصف الجوي المركز على تلك المرافق وآبار المياه ومستودعات الصيانة.
وكانت منظمة “أكشن إيد” الدولية قالت إن مواطني قطاع غزة يعانون الجفاف والمرض وسط ظروف غير صحية، بسبب النقص الحاد في المياه الصالحة للشرب، وأشارت إلى أن لا أحد في غزة البالغ عدد سكانها 2.3 مليون، يملك ما يكفي من المياه الصالحة للشرب لتلبية احتياجاته اليومية.
وحسب جهاز الإحصاء الفلسطيني، فإن إجمالي كمية المياه المتاحة حالياً في غزة، يقدر بنحو 10 إلى 20% فقط من الكمية التي كانت تتوفر قبل بدء الحرب يوم 7 أكتوبر الماضي.
وزادت مشكلة إغلاق سلطات الاحتلال لمعابر غزة، وتحديداً معبر رفح البري الفاصل عن مصر، مع بدء العملية العسكرية الإسرائيلية ضد المدينة، أزمة السكان في الحصول على إمدادات المياه والطعام، خاصة أن هذا المعبر كانت تمر منه شاحنات الوقود التي كانت توفر السولار المخصص لتشغيل محطات تحلية المياه وآبار المياه العادية.
ويشتكي سكان مخيم النصيرات من توقف محطة التحلية الرئيسة، منذ أكثر من أسبوع، لعدم توفر الوقود اللازم لتشغيلها.
وقد كان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، أعرب عن قلقه العميق إزاء الأنشطة العسكرية الإسرائيلية المتزايدة في رفح، ودعا إلى إزالة جميع العقبات التي تحول دون إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى قطاع غزة.
وقالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، أكبر المنظمات الأممية التي تقدم مساعدات للسكان خلال الحرب، إن الوصول الآمن والمضمون للمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، يعد “أمراً أساسياً لمواجهة النقص الحاد في المياه الذي تواجهه الأسر النازحة، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة”.
وأكدت أن صحة سكان غزة وحياتهم تعتمدان على وصول المساعدات دون عوائق، ووقف فوري لإطلاق النار، وقالت إنه كان هناك محطات تحلية المياه توقفت عن العمل في قطاع غزة في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على الجيب الساحلي، وأن سكان قطاع غزة “لم يعد لديهم ما يكفي من الماء ما وضعهم أمام تحديات كبيرة للبقاء على قيد الحياة”.
سير مسافات طويلة
وبحسب الأونروا، يُجبر السكان المحليون، بمن فيهم الأطفال، على السير لمسافات طويلة من أجل الحصول على المياه، داعية سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى توفير الوقود للسماح لهم الوصول إلى الماء فورًا.
وسبق أن حذرت “الأونروا” من أن عدم توفر الوقود في غزة تسبّب بتوقف محطات مهمة لتحلية المياه عن العمل، وطالبت الوكالة الأممية السلطات الإسرائيلية بتوفير الوصول إلى المياه بشكل فوري.
وقالت، في تدوينة على “أكس”: “ليس لدى الناس ما يكفي من المياه، أصبح البقاء على قيد الحياة تحدياً كبيراً”، مشيراً إلى أن توقف تلك المحطات يجبر العائلات، وبينهم الأطفال، على السير طويلاً للحصول على المياه.
وبعد جهد واتصالات كبيرة، أعلن رئيس سلطة المياه مازن غنيم عن إدخال كميات من الوقود اللازم لتشغيل آبار المياه ومحطات الصرف الصحي الرئيسة في غزة وشمال غزة، وشدد على ضرورة تعاون جميع الأطراف في توفير الوقود الكافي لتشغيل المرافق اللازمة وضمان استمرار عمل الآبار والمحطات، خاصة مع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة الذي يترتب عليه الزيادة في الطلب على المياه التي تعرضت لنقص حاد، بسبب تدمير جزء كبير من مرافق المياه والصرف الصحي.
وهذه الكميات التي دخلت لا تفي كل احتياجات محطات المياه والصرف الصحي، ولا تضمن تشغيلها على مدار الساعة.