تشهد الحركة السياحية في محافظة جرش، تراجعا غير مسبوق، مقارنة بالسنوات الماضية بسبب الظروف الاقتصادية، وتداعيات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وفق خبراء وعاملين بقطاع السياحة في المحافظة.
ويقول هؤلاء إن أعدادا كبيرة من المغتربين عادوا لقضاء الإجازة الصيفية في المملكة، ورغم اعتدال درجات الحرارة وانخفاض تكاليف التنزه في جرش، إلا أن الحركة السياحية تكاد تكون شبه معدومة، لا سيما أنها في مثل هذا الوقت من كل عام، كانت تشهد نشاطا سياحيا لافتا، خصوصا في فترة مهرجان جرش، وكذلك فترة العطلة الصيفية للطلاب وانتهاء امتحانات الثانوية العامة.
حول ذلك، يقول الخبير السياحي ومدير مشروع “هدأة دبين”، المهندس بشير العياصرة، إن “الحركة السياحية الداخلية، تكاد تكون شبه معدومة ولا يتجاوز عدد الزوار العشرات في عطلة نهاية الأسبوع، وهذا الوضع عكس التوقعات تماما ولا يتناسب مع الواقع السياحي في محافظة جرش التي تتميز بوجود المحميات الطبيعية والمتنزهات وسياحة المغامرات وبيوت الضيافة وسياحة المسارات، إذ إن كل الأنماط السياحية موجودة وجاهزة لاستقبال الزوار”.
ويرى العياصرة، أن “الظروف الاقتصادية التي يمر بها المواطنون هي السبب الأول في تراجع مستويات ونسب السياحة، خصوصا أن المدخولات الشهرية شبه متآكلة جراء القروض، وما يتبقى من الدخل بالكاد يغطي 40 % من احتياجات الأسر الأساسية، ما يدفع كثيرين إلى تجنب التنزه، لا سيما أن الأسر تحتاج في التنزه إلى العديد من التكاليف كأثمان الوقود وتكاليف إعداد الطعام وبعض المستلزمات الأساسية الأخرى، حيث تقدر تكلفة التنزه داخل الغابات مثلا، وهو تنزه مجاني، لأسرة متوسط عدد أفرادها 5 أفراد بـ60 دينارا، وهذا ينهك دخلها الشهري”.
وبين، أن “الظروف السياسية والالتزامات الاجتماعية تفرض قيودا أخرى على الحركة السياحية، ذلك أن الناس منشغلون ومتعاطفون ومتضامنون مع الأهل في قطاع غزة، ويتابعون ما يحدث على مدار الساعة ولا يرغبون بعمل أي نشاط ترفيهي، فضلا عن انشغال كثيرين بالمناسبات الاجتماعية التي تكثر في فصل الصيف ومنها تخريج طلبة الجامعات وحفلات الخطوبة والأعراس ونتائج الثانوية العامة وفيما بعد الانشغال بالانتخابات النيابية”.
وأوضح العياصرة، أن “نسبة الخسائر في المشاريع السياحية كبيرة جدا، خصوصا المتنزهات والمحميات التي تتقاضى دخولا من الزوار، فضلا عن خسائر في المزارع البيئية وبيوت الضيافة التي تشهد تراجعا كبيرا في عدد الزوار كذلك”.
وأدى تراجع الحركة السياحية جراء الظروف التي تعانيها المنطقة وحالة الركود العامة، إلى إغلاق العديد من المطاعم في جرش نظرا للمبالغ الطائلة التي تتحملها، بحسب أصحاب مطاعم، يطالبون بإعفائهم من الضرائب والالتزامات المالية وجدولة قروضهم كونهم من أكثر القطاعات تضررا في قطاع السياحة ويعتمد عملهم على الأفواج السياحية التي تزور المواقع الأثرية.
ويشكو أصحاب مطاعم سياحية تحديدا من ما يصفونها بـ”ضربة قاسية” تلقاها القطاع السياحي بشكل عام والمطاعم السياحية بشكل خاص والتي لا يرتادها السياح على الأغلب، ما تسبب في إغلاق العشرات منها والاستغناء عن آلاف من العمال فيها، فيما المطاعم العاملة حاليا تعمل بأقل طاقة تشغيلية وعمالتها لا تتجاوز 30 %.
وبحسب موسى دندن صاحب أحد المطاعم السياحية في جرش، قال إن “حالة الركود السياحية التي تعانيها مدينة جرش تهدد ديمومة عمل المطاعم السياحية، لا سيما أن فترة الركود بدأت منذ شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي إثر العدوان على غزة، وسوف تستمر حتى تنتهي الحرب على غزة وتهدأ الأوضاع السياسية وتستقر في المنطقة وهو موعد غير معروف، ما يرتب تكاليف مالية باهظة على أصحاب المطاعم السياحية”.
وأكد دندن، أن “تكاليف العمل الشهرية في مطعمه لا تقل عن 20 ألف دينار والدخل في أفضل الظروف لا يزيد على ألف دينار، ويقوم بتحمل تكاليف العمل ومعظمها أجور عمال لا تقل عن 17 ألف دينار شهريا”، لافتا أنه “لا يستطيع أن يقوم بتخفيض عدد العمال، لا سيما أن عددهم لا يقل عن 42 عاملا دائما، وهم أرباب أسر، ويصل عدد العمال في فصل الصيف إلى 80 معظمهم من طلبة الجامعات والموظفين”.
وأشار إلى أن “أصحاب المطاعم مضطرون إلى فتح أبواب المطاعم على الرغم من حالة الركود التي لم تشهدها محافظة جرش من قبل، لوجود فرصة حتى ولو كانت ضعيفة أمامهم في تعويض جزء بسيط من الخسائر في فصل الصيف، فضلا عن أنهم يرتبطون بجدول من الالتزامات المالية الشهرية والديون والقروض التي لا يمكن غض النظر عنها ويجب أن تسدد في وقتها لتجنب الملاحقات الأمنية”.
من جهته، يقول محمد عضيبات، وهو صاحب أحد بيوت الضيافة في جرش، إن “الحركة السياحية شبه معدومة في المزارع وبيوت الضيافة، نظرا لتأثر مدينة جرش كغيرها من المدن السياحية بالأحداث السياسية والاقتصادية التي أدت إلى إلغاء الحجوزات السياحية للأفواج السياحية”.
وأضاف عضيبات، أن “أكثر من 200 من المزارع التي تتوفر فيها بيوت ضيافة تكاد تكون مغلقة تماما، وقامت بإيقاف جميع العاملين فيها، وبعضها قامت بتحويل فترة العمل إلى فترة واحدة وتخفيض مستوى وحجم الخدمات التي تقدم فيها”.
وأوضح، أنها قامت بتخفيض الأجور وعمل العروض وزيادة الخدمات المقدمة، لكن دون جدوى، لا سيما أن المزاج العام والظروف الاقتصادية تضعف الحركة السياحية رغم اعتدال درجات الحرارة في جرش مقارنة بالمحافظات الأخرى وبدء موسم المهرجانات.
إلى ذلك، يرى الخبير السياحي ورئيس لجنة الاستثمار في مجلس محافظة جرش الدكتور يوسف زريقات، أن “الأحداث التي تمر بها المنطقة، انعكست على قطاع السياحة وأثرت على ديمومة عملهم في مختلف المجالات، وأهمها قطاع المطاعم السياحية والمزارع الخاصة والمتنزهات والمحميات الطبيعية والتي من المعروف أن من يرتادها الزوار من مختلف دول العالم، كونها متخصصة سياحيا بخدمة الزوار من مختلف دول العالم وتقدم أطعمة من ثقافات غربية متعددة مكلفة ماديا وتحتاج إلى خبراء في الطبخ وتكاليف مرتفعة”.
وأضاف زريقات، أن “الحل يكمن في تنشيط البرامج السياحية التي تدعم السياحة الداخلية وتخفض من تكاليفها حتى يتسنى لأفواج كبيرة من الزوار من زيارة المواقع الأثرية في المحافظات والاستمتاع فيها بتكاليف مخفضة، نظرا للظروف الاقتصادية التي يعانيها المواطنون وتحرمهم من السياحة الداخلية، رغم توفر كافة الخدمات والميزات السياحية في المحافظات”.