تشير أكثر الأرقام الرسمية تفاؤلا إلى أن 16 % من الأردنيين يعيشون دون خط الفقر وهذا المعدل بالنسبة لكثير من الخبراء لا يعبر عن الواقع بأي شكل من الأشكال لسببين رئيسين، الأول أن هذه الأرقام صدرت قبل فترة زمنية طويلة مدتها 7 سنوات والثاني أنها لا تأخذ بعين الاعتبار بعض المعايير التي تمنح مثل هذه المؤشرات الموضوعية والدقة.
ويعتقد الخبراء أن نسب الفقر في الأردن هي أعلى بكثير من النسب المعلنة لأن آخر تحديث حكومي لمعدلات الفقر كان في العام 2017 إذ اجتاحت أزمة كورونا اقتصاد البلاد في العام 2020 ومن ثم ضرب تسونامي التضخم في العام 2021 فيما أدت آلة الحرب الصهيونية المتهورة في المنطقة إلى تجفيف منابع النمو الاقتصادي منذ العام 2023.
ولم تحدث نسب الفقر في الأردن منذ أكثر من 7 سنوات ، إذ تم تأجيل كشفها أكثر من مرة خلال الأعوام الأخيرة، وكان من المقرر الكشف عنها خلال شهر نيسان (ابريل) الماضي إلا أنه تم التأجيل من جديد، غير أنه بحسب آخر مسح لدخل ونفقات الأسرة الذي صدر عن دائرة الإحصاءات العامة وتم تنفيذه في العام 2017 – 2018، أفاد أن معدلات الفقر على مستوى المملكة تقدر بـ15.7 %.
غير أن نائب رئيس الوزراء للشوؤن الاقتصادية الأسبق ناصر الشريدة كشف في تصريحات صحفية سابقة خلال عام 2021 عن ارتفاع نسبة الفقر في الأردن إلى 24 % “محليا”، على حد تقديره آنذاك، في وقت قدر تقرير “أطلس أهداف التنمية المستدامة للعام 2023″، عدد الفقراء في الأردن بحوالي 3.980 مليون شخص (زهاء 35 % من السكان)، استناد إلى معطيات خط الفقر الوطني لكل دولة في العالم، والمحدد للفرد الواحد في الأردن بـ7.9 دولار في اليوم.
وفي ظل تزايد معدلات الفقر محليا وعدم فعالية استراتجية الفقر المعمول بها حاليا بدليل استمرار انتشار الفقر في الأردن، وقرب المدة المحددة للانتهاء العمل بها والمحددة بنهاية عام 2025 شدد الخبراء على أن كل المعطيات الاقتصادية والاجتماعية تشير إلى حاجتنا أردنيا إلى تطوير مقاربة واستراتيجية وطنية جديدة لحل مشكلة الفقر.
ويرى الخبراء ان السيطرة على مستويات الفقر محليا، تستدعي السعي إلى تصميم إستراتيجية جديدة أكثر شمولية ومتعددة الأبعاد تنطلق من معالجة المشكلات المنتجة لظاهرة الفقر، والمتمثلة في ضعف معدلات النمو الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة وضعف المشاركة الاقتصادية، إضافة إلى ارتفاع حجم الضرائب مقابل ضعف معدلات الأجور.
ولفت الخبراء إلى أهمية تصميم إستراتيجية جديدة للفقر ترتكز على تحليل الواقع الاقتصادي للبلاد خلال السنوات الأخيرة وتوقعاته خلال السنوات القادمة، إضافة إلى مراعاة تغيير معايير الفقر محليا، والتركيز على إيجاد الحلول التي تساهم في تحسين الواقع المعيشي بشكل مستدام.
ويضاف إلى ذلك أهمية تضمين الاستراتيجية مبادرات ذات اثر على المستوى المعيشي للمواطنين وواقعية وقابلة لتنفيذ كإطلاق مشاريع تشغيلية وانتاجية في مناطق المجتمعات المعوزة، إضافة إلى تنفيذ مشروعات سكنية للفئات الهشة، إلى جانب مشروع التأمين الصحي الشامل وغيرها من برامج الحماية الاجتماعية.
وقال مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض إن” الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر القائمة حاليا ليس لها أي نجاح ملموس على أرض الواقع”، إذ ما تزال مستويات الفقر مرتفعة بل وتزايدت في السنوات الأخيرة.
وفي ظل عدم فعالية استراتيجية الفقر المعمول بها حاليا وقرب المدة المحددة لانتهاء العمل بها والمحددة بنهاية عام 2025، شدد عوض على أهمية عمل الحكومة الجديدة وبالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني وغيرها من الجهات المعنية، على إطلاق إستراتيجية وطنية جديدة لمجابهة الفقر.
ويذكر أنه في عام 2019، تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية 2019 – 2025 ، والتي جاءت بهدف بناء منظومة حماية اجتماعية شاملة ومتكاملة تحصّن الأردنيين والأردنيات من الفقر وخطر الوقوع به وتمكنهم من العيش بكرامة، الأمر الذي يتطلب تنسيق هذه الجهود وتوجيهها في سبيل حماية الأسر الفقيرة والمعرضة للفقر، والعمل على تصميم وتنفيذ برامج الحماية المتكاملة التي تلبي حاجات الأسر الفقيرة وتمكنهم من الإنتاج وبالتالي الاندماج اجتماعياً واقتصادياً.
ولفت عوض إلى ان الضرورة ملحة وطنيا من أجل السيطرة على مستويات الفقر، والسعي إلى تصميم إستراتيجية جديدة أكثر شمولية ومتعددة الأبعاد وألا تقتصر على بعد محدد كما في الاستراتيجية الحالية التي تم وضع إطارها بناء على بعدين وهما زيادة عدد العائلات الفقيرة المتلقية للمساعدات، إضافة إلى تشجيع الشباب والاسر المعوزة على الانخراط في المشاريع الصغيرة.
وبين عوض انه من المهم بناء إستراتيجية شاملة تقوم بصورة رئيسية على معالجة المشكلات المنتجة للفقر، وهذه المشكلات تتمثل في ارتفاع معدلات البطالة وضعف المشاركة الاقتصادية، إضافة إلى ارتفاع حجم الضرائب مقابل ضعف معدلات الأجور، حيث إن التغلب على كل ما سبق سيمكننا محليا من الحد من ظاهرة الفقر، لذلك يجب أن تركز الاستراتيجية على معالجة هذه المشكلات.
ويضاف إلى ذلك التركيز على رفع سوية الخدمات العامة، إلى جانب تدشين مشاريع سكانية وتشغيلية وانتاجية بالشراكة مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني في المناطق التي ينتشر بها أكبر عدد من الفئات المعوزة والهشة اجتماعيا بما يسمح لها للتحول إلى مجتمعات منتجة.
وأشار عوض إلى أن انتشار الفقر أو تراجعه يعتمد على السياسات الاقتصادية ومدى نجاحها من عدمه، بمعنى كلما كانت السياسات الاقتصادية مثمرة ومحركة للعملية الاقتصادية فإن معدلات الفقر ستقل والعكس صحيح.
وأكد الباحث في قضايا الفقر محمد الجرابيع، أن المتغيرات والظروف التي ألمت بالعالم وبما فيه الأردن خلال السنوات الأخيرة بدء من جائحة كورونا مرورا بالحرب الروسية الاوكرانية وصولا إلى العدوان الإسرائيلي الاخير على قطاع غزة، وما كان لها من انعكاسات وأثمان اقتصادية كتراجع مستوى النمو الاقتصادي، والنشاط السياحي، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، فاقَمَ بصورة وأخرى من معدلات الفقر محليا خلال تلك السنوات.
ويرى الجرابيع، أن الظروف الوبائية والجيوسياسية التي طرأت خلال السنوات الماضية وما ترتب عليها من متغيرات على واقع الفقر في الأردن الذي تزايدت رقعته ومستوياته، يستدعي التوجه نحو إطلاق إستراتيجية وطنية جديدة لمعالجة الفقر تراعي هذه المتغيرات، خاصة وان الظروف التي تم وضع الاستراتيجية السابقة على أساسها مغايرة تماما عن اللحظة الآنية.
وأوضح الجرابيع أنه من المهم تصميم إستراتيجية جديدة للفقر ترتكز على تحليل الواقع الاقتصادي للبلاد خلال السنوات الأخيرة وتوقعاته خلال السنوات القادمة، إضافة إلى مراعاة تغيير معايير الفقر محليا، والتركيز على إيجاد الحلول التي تساهم في تحسين الواقع المعيشي بشكل مستدام.
ودعا الجرابيع الحكومة إلى ضرورة الإسراع في تحديث مؤشرات الفقر المحلية والتعامل معها كأرقام اقتصادية، لإتاحة الفرصة للحكومة ذاتها وللباحثين تشخيص مشكلة الفقر بصورة دقيقية، وبالتالي إمكانية التوصل إلى حلول للحد من تنامي معدلاتها.
إلى ذلك، قال الخبير الاقتصادي زيان زوانة “في ظل ضعف معدلات النمو الاقتصادي وزيادة نسب البطالة محليا في الأعوام الخمس الماضية” فإنه من المؤكد أن مستويات الفقر تعمقت في المجتمع الأردني، وهو ما يعني الحاجة إلى مضاعفة الجهود لمواجهة مشكلات البطالة.
وتابع زوانة ” البطالة والفقر والتعليم والصحة متلازمة رباعية ، فمن لا يعمل ولا دخل له يصبح فقيرا ، والفقير لا يتعلم لأنه لا يملك المال، ومن لا يملك المال ليس بإمكانه علاج نفسه أو أسرته إن احتاجت للعلاج، وهنا يتعمق الفقر بأبعاده التعليمية والصحية، ما يستدعي بناء على ذلك، تطوير إستراتيجية وسياسات جديدة لمواجهة مشكلة الفقر تأخذ بالاعتبار هذه الترابطات متبادلة التأثر والتأثير، وبدون ذلك، سيبقى الاقتصاد الأردني عالقا في المتلازمة الرباعية المذكوره والتي قد تنتج على المديين المتوسط والطويل قوة عمل غير مؤهلة وغير قادرة على المشاركة، وهو ما يمكن أن يقود إلى توسع دائرة الفقر”.
وأكد زوانة ان كل المعطيات الاقتصادية والاجتماعية تشير إلى حاجتنا أردنيا إلى تطوير مقاربة وإستراتيجية وطنية جديدة لحل مشكلة الفقر، بعيدة عن الإستراتيجيات السابقة التي دائما ما كانت تركز على زيادة حصة المساعدات والمشمولين بها دون تقديم حلول مستدامة، داعيا في هذا الصدد إلى وجوب تنظيم إستراتيجية تشتمل على مبادرات ذات اثر على المستوى المعيشي للمواطنين وواقعية وقابلة لتنفيذ كإطلاق مشاريع تشغيلية، إضافة إلى تنفيذ مشروعات سكنية للفئات الهشة، إلى جانب مشروع التأمين الصحي الشامل