في الأكل العاطفي يلجأ الشخص إلى تناول كميات مضاعفة من الطعام كملاذ للتخفيف من حدة المشاعر السلبية كالتوتر والقلق والحزن والملل والوحدة. وبدلًا من مواجهة المشكلات، تكون استراتيجية الهروب من الضغوط النفسية التي تهدد استقرار الشخص وقدرته على التأقلم مع واقعه بتناول كميات كبيرة، معتقدا أنه بهذه الطريقة سيلهي نفسه عن ظروفه الصعبة.
اعتادت منال (43 عاما)، أن تهرب من مشاكلها وأحزانها إلى الأكل على أمل أن تجد فيه راحتها من كل ما يقلقها. تراكمات كثيرة وأزمات يومية لا تنتهي بسبب الأولاد والعمل وغيرها من الأعباء التي أثقلت عليها وجعلتها مشوشة الذهن طوال الوقت غارقة بالتفكير الذي لا جدوى منه وبين فكرة وأخرى دوامة من الأسئلة لكن من دون أي إجابات تزيح عن قلبها الهم. ومن دون وعي منها أو تخطيط؛ وجدت نفسها تلجأ إلى الأكل بعشوائية لتكسر بذلك الانضباط الذي كانت تحرص عليه لتبقى محافظة على وزنها وحتى لا تقع في فخ السمنة وما يلحقها من أضرار نفسية وجسدية. منال رأت في الأكل وسيلة جيدة لتمنع نفسها من التفكير بكل ما تواجهه من أزمات معتبرة أن الأكل سينسيها معاناتها في ظل واقع متسارع صعب.أما أكرم (31 عاما)، فيجد في الأكل وسيلة تسلية وحل يحتمي به من مشاعر سلبية تحاصره، وفراغ كبير يعيشه جراء عدم حصوله على وظيفة في مجال تخصصه. “الفراغ قاتل”، هذا ما يؤكده أكرم الذي استسلم لليأس فكل الأبواب مغلقة في وجهه ولا يجد أي بصيص أمل ينقذه من همه وحزنه غير الأكل.
يقول: “إنه دائما ما يشعر بالجوع حتى وإن قرر أن يمنع نفسه وينظم وجباته، إحساسه بالفراغ والملل يدفعانه إلى أن يختار الأطباق الدسمة، إضافة إلى الحلويات التي اعتاد أن يتناولها يوميا وهذا ما تسبب بزيادة وزنه بشكل لافت، وبالتالي إصابته ببعض الأمراض المزمنة رغم صغر سنه”.
أم مالك هي أيضا قلقة على ابنها الذي يزداد شعوره بالجوع كلما اقتربت فترة الامتحانات، تقول: “حالة غريبة تنتاب ابنها تجاه الأكل، فهو يقضي أكثر من ثلثي وقته في المطبخ محاولا قمع توتره بتناوله لأطباق مختلفة من دون الانتباه لخطورة تلك الحالة”. وتبين أنه لا يكترث لنصائحها لدرجة أنه أصبح يأكل بالخفاء الأمر الذي زاد من وزنه وأيضا، تسبب له بمشكلات صحية بالمعدة.
وتبين اختصاصية التغذية ربى العباسي أن الأكل العاطفي مشكلة تغذوية سببها الضغوط النفسية والأزمات، وعدم القدرة على التأقلم معها أو إيجاد الحلول المناسبة لكل ما يعانيه الشخص من ضيق وتعب.
والأكل العاطفي، وسيلة مريحة يلجأ إليها الأشخاص للتخفيف من ضغط المشاعر السلبية عليهم كالتوتر والغضب والملل، ويكون ذلك دون الشعور الفعلي بالجوع.
مشيرة العباسي إلى أن هؤلاء الأشخاص يختارون الهروب إلى الأكل كلما واجهوا موقفا أخافهم أو أحزنهم أو حتى شعروا بالفراغ وهذا حتما يعرضهم لمشاكل كثيرة وعلى رأسها السمنة وأمراض أخرى، كالسكري والضغط وذلك لأنهم ينتقون الأطعمة الغنية بالسكريات والدهون العالية كالآيسكريم ورقائق البطاطا والبيتزا وغيرها من المأكولات السريعة، وخاصة في الليل عندما يبدأ الإنسان يفكر ويعيد حساباته بكل الأزمات التي تحيط به.
وبحسب العباسي، فإن تفريغ الضغط النفسي عن طريق الأكل وتناول كميات كبيرة وفي أي وقت من دون تنظيم يؤدي ذلك إلى عدم الراحة نتيجة الشبع الشديد. ووفق قولها، “علينا أن نسأل أنفسنا قبل أن نهرب إلى الأكل هل نحن نشعر بالجوع حقيقة ومن ثم نعرف كيف نضبط تلك الاختلالات التي يرافقها الكثير من الأضرار النفسية والجسدية”.
ومن علامات الأكل العاطفي، الشعور فجأة بالرغبة في تناول الطعام، تكرار التردد للمطبخ والأكل في أوقات غير معتادة، الميل لأكل كميات كبيرة والإحساس بالندم بعد الانتهاء، زيادة الوزن في وقت قصير.وتنصح العباسي بشرب كميات كبيرة من الماء إلى جانب ممارسة الرياضة وتدوين كل ما يتم تناوله خلال اليوم، لأن ذلك يساعد على مراقبة النفس، وإدراك اختيارات الأطعمة وأوقات تناولها، إضافة إلى وضع أهداف للتغلب على العادات الغذائية غير الصحية.
ويرى الاختصاصي النفسي الدكتور باسل الحمد أن الأكل العاطفي يترتب عليه الكثير من الآثار السلبية نتيجة الإفراط بتناول الطعام والتركيز على الوجبات السريعة والسكريات، مبينا أن السبب الأول للأكل العاطفي هو اعتقاد الشخص أن الأكل ينسيه مشكلاته وهمومه وأنه الحل حتى لو للحظات، وبمجرد تناوله للأكل يشعر بالراحة، وذلك لأن تناول الطعام يسهم بإفراز مادة الدوبامين في المخ.
وأيضا، يلجأ البعض للطعام لمواجهة مشاعرهم كالتوتر مثلا لاعتيادهم على ذلك كلما شعروا بالضغط أو بأي شعور سلبي آخر، وإقناع النفس أن الأكل طريقة للترفيه، إضافة إلى توفر فيديوهات وصور للطعام بكثافة مما يثير الرغبة لدى الأشخاص بتناوله من دون إدراك أو تنظيم.
وبحسب الحمد، فإن تبعات الأكل العاطفي خطيرة صحيا ونفسيا، وذلك يشمل زيادة الوزن، عدم الثقة بالنفس والشعور الدائم بالندم، كما يتسبب بأمراض مزمنة لا حصر لها، مبينا أن الهروب بالأكل حل مؤقت ينتج عنه بعد ذلك الشعور بالذنب وأضرار أخرى، علاوة على بقاء المشكلة الأساسية من دون حلول.
ويدعو الحمد إلى التخلص من هذه المشكلة والتغلب على تبعاتها عبر الاحتفاظ بمفكرة طعام، يكتب عليها “ما تأكل وكم تأكل”، وينبغي التخفيف من التوتر وذلك بممارسة اليوغا أو التأمل أو التنفس العميق، كذلك المشي أو مشاهدة فيلم أو القراءة أو الاتصال بصديق، وغير ذلك من الأفكار التي تبعدك عن الأكل، وبالتالي تسمح لك بتنظيم وجباتك وتوزيعها على مدار اليوم.