بعد 8 أشهر من معاناة غزة من أكثر حملات القصف وحشية وضخامة في التاريخ الحديث، جاء قصف تل أبيب بالصواريخ لأول مرة منذ أكثر من أربعة أشهر ليحدث صدمة في إسرائيل، فيما تتواصل الاشتباكات العنيفة في أرجاء غزة، وتعلن حماس عن أسر جنود إسرائيليين، في مؤشر على أن المقاومة الفلسطينية تعيد مشهد المعارك في قطاع غزة لسيرته الأولى، وسط تحذيرات أمريكية من أن حماس تزداد قوةً.
وأحدث قصف قصف تل أبيب من قبل كتائب عز الدين القسام صدمة في المدينة التي تعد قلب دولة الاحتلال السياسي والاقتصادي، لقد ظن السكان أن حزب الله يهاجم المدينة من لبنان؛ لأنهم ظنوا أن قدرة حماس قد تم تدميرها، ولكن صفارات الإنذار دوت في كافة مدت وسط إسرائيل.
وتقول وسائل الإعلام المحلية إن فصف تل أبيب الكبرى أدى إلى إطلاق صفارات الإنذار في حوالي 30 منطقة في وسط إسرائيل، بما في ذلك تل أبيب.
وأصيب 4 أشخاص، حسب قناة الجزيرة جراء قصف تل أبيب ومحيطها، حيث تأثر بالهجوم منطقة واسعة تشمل تل أبيب، هرتسليا، بيتاح تكفا. وهذا يوضح أن حماس – بعد 228 يوماً من الحرب – لا تزال لديها القدرة على مهاجمة إسرائيل، كما أدى قصف تل أبيب لتأخير رحلات طيران في مطار بن غوريون.
ولقد تخطت صواريخ المقاومة الفلسطينية، حيث وصل مدى الصواريخ إلى 140 كلم، كما أعلنت حركة الجهاد عن قصف قاعدة أوفاكيم، وغلاف غزة.
ويرجح أن قصف تل أبيب تم من رفح حيث يشن جيش الاحتلال هجوماً واسعاً.
ويرجح أن القوة الصاروخية تخضع للقيادة المركزية للحركات الفلسطينية، وليس الكتائب المحلية، حسب الخبير العسكري العراقي العقيد حاتم كريم الفلاحي، وبالتالي يظهر قصف تل أبيب تماسك قيادة حماس العسكرية.
وبينما تدور معارك ضارية في رفح بجنوب قطاع غزة، وهي المنطقة الوحيدة التي لم تكن قد دخلتها إسرائيل، فإن المعارك عادت لشمال في بيت لاهيا وحي الزيتون، ولكن المعارك الأكثر ضراوةً هي تلك التي تدور في جباليا، وهي المدينة التي أعلن جيش الاحتلال عن تطهيرها من قوات المقاومة في ديسمبر/كانون الأول 2023.
ونقلت المقاومة الفلسطينية المعارك إلى مرحلة جديدة عبر الإعلان عن أسر جنود إسرائيليين في مخيم جباليا واستهداف قائد كبير.
وقُتل ما لا يقل عن 35984 فلسطينياً وأصيب ما يصل إلى 80643 آخرين في الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وها هي إسرائيل تريد استئناف المفاوضات
ولكن كل ذلك يبدو بعيد المنال، بل إن المفارقة يبدو أن إسرائيل هي التي تريد استئناف المفاوضات بعدماةأف، فإن حماس تبدو غير متعجلة.
فبالتزامن مع تصاعد المعارك، أعلنت إسرائيل رغبتها إحياء محادثات إطلاق الرهائن والتي كانت قد أفشلتها قبل نحو أسبوعين، في مؤشر على تعرض حكومة الاحتلال للضغط الداخلي، حيث ازداد يأس أهالي الأسرى، ففي الأيام الأخيرة، تم انتشال جثث سبعة رهائن من غزة، مما زاد من خوف وألم أقارب الأسرى المتبقين.
ويأتي ذلك في الوقت الذي كثفت فيه إسرائيل هجماتها في أنحاء غزة، مما أسفر عن مقتل أكثر من 80 فلسطينياً خلال الـ24 ساعة الماضية.
وذكرت وسائل الإعلام المحلية وقوع عدة إصابات طفيفة وأضرار مادية جراء الهجوم.
إخفاق لنتنياهو وجيش الاحتلال
يشكل كل ذلك مشكلة للجيش الإسرائيلي ومشكلة سياسية لرئيس الوزراء بنياميننتنياهو، لكن الأهم من ذلك أنه سيُنظر إليه على أنه فشل للجيش الإسرائيلي.
وقد وعد نتنياهو بتحقيق “نصر كامل” من شأنه أن يزيل حماس من السلطة، ويفكك قدراتها العسكرية ويعيد عشرات الرهائن الذين لا تزال تحتجزهم.
وقال إن النصر قد يأتي في غضون أسابيع إذا شنت إسرائيل غزواً واسع النطاق لرفح التي تعتبرها إسرائيل آخر معقل لحماس.
ولكن الواقع أن حركة حماس تعيد تجميع صفوفها في بعض المناطق الأكثر تضرراً من القصف في شمال غزة وتستأنف الهجمات الصاروخية على المجتمعات الإسرائيلية المجاورة، حسبما ورد في تقرير لوكالة أسوشيتدبرس الأمريكية “AP”.
وحققت إسرائيل في البداية تقدماً تكتيكياً ضد حماس، بعد أن مهّد القصف الجوي المدمر الطريق أمام قواتها البرية، حسب الوكالة، لكن تلك المكاسب المبكرة أفسحت المجال أمام صراع طاحن ضد التمرد القابل للتكيف – وشعور متزايد بين العديد من الإسرائيليين بأن جيشهم لا يواجه سوى خيارات سيئة، مما يثير مقارنات مع الحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان.
كان هذا هو الدافع الضمني للتمرد الذي قام به في الأيام الأخيرة اثنان من أعضاء حكومة الحرب المكونة من ثلاثة أعضاء برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو – وزير الدفاع يوآف غالانت وبيني غانتس، المنافس السياسي الرئيسي لنتنياهو – الذين طالبوا نتنياهو بوضع خطط مفصلة لما بعد الحرب.
لقد أيدوا رد إسرائيل الانتقامي على هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، بما في ذلك واحدة من أعنف حملات القصف في التاريخ الحديث، والعمليات البرية التي دمرت أحياء بأكملها، والقيود الحدودية التي يقول برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة إنها دفعت أجزاء من المنطقة إلى المجاعة.
تدمير حماس أصعب مما كانت تتوقع إسرائيل
وتبدو مهمة تدمير حماس هي أصعب مما كان متوقعاً، وقال عيران عتصيون، النائب السابق لرئيس مجلس الأمن الإسرائيلي، لقناة “الجزيرة” إنه “على عكس الكثير من التوقعات”، فإن مهمة تدمير حماس “تبدو أكثر صعوبة مما كان متوقعاً”.
وتساءل: “إلى أي مدى تستطيع حماس تهريب الأسلحة والمواد والأفراد عبر الحدود مع مصر؟”.
وأضاف: “إذا تبين أن هناك أنفاقاً متعددة كما يقول البعض، رغم الوعود المصرية بعكس ذلك، وأن تلك الأنفاق تمكِّن حماس من الاستمرار وتجديد قدراتها، فهذه مسألة استراتيجية يجب الاهتمام بها عبر تعاون أوثق مع المصريين”.
ويميل المسؤولون الإسرائيليون إلى محاولة تضخيم أكبر لمسألة تهريب الأسلحة من مصر، رغم أنه من المعروف أن القاهرة نفذت إجراءات صارمة ضد الأنفاق، كما أنه وفقاً لتقارير إعلامية عبرية فإن 70% من أسلحة وذخائر المقاومة الفلسطينية محلية الصنع.
وتخشى إدارة بايدن من أن إسرائيل تهدر بشكل كارثي فرصتها لتحقيق النصر الذي وعد به نتنياهو على حماس، وتخسر أفضل فرصة لها للقضاء على سيطرة الحركة على غزة وتهديدها للشعب الإسرائيلي.
ويصف كبار المسؤولين الأمريكيين علناً الاستراتيجية الإسرائيلية في غزة بأنها هزيمة ذاتية، ومن المرجح أن تفتح الباب أمام عودة حماس – وهو مستوى من الانتقادات لحليف الشرق الأوسط لم نشهده منذ بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول، حسبما ورد في تقرير لصحيفة بوليتيكو.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن الحكومة الإسرائيلية فشلت في السيطرة على أجزاء من غزة بعد تطهيرها، وحوّلت السكان المدنيين وبقية العالم ضدها من خلال القصف واسع النطاق والمساعدات الإنسانية غير الكافية، ومكنت حماس من تجنيد المزيد من المقاتلين.
ورغم الدعم الأمريكي لإسرائيل، فإن الإحباط يتزايد لدى إدارة بايدن بسبب مشاهدتها إسرائيل ترفض تغيير مسارها.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية، طلب عدم الكشف عن هويته “نريد تشجيع التركيز بشكل أعمق على العلاقة بين العمليات العسكرية الجارية، وفي نهاية المطاف، نهاية اللعبة الاستراتيجية”.
وأضاف المسؤول أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان استغل زيارته لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في إسرائيل الأسبوع الماضي لمناقشة كيف يمكن أن تؤدي عمليتهما إلى نجاح “قابل للتحقيق ودائم” ضد حماس، حسب تعبيره.
على الرغم من أن الاتصالات الداخلية لحماس وقدراتها العسكرية قد تدهورت، إلا أن التقرير يقول 30 إلى 35% فقط من مقاتليها – أولئك الذين كانوا جزءاً من الحركة قبل هجوم 7 أكتوبر/تشرين الاول – قضوا نحبهم وما زال حوالي 65% من أنفاقها سليمة، وفقاً للمخابرات الأمريكية.
كما أصبح مسؤولو بايدن قلقين بشكل متزايد من قدرة حماس على تجنيد الآلاف خلال الأشهر القليلة الماضية في زمن الحرب. وقد سمح ذلك للمجموعة بالصمود أمام أشهر من الهجمات الإسرائيلية، وفقاً لشخص مطلع على المخابرات الأمريكية.
وقال نائب وزير الخارجية الأمريكي كيرت كامبل إن “النصر الكامل” لإسرائيل ضد حماس غير مرجح.
كما انتقد كل من وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن والجنرال تشارلز براون رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة إسرائيل لفشلها في حماية المدنيين في غزة ومنع حماس من العودة إلى الأماكن التي كانت تسيطر عليها ذات يوم.
كلا القائدين معروفان بأنهما محترفان هادئان ولا يميلان إلى التعبير عن شكاواهما.
وقال براون للصحفيين: “ليس عليك فقط الدخول فعلياً والقضاء على أي خصم تواجهه، بل عليك الدخول والسيطرة على المنطقة، ثم عليك تحقيق الاستقرار فيها”. إذا لم يحدث ذلك، فإنه “يسمح لخصومك بإعادة التوطين في المناطق إذا لم تكن هناك، وهذا يجعل الأمر أكثر صعوبةً بالنسبة لهم فيما يتعلق بالقدرة على تحقيق هدفهم المتمثل في القدرة على القتال عسكرياً”. تدمير وهزيمة حماس.
وجاءت هذه التعليقات في أعقاب تعليقات أخرى لوزير الخارجية أنتوني بلينكن، الذي توقع أن الانسحاب النهائي للقوات الإسرائيلية يمكن أن يترك “فراغاً من المرجح أن تملأه الفوضى، وفي النهاية حماس مرة أخرى”.
قصف تل أبيب
منزل تضرر بعد إطلاق صواريخ من قطاع غزة باتجاه إسرائيل، وسط الصراع المستمر في غزة بين إسرائيل وحركة حماس الإسلامية الفلسطينية، في هرتسليا، إسرائيل في 26 مايو/آيار 2024-رويترز
إنه شعور مشترك منتشر بين كبار المسؤولين الأمريكين ذوي الخبرة العميقة في حملات غزو واحتلال مماثلة.
دانا سترول، المسؤولة السابقة في شؤون الشرق الأوسط في البنتاغون والتي استقالت من منصبها في يناير/كانون الثاني، كتبت مؤخراً أن الولايات المتحدة تبادلت دروساً من إخفاقاتها في العراق مع إسرائيل – وتحديداً كيف نشأ التمرد من الاحتلال الأمريكي الفاشل – لكن إسرائيل لم تستجب لتلك التحذيرات.
وقالت في مقال نشرته مجلة فورين أفيرز الأمريكية: “لم ترفض إسرائيل التعلم من هذه المعرفة والخبرة بشأن تسلسل الأنشطة لمنع أسوأ النتائج لمجتمعات ما بعد الصراع فحسب، بل يبدو أيضاً أن إسرائيل تسير على الطريق الصحيح لتكرار نفس الأخطاء”.
ويعتقد المسؤولون الغربيون أنه في حين أضعفت إسرائيل قدرات حماس في غزة، تمكّنت الجماعة المسلحة من حماية الآلاف من مقاتليها، الذين يعمل الكثير منهم ويختبئون داخل شبكة أنفاق مترامية الأطراف. ويُعتقد أن آخرين يختلطون بالسكان المدنيين.
والنتيجة هي أن حماس لا تزال تمسك بالأرض وتحتفظ بقدرات كبيرة، حتى بعد الحرب الشاملة التي خاضتها إسرائيل على مدى ما يقرب من ثمانية أشهر.
وقال النائب جيسون كرو (ديمقراطي من ولاية كولورادو) في مقابلة: “إن استراتيجية إسرائيل الحالية المتمثلة في العمليات العسكرية التقليدية واسعة النطاق ستؤدي إلى نتائج عكسية وتقوّض هذا الهدف”.
وأضاف: “لقد تعلمت الولايات المتحدة على مدى عقود من الزمن أنه ما لم تركز على الاحتياجات الإنسانية وحماية المدنيين في الصراع، فإن أهدافك العسكرية ستفشل. نحن نرى هذا بشكل مباشر حيث تعود حماس إلى الظهور بسرعة بعد عمليات الجيش الإسرائيلي وتحتفظ بقدراتها على الرغم من أشهر القتال”.
أحد الأسباب هو عدم وصول مساعدات إنسانية كافية إلى غزة، مما أدى إلى انتشار ظروف شبيهة بالمجاعة في جميع أنحاء القطاع وإثارة غضب الفلسطينيين الذين يضطرون باستمرار إلى الفرار من العنف أو المخاطرة بالقتل مثل الآلاف من المدنيين الآخرين. وبين تدهور الأوضاع والادعاءات بأن إسرائيل تعمدت تأخير المساعدات إلى الأشخاص المحتاجين، فإن هذا يزيد تعزيز علاقة السكان بحماس.
وقال الجنرال المتقاعد فرانك ماكنزي، الذي قاد القيادة المركزية الأمريكية من 2019 إلى 2022، إن إسرائيل لم تنشر قوة كبيرة بما يكفي لتطهير المناطق الحضرية الكثيفة داخل غزة والاستيلاء عليها والسيطرة عليها. وفي تلك المناطق غير الآمنة، “من المحتمل أن يحاول الناس العودة إليها”، ومن ثم ستتحرك حماس وتعيد تأسيس وجودها هناك.
وقال: “هذه استراتيجية حرب العصابات الكلاسيكية”.
في المقابل، يقول أمير أفيفي، الجنرال الإسرائيلي المتقاعد والنائب السابق لقائد فرقة غزة، إن هذه هي البداية فقط. وقال إن إسرائيل ستحتاج إلى أن تظل مسيطرة لمنع حماس من إعادة تجميع صفوفها.
وليس هناك أيضاً ما يضمن أن مثل هذا الاحتلال سيؤدي إلى القضاء على حماس.
وكانت إسرائيل تسيطر بشكل كامل على غزة عندما تأسست حماس في أواخر الثمانينات. وأدى احتلال إسرائيل لجنوب لبنان الذي دام 18 عاماً مع صعود حزب الله، وتقاتل القوات الإسرائيلية بشكل روتيني المسلحين في الضفة الغربية، التي تسيطر عليها منذ عام 1967، الأمر الذي يعني أن احتلالاً كاملاً لن يؤدي القضاء على حماس، كما يدعو حلفاء نتنياهو المتطرفون.
عضو مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس ووزير الدفاع يوآف غالانت وهما جنرالان متقاعدان يخشيان أيضاً احتمالات إعادة احتلال غزة، سيكون أمراً مكلفاً لإسرائيل. وسبق أن سحب أرئيل شارون رئيس وزراء إسرائيل السابق وأحد أكثر قادتها تطرفاً الجنود والمستوطنين من غزة في عام 2005.
كما يعارض غالانت وغانتس انسحاباً من شأنه أن يترك حماس تحت السيطرة أو يؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية.
أمريكا تريد من إسرائيل البحث عن حليف فلسطيني، ولكن غزة ليست كغيرها
وقال الجنرال الأمريكي المتقاعد جوزيف فوتيل، الذي كان رئيس القيادة المركزية الأمريكية في ذروة القتال ضد تنظيم داعش، إن جزءاً رئيسياً من خطة الولايات المتحدة لهزيمة داعش في العراق وسوريا كان الاعتماد على قوة شريكة لتأمين المناطق بعد اكتمال العملية العسكرية. وقال فوتيل: ”ما لم تفعلوا ذلك، فستجدون أنفسكم عائدين إلى هذه المناطق وتعيدون تطهيرها ومحاربتها من جديد”.
ولم يُعرف أن أي فلسطيني عرض التعاون مع الجيش الإسرائيلي، أو وافق على عروض الاحتلال للتعاون، ربما لأن حماس قالت إنها ستعاملهم كمتعاونين، وهو تهديد مستتر بالقتل، حسبما زعم تقرير لوكالة أسوشيتدبرس، متناسياً الإجماع الوطني الفلسطيني حول رفض التعاون مع الاحتلال كعامل أساسي لهذا الموقف.
يقول مايكل ميلشتين، المحلل الإسرائيلي للشؤون الفلسطينية في جامعة تل أبيب وضابط المخابرات العسكرية السابق، إن الجهود المبذولة للتواصل مع رجال الأعمال الفلسطينيين والعائلات القوية “انتهت بكارثة”.
ويقول إن الإسرائيليين الذين يبحثون عن مثل هؤلاء الحلفاء يبحثون عن أحصنة “وحيدة القرن” وهو حيوان خرافي مشهور في الأساطير الغربية.
ولا تلفت التصريحات الباحثة عن فلسطينيين متعاونين إلى الفارق الكبير بين الحالة الوطنية في غزة الداعمة للمقاومة، مقارنة بالعراق المنقسم، وكذلك الفارق بين داعش وعلاقته بالشعب العراقي، وبين حماس وعلاقتها بالغزاويين ومجمل الشعب الفلسطيني.
الدول العربية ترفض أن تستخدم كأداة لحكم غزة
كما رفضت الدول العربية سيناريو المشاركة في حكم غزة، وحتى الإمارات العربية المتحدة، التي تعد واحدة من الدول القليلة التي اعترفت رسمياً بإسرائيل ولديها علاقات وثيقة معها.
وقال وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان هذا الشهر إن “الإمارات ترفض المشاركة في أي خطة تهدف إلى توفير غطاء للوجود الإسرائيلي في قطاع غزة”.
واستبعد نتنياهو أي سيناريو لمنح دور للسلطة الفلسطينية، كما ألمح غالانت – قائلاً إنه يرفض أن يستبدل حماستان بفتحستان.
ويقول الفلسطينيون إن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عقود وإقامة دولة مستقلة بالكامل في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية – وهي الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب الشرق الأوسط عام 1967 – هو السبيل الوحيد لإنهاء دائرة إراقة الدماء.
وقالت حماس إنها ستقبل بحل الدولتين على أساس مؤقت على الأقل، لكن برنامجها السياسي لا يزال يدعو إلى “التحرير الكامل لفلسطين”، بما في ذلك ما يعرف الآن بإسرائيل. وقالت حماس أيضاً إنها يجب أن تكون جزءاً من أي تسوية بعد الحرب.
وتشجع الولايات المتحدة على حل يتضمن إطلاق مسار تفاوض غير مضمون بهدف الوصول لحل الدولتين مقابل تطبيع السعودية للعلاقات مع إسرائيل.
خبراء إسرائيليون يرون أن اقتراح حماس أكثر واقعية
لقد اقترحت حماس صفقة كبرى مختلفة تماماً – وهي صفقة قد تكون، ومن المفارقة، أكثر قبولًا للإسرائيليين من الصفقة الأمريكية السعودية، وفقاً للوكالة الأمريكية.
واقترحت الحركة اتفاقاً مرحلياً تفرج بموجبه عن جميع الرهائن مقابل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين – بما في ذلك كبار المسلحين – بالإضافة إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، ووقف طويل لإطلاق النار وإعادة الإعمار.
ويكاد يكون من المؤكد أن هذا من شأنه أن يترك حماس مسيطرة على غزة وربما يسمح لها بإعادة بناء قدراتها العسكرية، وسينظر لهذا السيناريو كانتصار لحماس رغم خسائر غزة الكبيرة.
وخرج الآلاف من المتظاهرين الإسرائيليين إلى الشوارع في الأسابيع الأخيرة مطالبين قادتهم بالموافقة على مثل هذه الصفقة، لأنها ربما تكون الطريقة الوحيدة لاستعادة الرهائن.
ويقول مؤيدو مثل هذه الصفقة إنه ستكون هناك فوائد أخرى لإسرائيل، بخلاف تحرير الرهائن.
فمن المرجح أن يهدأ الصراع منخفض الحدة مع حزب الله اللبناني مع تراجع التوترات الإقليمية، مما يسمح لعشرات الآلاف من الأشخاص على جانبي الحدود بالعودة إلى منازلهم. ويمكن لإسرائيل أخيراً أن تأخذ في الاعتبار الإخفاقات الأمنية التي أدت إلى السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
ومن الممكن أن تستعد لجولة أخرى من القتال لا مفر منها، وفقاً لتقرير الوكالة الأمريكية.
ويقول مايكل ميلشتين، المحلل الإسرائيلي للشؤون الفلسطينية في جامعة تل أبيب وضابط المخابرات العسكرية السابق، إن على إسرائيل أن تتبنى مفهوم حماس لـ”الهدنة” – وهي فترة طويلة من الهدوء الاستراتيجي.
وقال: “الهدنة لا تعني اتفاق سلام”. “إنه وقف إطلاق النار الذي ستستغله لتجعل نفسك أقوى؛ ومن ثم تهاجم عدوك وتفاجئه”.
ويبدو أن الجهاز الأمني الإسرائيلي بات مقتنعاً بأن هذا هو الحل الوحيد، فبعد قصف تل أبيب بساعات، قالت هيئة البث الإسرائيلية إن المنظومة الأمنية مستعدة لعامل مع طلب حماس لوقف إطلاق النار ضمن صفقة الأسرى.