ساهم اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، في غارة إسرائيلية استهدفته في الضاحية الجنوبية لبيروت الجمعة 27 سبتمبر/ أيلول 2024، في زيادة التوتر داخل الحكومة العراقية، التي يترأسها محمد شياع السوداني منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
ووجد رئيس الحكومة العراقية نفسه بين أزمتين، الأولى عدم قدرته على كبح فصائل المقاومة المسلحة في العراق بعد حادث اغتيال حسن نصر الله، والأزمة الثانية القائمة بينه وبين الإطار التنسيقي الشيعي، الذي دعمه للوصول إلى رئاسة الوزراء.
ويضم العراق جزءا من قوى محور المقاومة، من فصائل شيعية مسلحة خاضت القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية الذي اجتاح العراق في صيف عام 2014، كما يضم أيضا قوات وقواعد أمريكية مازالت باقية في العراق منذ الغزو الأمريكي عام 2003.
وفي الكثير من المناسبات استهدفت الفصائل المسلحة الشيعية المنضوية تحت محور المقاومة والحشد الشعبي العراقي القواعد الأمريكية، وبعد اغتيال واشنطن لقائد فيلق القدس السابق الجنرال قاسم سليماني سنة 2020، استهدفت هذه الفصائل بشكل يومي المصالح الأمريكية، ولكن بعد تولي محمد شياع السوداني الحكومة العراقية، هدأت الأمور بشكل كبير.
وكشف قيادي شيعي مقرب من فصائل المقاومة أن العراق يعيش في منعطف خطير بعد اغتيال حسن نصر الله، لأن هذا الأخير كان يحظى بمكانة رفيعة وخاصة جدا لدى فصائل المقاومة العراقية.
وأضاف المتحدث، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أنه على مدى عامين حاول السوداني تهدئة مخاوف واشنطن من هجمات الفصائل المسلحة العراقية على الأصول الأمريكية، وذلك من خلال الحفاظ على مصالحها الاقتصادية لكن مقتل نصر الله من المتوقع أنه سيغير كل شيء.
وأكد المصدر نفسه أنّ السوداني متخوف أن تتجاوز هذه الفصائل الخطوط الحمراء، وتستهدف الأصول الأمريكية المتواجدة في العراق وفي دول الخليج أيضا، حينها سيكون العراق في كارثة لا يمكن تصورها.
من جهته قال قيادي في فصيل كتائب حزب الله العراقي، وهو واحد من أقوى وأكبر فصائل المقاومة المسلحة الشيعية في العراق، إن اغتيال إسرائيل لحسن نصر الله، جعلنا جاهزين للتصعيد في أي وقت.
وأضاف المصدر نفسه في حديثه: “بدأنا استهداف إسرائيل بشكل محدود، ولكننا منفتحون على جميع خطط التصعيد بعد مشاورة الإخوان في باقي الفصائل والإخوة الإيرانيين واللبنانيين في حزب الله”.
وأضاف المتحدث قائلا “وارد وطبيعي جدا أن يتم استهداف الأصول الأمريكية في العراق وخارجه، ولن يمنعنا أحد من هذا الأمر، إذا توصلت القيادات لضرورة القيام بذلك، فنحن بإذن الله وتوفيقه سنفعلها”.
جدير بالذكر أن “المقاومة الإسلامية في العراق” تضم أربعة فصائل من أبرز فصائل الحشد الشعبي العراقي وهي: كتائب حزب الله، عصائب أهل الحق، كتائب النجباء، والفصيل الرابع والأخير داخل “المقاومة الإسلامية العراقية”، هي كتائب سيد الشهداء.
منذ بدء التصعيد الإسرائيلي ضد حزب الله اللبناني، وقبل اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله، أعلنت عدد من فصائل المقاومة في العراق استعدادها للوقوف بجانب حزب الله إذا خاض حربا ضد تل أبيب.
وحسب ما أكدته مصادر على لسان قيادي في كتائب حزب الله العراقية، فإن 40 ألف مقاتل من العراق انتقلوا إلى سوريا استعدادًا لتنفيذ أوامر حسن نصر الله، وذلك حصل قبل اغتياله.
ولكن بعد أن تم اغتيال حسن نصر الله الذي يحظى بقيمة عالية لدى هذه الفصائل، فما هي السيناريوهات المحتملة المطروحة أمام فصائل المقاومة العراقية، وما تأثيرها على حكومة السوداني التي تعاني من أزمة سياسية مع الإطار التنسيقي الشيعي وهو الائتلاف الحاكم الآن؟
يقول قيادي من كتائب النجباء مفضلا عدم النشر، “نحن تحركنا بالفعل قبل اغتيال نصر الله، ووضعنا خططنا، وكنا في انتظار توجيهات حزب الله والحرس الثوري، أرسلنا المقاتلين إلى الحدود السورية لصد أي اجتياح بري إسرائيلي محتمل لجنوب لبنان، ولكن ما حدث كان صدمة لم يتوقعها أحد”، في إشارة إلى اغتيال إسرائيل لنصر الله.
وبحسب المصادر العراقية من فصائل المقاومة في هذا التقرير، فإن هناك سيناريوهين تم التخطيط لهما بعد اغتيال حسن نصر الله، لكنهما مازالا قيد المناقشات.
السيناريو الأول: ستعمل فصائل المقاومة العراقية على مواجهة شاملة وعلى نطاق واسع على جبهات متعددة وفي وقت واحد، تشمل استهداف الأصول الأمريكية في العراق وسوريا ويمكن أيضا أن تصل لبعض الدول الخليجية التي تستضيف قواعد أمريكية”.
وبحسب مصدر فإن سيناريو المواجهة الشاملة المتعددة الذي وضعته فصائل المقاومة العراقية يتضمن أيضا التعاون مع الحوثيين في استهداف حركة الملاحة البحرية.
أيضاً سيشمل هذا السيناريو استهداف إسرائيل بالطائرات بدون طيار، وهو ما بدأت فيه فصائل المقاومة بالفعل ولكن على نطاق محدود مثلما قالت المصادر .
ويقول قيادي آخر في كتائب النجباء عن هذا السيناريو قائلا، “هذا السيناريو خطير وسيكون له آثار سلبية على العراق بالتأكيد لكننا سنكون مضطرين للجوء له في حالة تصعيد خطير من جانب إسرائيل ضد حزب الله.
وحسب المتحدث فإن الفصائل العراقية ستلجأ إلى هذا السيناريو في حالة تفكيك جميع القدرات العسكرية لحزب الله خاصة بعد اغتيال نصر الله وأغلب القادة المؤثرين في الحزب، وتنفيذ التهديد الإسرائيلي باجتياح بري لجنوب لبنان”.
السيناريو الثاني: ووفقا لمصادر عراقية من فصائل المقاومة، فإن هذا السيناريو يتسم بالمواجهة المحدودة، ستقوم الفصائل العراقية فيه باستهداف إسرائيل من العراق وسوريا، دون استهداف الأصول الأمريكية سواء داخل العراق أو سوريا أو الموجودة في الشرق الأوسط.
ويعلق القيادي في كتائب حزب الله العراقية على هذا السيناريو قائلا ، “المواجهة المحدودة وعدم استهداف الأصول الأمريكية لا يعني مواجهة ضعيفة أو أقل شدة من الخطة الأولى، ولكنها ستكون استكمالا لما تفعله فصائل المقاومة العراقية الآن من استهداف إسرائيل بشدة أعلى لتخفيف الضغط على حزب الله”.
ويضيف المتحدث قائلاً “ربما تكون المواجهة المحدودة هي الأكثر ترجيحاً حتى الآن، وهذا رأي الإخوة الإيرانيين أيضًا، لأنها تضمن استقرارا نسبيا للعراق بعيدا عن الاستهدافات الأمريكية والاغتيالات”.
وفي نفس السياق يقول قيادي في هيئة الحشد الشعبي العراقي ومقرب من فصائل المقاومة العراقية ، “تنخرط فصائل المقاومة العراقية بالتأكيد في مواجهة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، فعلى عكس حرب غزة حينها اختارت الفصائل التورط المحدود وهو ما جعل السوداني يحظى بثقة واشنطن بشكل كبير.
وأضاف المتحدث أنه بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله ونظرا للمكانة التي كان يحظى بها لدى الفصائل العراقية فإن الانخراط سيكون أكبر، لكن العقبة الوحيدة أمام هذا الانخراط هي موقف الحكومة العراقية.