الطّنجَرة معروفة للعموم وإنْ كانت بأسماء مختلفة ولكنها- لِمَن لا يعرِفها – هي وعاء معدني يُستخدم عادةً للطهي وخلط مكونات الأكل ولها غطاء يُخفي ما بِداخلها ، وحتّى يَعرِفُ الواحد فينا ما بداخل هذه الطنجرة فلا بُدّ لَهُ مِنْ فتحها ، والفضلُ في إستخدامي لهذا المصطلح يعود لرئيس الوزراء الأسبق المرحوم مُضر بدران ، حيث أورد في مُذكراتهِ المُسماة ” القرار ” ، وَعندَ ذكرِهِ لأحداث ما يُعرَفُ أردنيًا بهبة نيسان عام 1989 إنّه وعند إندلاع الأحداث في مدينة معان وكان حينها جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال في زيارة خارجية وكان يتولى الحكم الأمير الحسن بن طلال أطال الله في عمره ، ورئيس الوزراء حينها المرحوم زيد الرفاعي وذلك نتيجة الأوضاع الاقتصادية السيئة وإنهيار الدينار الأردني لأسباب ليس المجال لبحثها في هذا المقال ، وحيث توسعت هذه الأحداث إلى مُدن الكرك والطفيلة والسلط وإربد وعمّان وراح ضحيتها مجموعة مِنْ المواطنين ، وَقَد إنتقلت المُطالبات مِنْ إقتصادية إلى سياسة وإجتماعية وصولًا إلى مُكافحة الفساد !! .
لَمْ يَكُن السياسيون الذين يتولون الحكومة آنذاك يَعرِفون أو يُدركون مالذي يُريده هولاء المُتظاهرون – أو أنهم يدّعون جهلهم بهذه المُطالبات – فكان هذا المصطلح الرائع للمرحوم مضر بدران والذي قالهُ للراحل الحسين رحمه الله : إفتحوا الطنجرة حتى نعرف ما بداخلها ، بمعنى أن نعرف ماذا يُريد الشعب !! .
وَكيفَ لنا أن نَعرِف ماذا يُريد الشعب إلّا بواسطة إجراء إنتخابات حُرّة ونزيهة ، وَمَن لها غير شخص لَمْ يتلوث بالحياة السياسية !! ونفاق السياسيين !! وَكَذِب السياسيين !! فكانَ الاختيار الأفضل والأصدق ألا وهو الشريف – الأمير لاحقًا- زيد بن شاكر رحمه الله ، وأجريت الانتخابات وكانت الأصدق والتي لَمْ تُعاد مرّة ثانيةً منذ ذلك الحين !! .
وَمرّ ذلك المجلس النيابي في الحياة السياسية الأردنية أجمل ما يكون وكان لنا مجلس خافَ منهُ المحيط العربي المجاور لنا أكثر مما خافهُ النظام الأردني ، ويروي المرحوم مضر بدران أنه كان يزور العربية السعودية برفقة جلالة الراحل الحسين بن طلال وأثناء اللقاء مع الملك فهد سألهُ الاخير : كيف إستطعتَ تَحمّل نقاشات وإتهامات هولاء النواب لك ؟ فقال المرحوم بدران للملك فهد : أنتم مَنْ أوصلنا إلى ما رأيتم بسبب حَجْبِكم للمعونات الاقتصادية عَنْ الاردن !! ، ويُتابع السيد بدران روايته لهذه الحادثة ويقول : أنّ الملك فهد سأله ” كَمْ تُريدون مُقابل حَل هذا المجلس ؟ ” ، قال : سداد ديون الأردن والبالغة ثمانية مليارات دولار !! وحينها أمر الملك فهد رحمه الله أن يتمّ المباشرة بهذا الأمر حالًا !! .
عادَ رئيس الوزراء واجتمع بكتلة الإخوان المسلمين والتي كانت تُشكل أغلبية المعارضة وأبلغهم بهذا العرضِ فأبدوا موافقتهم دون تردد على حلّ المجلس إلى الدرجة التي قال فيها المرحوم يوسف العظم بأنه سيعود إلى الجفر مِنْ عمّان مشيًا على قدميهِ لإبلاغ الناس بأنه قَدْ تَمّ حل مشكلة الأردن الاقتصادية ، وَقَد فَعَلَت باقي الكتل النيابية ذات الشيء ، ولكن دخول العراق إلى الكويت أوقف كُلّ ذلك !! .
ومما يرويهِ المرحوم بدران في مذكراته أنّ الشيخ النائب عبدالمنعم أبو زنط قَدْ أورد عبارة في كَلِمتهِ قال فيها ” إنَّ هُناك نوابًا يُمثلونَ مُدُناً ورجالًا ، ونوابًا يُمثلونَ رمالًا وجبالًا وصخوراً ” في إشارة قَدْ تكون إلى نوّاب البادية الأردنية !! وَقَد حَدَث نتيجة ذلك تهديد للنائب أبو زنط وخاصة مِنْ النائب نايف ابو تايه الذي حاول الدخول إلى المجلس وهو حاملًا مسدسه الشخصي مما دفع الحكومة الى توفير الحماية للنائب ابو زنط ونقله بسيارة حكومية بالرغم مِن حَجبهِ الثقة عَنْ الحكومة .
دَعونا نَطلب من حكومتنا في هذه الانتخابات أن إفتحي الطنجرة وأعرفي ماذا يُريد الشعب !! لا تخافي يا حكومتنا الرشيدة فالاردنيون يخافون على بَلَدهم ووطنهم أكثر ممن يدّعون ذلك !! لا تتدخلي في إختيارات الشعب ولا تسمحي لهولاء المترشحين بالعبث بإرادة الشعب ، وإن كان لا بُدّ من التدخل فلا تبحثي عَنْ الأكثر طواعية وإنصياعاً بل إبحثي عَنْ الاكثر شعورًا بالوطن ومصلحة الوطن .
المحامي فضيل العبادي
رئيس اللجنة القانونية / مجلس محافظة العاصمة