بقلم: د. حازم قشوع
بإعلان الرئيس بوتين عن ولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب فى مؤتمر شنغهاي للتعاون الذي انعقد بالعاصمة الكازاخستانية يكون العالم قد دخل إلى عصر جديد بمنظومة عمل سياسية متعددة الأقطاب يقوم أساسها على الصناعة المعرفية كالتى قامت عليها الثورة الصناعية منذ تكوين النظام الحالى مع انتهاء الحرب العالمية الكبرى، حيث ينتظر أن يتشكل النظام التعددي على روابط جديدة تعمل ضمن مرجعيات امنيه وعسكريه و لا تقف محدداتها عند الحاله التقليديه التى يقف عليها عالم الاحادية القطبية بل تذهب تجاه آفاق أوسع من العمل المشترك بحيث يقوم أساسها على الصناعة المعرفية والذكاء الاصطناعي والعالم الافتراضي.
لتعمل في نهاية المطاف على تنظيم العمل في الفضاءات المدارية التي تقوم عليها مسألة التجاذبات الاوربيتيه أو المدارية بما يجعلها منصبه تجاه النواحي العلمية السلمية ولا تنحى بمنحنيات عسكريه او أمنيه، وهى الجملة الفارقة التى راح ليرسلها مؤتمر شنغهاي فى ختام بيانه عندما دعا الى عدم “عسكرة الفضاء” والالتزام الصارم بقواعد الحد من تطوير الأسلحة البيولوجية والسميه وضرورة القيام بإجراء إصلاح شامل للأمم المتحدة من أجل بسط سلطتها وفرض هيبتها.
ولعل جملة التعاطي هذه أخذت ما تشكل أرضية سياسية للنموذج العالمي الجديد الذي أخذ ينقسم بين الشرق والغرب وليس كما كان عليه الحال بالسابق بين الشمال والجنوب بين دول مصنعة وأخرى مستهلكة، الأمر الذى جعل من جملة التعاطي تشكل في مضمونها حالة اقليمية محورية تشارك فيها تركيا المؤيده من روسيا لتجسير الهوة بين المعسكرين الايراني السعودي عبر انهاء عملية تقاسم النفوذ بمصالحه تركيه سوريه من جهة وتمكين الرياض من امتلاك قوة استراتيجية نووية عبر تعاون روسي تركي سعودي من جهة أخرى، وهو ما حمله اللقاء الذي جمع هذه الأطراف في أنقرة وهو ان تحقق فمن شأنه خلط أوراق المنطقة من جديد كما يصف ذلك متابعين على اعتباره سيقوم بتغيير موازين القوى الجيوسياسية، وهذا ما يعني بالمحصلة دخول المنطقة بحالة شد جديدة أن تم استقطاب السعوديه الى هذا التوجه بإعلان فشل تطبيق نظرية الاحتواء الإقليمي التى تقوم على ترسيمها الولايات المتحدة ودول المركز في المنطقة بعدما أصبحت غارقة على ذاتها بالمسائل الداخلية نتيجة دخولها مناخات غير مستقرة سياسيا واخذت سياستها تكون غير معرفة البوصلة والتوجه لكثرة التناقضات البينة نتيجة سياسة تضارب المصالح بين ما يريده بيت القرار وبين ما يمكن تنفيذه حيز الواقع.
عندما أخذ البيت الابيض باستخدام أدوات (باليه) كما أخذ.يضعف من مكانه النظام العربي الذي كان قد انشىء بدعم دولي للعب دورا إقليميا أمنيا بنهاية الحرب الكبرى وراح ل (ترك عقال اسرائيل فالت) للعبث بمستقرات المنطقه ومناخاتها ضمن حسابات انتخابية ضيقة بعدما نسيت واشنطن ومعها دول المركز أنها تقود العالم وان دوائر اهتمامها من المفترض أن تكون دولية وليست محلية ضيقة التى تقف عليها سياساتها بالظروف الراهنة التي أخذت ما تكون مرفوضة عند معظم المجتمعات حتى التي تدور في فلكها وهذا ما يجب أن يضع بالحسبان عند بيت القرار المنعقد وذلك التوقف الفورى عن هذه السياسات وجملة تعاطيها حتى يتم استدراك ما يمكن استدراكه.
و بقسمة العالم بين “شرق وغرب” تكون الدول العربية بهذا المقام شرقيه كونها تقع ضمن محدداتها جغرافية بين خط أوكرانيا شمالا إلى المنطقة العربية جنوبا، الأمر الذي يجعل جلد المنطقة يتغير بدخولها التعددية القطبية فهل نحن على استعداد لذلك ؟ وهل سيتم تغيير إيقاع الحماية العربيه من غربية إلى شرقية ؟ هذا ما ستكشف عنه معطيات استكانة العالم للتعددية القطبية.
هو الأمر الذي ستظهره نتائج الانتخابات الأمريكية فإن خسارة الرئيس بايدن (الحزب الديموقراطي) فى المعركه الانتخابيه القادمه تعتبر خسارة الأحادية القطبية من منظور استراتيجي كونه يعتبر آخر ورقة كانت في جعبة بيت القرار العالمي للبقاء على منظومته حاكمة ولقد تم الزج بها عبر مناخات كورونا من اجل اعادة دور دول المركز وعودة الناتو لمكانته من جديد.
من هنا كانت خسارة الحزب الديموقراطي تعنى انتهاء حقبة وبداية حقبة جديدة، تتمثل بإعطاء رسن القيادة للمرشح الرئاسي ترامب وتمكينه للدخول بفضاءات التعددية القطبية، وهو ما يجعله يقوم بإجراء تسويات على أرضية سياسيه دولية جديدة تمتلك فيها مقعد فى بيت القرار لكنها لن تشكل مرجع اقراري او تقديري لبيانه فهل ستقبل أمريكا بذلك وتقوم بإنهاء حقبة بطريقه سلميه أم أنها تصر على الاستمرارية في معركة دفاعها عن ذاتيتها القطبية، وهو السؤال الذى يتم تداوله فى بيت القرار بطريقه موضوعيه كما يصف ذلك سياسيين !
فالعالم أمام فاصل تاريخي يحمل كل منهما مسلك وطريق، فإما أن يذهب تجاه الرضوخ لعناوين التعددية، وهذا ما يعنى دخول ترامب للبيت الابيض او انه يذهب تجاه مواصلة الاشتباك والدخول فى معركة فاصلة حيث الصين تايبيه، وهذا ما يعنى استمرار بايدن في الحكم الأمر الذي يجعل من بيت القرار العالمي على مفترق طرق ضمن المعطيات السائدة، فإما “الاستمرار او الاقرار” بموجبات التعددية القطبية.