فوق قسوة الحرب وجراحها كان السودانيون على موعد مع فصل آخر من مآسي كوارث الأمطار الغزيرة والسيول المتوقعة هذا العام، إذ عززت التنبؤات والبداية العنيفة لموسم الخريف الجاري المخاوف من محنة أخرى تطرق الأبواب، مترافقة مع ظروف صعبة جراء تداعيات الحرب وتقطع أوصال البلاد التي انعزلت بعض ولاياتها عن منظومة الحكم، مما أدى إلى غياب السلطة والاستعدادات والتحوطات الدورية اللازمة لمجابهة فصل الخريف، وهو ما ينذر بآثار وخيمة ومضاعفات بالغة لسيول وأمطار هذا العام.
تأثيرات بالغة
ومع بداية إطلالة فصل الخريف وبواكيره الأولى فيما يعرف محلياً بـ “منزلة النترة”، أعلن مركز عمليات الطوارئ تسجيل 14 حالة وفاة في ولايتي كسلا والقضارف الأكثر تأثراً بالأمطار الغزيرة التي شهدتها معظم ولايات السودان هذا الأسبوع، كما تسببت السيول الجارفة في قطع طريق “التحدي” بمنطقة قباتي الرابط بين مدينتي شندي عطبرة بولاية نهر النيل، وتسببت غزارة الأمطار في الولايات الشمالية وكسلا البحر الأحمر والقضارف بعرقلة حركة المرور في كثير منها.
تنبؤات ومخاوف
وتشير تنبؤات وحدة الإنذار الباكر في هيئة الأرصاد الجوية السودانية إلى أن موسم أمطار هذا العام سيكون غزيراً، وهناك توقعات بهطول أمطار متوسطة إلى غزيرة على ولايات كسلا وسنّار، شمال وجنوب وغرب كردفان، ومعظم ولايات دارفور، إلى جانب إقليم النيل الأزرق والأطراف الجنوبية لولاية البحر الأحمر، وخفيفة إلى متوسطة في معظم أنحاء السودان الأخرى.
وفي المنحى نفسه حذر الراصد الجوي المنذر أحمد الحاج من أمطار شديدة الغزارة مصحوبة برياح ناشطة متوقعة خلال الأيام القليلة المقبلة على مناطق من ولايات كسلا ونهر النيل والخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض، من المتوقع أن تتسبب في سيول جارفة.
ونصحت مجموعة “الراصد الجوي” جميع المواطنين بأخذ الحيطة والحذر واتباع إرشادات السلامة للحماية من الأمطار والسيول والرياح والصواعق المصاحبة لها.
غياب التحوطات
وفي السياق حذر الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة عضو لجنة طوارئ الخريف بولاية الخرطوم بشرى حامد من خطورة موسم الأمطار وما يتبعه من سيول هذا العام، وتوقع حامد أن يكون من أسوأ المواسم التي مرت على السودان طوال تاريخه بسبب حرمان الجهات الرسمية المتخصصة من القيام بدورها الطبيعي في اتخاذ التحوطات اللازمة للتخفيف من آثاره وأضراره.
ودعا عضو طوارئ الخرطوم الأمم المتحدة إلى الحد من أخطار الكوارث وأن تكون على أهبة الاستعداد لتقديم العون اللازم للسودان هذا العام، نظراً لعدم تمكنه من التهيؤ لمجابهة أخطار السيول والفيضانات مثل كل عام.
وأضاف أمين مجلس البيئة أن المشاريع الزراعية المروية تواجه مشكلة فيض بعض الخزانات والقنوات بعد طرد الكوادر الهندسية ونهب تلك المشاريع، مما سيشكل خطورة ويؤثر في المجاري المائية ونظم الري، ويهدد بغرق مساحات واسعة من الأراضي والمنازل.
توقعات وعواقب
ولفت حامد إلى أن هناك آباراً لتجميع وتخزين المياه يستخدمها الإنسان والحيوان في الشرب في مناطق عدة بالسودان، لم يتيسر هذا العام تنظيفها أو إجراء المعالجات الهندسية ونظافة أحواضها وتطهيرها وتهيئتها، مما ينذر بانهيارها وجفافها نتيجة انسداد المجاري المغذية لها.
وأعرب المتخصص البيئي عن أسفه للظروف شديدة التعقيد التي يحل فيها موسم الأمطار هذا العام، بخاصة في المناطق التي تشهد خللاً أمنياً وتغيب عنها السلطات والاستعدادات والإجراءات السنوية لمواجهة الخريف، والتي كانت تتم في كثير من المدن الكبيرة وتشمل تنظيف المصبات والمصارف وتقوية المتاريس المائية العليا، مما يخلق مشكلات هندسية كبيرة لها عواقب سيئة على حياة الناس.
ومع غياب الحماية والاستعدادات اللازمة توقع حامد حدوث حالات غرق لمساحات زراعية شاسعة وأضراراً كبيرة في المنازل، ولاسيما المشيدة من الطوب، إلى جانب احتمالات انتشار الآفات والنواقل المختلفة وما يتبعها من أمراض وأوبئة.
تمزق وانعزال
إلى ذلك توقع مصدر مسؤول سابق في مجلس الدفاع المدني أن يكون لموسم الأمطار والسيول هذا العام تأثيرات بالغة ومضاعفات كبيرة على السودانيين بالنظر لواقع الحرب الذي تعيشه البلاد، وما نتج منه من ضعف الاستعدادات التحوطية اللازمة في ولايات عدة وغيابها التام في أخرى.
وقال المصدر إن تمزق النسيج الإداري وانعزال ولايات بأكملها عن المنظومة الإدارية للحكم في البلاد، ناهيك عن بعض المحليات التي انعزلت كذلك عن ولاياتها، يؤدي إلى عرقلة كل جهود إيصال المساعدات اللوجستية لعون وإنقاذ كثير من المناطق المتضررة التي لم يعد أمامها سوى الاعتماد على الجهد الذاتي والحلول التقليدية.
وأضاف أن “أزمة شح السيولة والوقود والنهب الذي تعرضت له المعدات وتشتت الكوادر والقوى العاملة من التحديات الكبيرة التي تؤثر في الترتيبات المطلوبة للتعامل مع آثار الأمطار والسيول، مما سينعكس ليس فقط على القرى والمنازل التي باتت مهجورة من دون عناية أو حماية من قبل أصحابها من مضاعفات الأمطار، بل أيضاً في تهديدات حقيقية على الموسم الزراعي بغرق مساحات كبيرة نتيجة غياب التحوطات”.
سيول جارفة
ميدانياً شهدت ولايات البحر الأحمر والقضارف وكسلا شرق السودان أمطاراً قياسية سجلت في كسلا معدلاً لم تشهده منذ أعوام بلغ نحو 120 مليمتراً على مدى يومين متتابعين خلال الأسبوع الماضي، إذ أغرقت المياه شوارعها واجتاحت مراكز إيواء النازحين مما اضطر اللجنة العليا للطوارئ في الولاية إلى العمل على إجلاء وترحيل أكثر من 80 ألف أسرة من مراكز الإيواء في المدينة.
وطالبت اللجنة المواطنين بأخذ الحيطة والحذر تحسباً لزيادات كبيرة متوقعة في الأمطار ومناسيب نهر القاش خلال الفترة المقبلة.
أما في البحر الأحمر فتسببت الأمطار في جريان خور أربعات وسيول أدت إلى قطع طرق عدة مؤدية إلى مدينة بورتسودان، مما حدا بالسلطات المحلية مناشدة القادمين من خارجها والمناطق الجبلية المحيطة بها إلى أخذ الحيطة والحذر وتجنب مجاري السيول.
كما هطلت خلال اليومين الماضيين أمطار غزيرة في مناطق متفرقة من الولاية الشمالية وبخاصة محلية مروي، تسببت مع الرياح المصاحبة لها في سقوط عدد من أعمدة الكهرباء على الطريق الرئيس مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن المنطقة.