قرّر الحرفي الخمسيني خضر خير أن يفتح مشغله الخاص بالتحف الشرقية في مدينة بيت ساحور الفلسطينية ثلاثة أيام في الأسبوع، بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية في محافظة بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة منذ بداية العدوان الإسرائيلي الشامل على قطاع غزة والضفة الغربية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وكان من الصعب على خير أن يسرّح أي عامل لديه والبالغ عددهم 17 عاملا، والذين يعيلون أسرهم بشكل كامل، فوجد أن الحل الوحيد بالنسبة له أن يعملوا جميعا بشكل جزئي وبإنتاج متواضع.
يقول خير إنه يعمل حرفيا في هذه المهنة منذ الثمانينيات، وبدأ مشغله يكبر شيئا فشيئا حتى أدخل على عمله خطوطا جديدة كمغارات الميلاد والتماثيل والليزر وغيرها.
ويبيّن أن مشغله ينتج بقيمة 30 ألف دولار شهريا في الوضع الطبيعي، ومع ظروف الحرب تراجع إنتاجه إلى 5 آلاف دولار شهريا، موضحا أن حاله أفضل من آخرين اضطروا لإغلاق مشاغلهم وتحويلها إما لبقالة أو محل لبيع الخضار.
ويعبّر خير عن أمله بأن يكون هناك خطط مدروسة من قبل جهات الاختصاص في وقت الأزمات لحماية اقتصاد بيت لحم من الانهيار، فهو يعتمد بشكل أساسي على السياحة، وأي أزمة تؤثر على إقبال الزوار.
ويضيف أنه لأول مرة يزداد الحال ضيقا، فمنذ بدء العدوان اضطر لتقليص كميات الإنتاج في مشغله، خاصة في ظل توقف السياحة.
ويُعد القطاع السياحي من أول القطاعات المتضررة في الأزمات، وآخرها تعافيا.
بدورها، تقول مديرة مؤسسة الحرفيين للتجارة العادلة سوزان الساحوري إن في محافظة بيت لحم حوالي 400 مشغل من بينها 300 في بيت ساحور بعضها غير مسجل بشكل رسمي بسبب صغره ووجوده داخل منازل بعض الحرفيين.
وتضيف أن حوالي 10% من المشاغل أُغلقت خلال جائحة كورونا، وفي حينها هدفت مؤسسة الحرفيين لترويج البضائع المتكدسة من التحف الشرقية في الخارج، من خلال تخفيض سعر العمولة وتقديم تنزيلات في الأسعار، مؤكدة أن هذه السياسة المتبعة حاليا في ظل الحرب المستمرة على شعبنا في قطاع غزة، وتوقف قطاع السياحة عن العمل في فلسطين بشكل شبه تام.
وتضيف أنه خلال هذه الفترة انخفضت أعداد المشاغل حوالي 20%، وأكثر المتضررين من الحرب “الحرفي الصغير” أي الذي يمتلك مشغلا صغيرا يعيل من خلاله أسرته.
وتشير إلى أن مؤسستهم تحاول مساندة الحرفيين من خلال مساعدتهم في تسويق منتجاتهم في الأسواق العالمية، إضافة لترميم وتطوير بعض المشاغل، مبينة أن صعوبة الوضع العام تلقي بظلالها على كل المجالات.
وتبيّن أن من المهم الحفاظ على مشاغل الحرف التقليدية وتشجيعهم ودعمهم، فالحرفيون ورثوا عن آبائهم وأجدادهم الحرفة التي تمثل تراث الوطن وهويته، فالحرفيون جيل من بعد جيل إذا انقطعت الحلقة ستندثر هذه الحرفة.
وانتكس اقتصاد بيت لحم في الشهور الـ9 الأخيرة مرة أخرى، بعد أن بدأ بالتعافي من آثار جائحة كورونا، وانعكس ذلك على قطاع السياحة الذي يشكّل مصدر الدخل الأساسي في المحافظة.
ومنذ بدء العدوان غابت الوفود السياحية الأجنبية والمحلية عن بيت لحم التي تحتضن أقدم وأهم الكنائس المسيحية في العالم أجمع، كنيسة المهد التي شيدت على المغارة التي ولد فيها السيد المسيح.
وقبل جائحة كورونا عام 2020، كان يصل إلى بيت لحم نحو 3 ملايين سائح أجنبي وزائر محلي، بينما بدأت بالتعافي العام الماضي 2023، بعدما وصل عدد السياح فيها إلى مليون ونصف المليون مع نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي.
كما كانت المحافظة تعتمد على السياحة المحلية ومن داخل أراضي الـ48، حيث يشكّل السيّاح من القدس وأراضي الـ48 ما نسبته 35% من القوة الشرائية للمحافظة، والتي فقدتها في ظل الإغلاق المتكرر للحواجز العسكرية الإسرائيلية المحيطة بالمحافظة.
ويقول رئيس جمعية الفنادق العربية إلياس العرجا إن هذه الفترة هي الأصعب التي تمر على قطاع السياحة في فلسطين، كون العالم كله يعمل إلا في فلسطين.
ويشير إلى أن عدد الفنادق في محافظة بيت لحم حوالي 100 فندق تضم 500 غرفة تتسع إلى 10 آلاف شخص، وتبلغ نسبة الإشغال 70% في الوضع الطبيعي، ولكن مع الأزمة تضاءلت النسبة لتصل إلى 1%، وتبلغ الخسائر اليومية للفنادق في بيت لحم حوالي 300 ألف دولار.
من ناحيته، يقول المتحدث باسم وزارة السياحة والآثار الفلسطينية جريس قمصية إنه منذ اندلاع العدوان على قطاع غزة توقفت حركة السياحة الخارجية، وتوقفت بشكل جزئي السياحة الداخلية.
ويوضح أن عدد العاملين في المنشآت السياحية من مطاعم وفنادق ومكاتب سياحية ومشاغل الحرف التقليدية والأدّلاء السياحيين يقدّر بحوالي 7 آلاف شخص تعطلوا عن العمل، إضافة إلى ضعف هذا الرقم من مزودي الخدمات كالمخابز ومحال الخضار واللحوم وغيرها.
ويتابع أن وزارة السياحة تسعى لتدارك الوضع السياحي من خلال استقطاب الجنسيات التي تستطيع الوصول للأراضي الفلسطينية خلال هذه الفترة، حيث بدأ العمل على الجذب السياحي للدول الإسلامية في شرق آسيا، واستثمار التوجه العالمي في دعم شعبنا من خلال تنظيم برامج التعرف على الشعب الفلسطيني، واستقطاب أفواج لدعم شعبنا، وهو أسلوب جديد في السياحة غير التقليدية.
ويبين أن الوزارة تعمل على استقطاب الحجاج الأقباط من جمهورية مصر العربية، لزيارة الأراضي المقدسة الفلسطينية والبالغ عددهم حوالي 20 مليون شخص.
ويشير إلى أن وزارة السياحة والآثار تسعى لعمل برنامج مشترك مع الجانب الأردني لتنظيم حملة ترويجية للسياحة الأردنية الفلسطينية خلال هذه الفترة، من خلال تنظيم زيارات لمجموعات سياحية للأماكن المقدسة في البلدين.
ويؤكد أن قيمة الخسائر اليومية الإجمالية في بيت لحم تقدّر بمليونَي دولار، ثلثها تقريبا لقطاع التحف الشرقية ومشاغلها والعاملين فيها.
يذكر أنه في عام 2023، قدّر معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني السنوي بنحو 3.2%. ومع ذلك، وبسبب الإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها إسرائيل في غزة، تم تعديل توقعات النمو لعام 2023 إلى -5.5% (مما يشير إلى انخفاض هائل في النشاط الاقتصادي في الضفة الغربية وانهيار كامل في قطاع غزة). ووفقا لأحدث تقرير للبنك الدولي، من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد الفلسطيني بشكل أكبر في عام 2024 (بين -6.5% و9.6%)، في ظل ضبابية المشهد وعدم اليقين بشأن آفاق عام 2024.
وفي عام 2023، قدّر نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة) بنحو 3,360 دولارا، ومع ذلك، يقدر نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في غزة بحوالي خمس مستوى الضفة الغربية، عند 1084 دولارا (أدنى دخل للفرد تم تسجيله على الإطلاق بالقيمة الحقيقية).
وتشير التقديرات إلى أن حوالي 500 ألف فلسطيني أصبحوا عاطلين عن العمل منذ بداية الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وفقد الاقتصاد الفلسطيني أكثر من 200 ألف وظيفة في غزة، بينما فقد حوالي 150 ألف عامل في الضفة الغربية وظائفهم داخل أراضي الـ48، وفقد 144 ألف عامل إضافي وظائفهم بسبب انخفاض الإنتاج والقيود المفروضة على وصول العمال إلى أماكن العمل.
ووفقا لبيانات منظمة العمل الدولية، تقدر خسارة الدخل اليومية بسبب فقدان الوظائف بمبلغ 21.7 مليون دولار يوميا (يرتفع الرقم إلى 25.5 مليون دولار أميركي يوميا عند الأخذ في الاعتبار الانخفاض في دخل موظفي القطاعين العام والخاص).
ووفقا لأحدث مسح للأسر المعيشية صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في عام 2023 (ما قبل تشرين الأول/ أكتوبر 2023)، قُدر معدل الفقر الوطني في فلسطين بنحو 32.8% (11.7% في الضفة الغربية، و63.7% في غزة)، ومع انزلاق سكان غزة إلى الفقر المدقع، ستزداد معدلات الفقر في الضفة الغربية أيضا بسبب تراجع النشاط الاقتصادي وزيادة البطالة.