خطا الاقتصاد الأردني، خلال 78 عاما، خطوات كبرى على طريق النمو والازدهار والتنمية، رغم الأزمات والتحولات والسياسية والجيوسياسية والاقتصادية المتلاحقة التي ألمت بالمنطقة والعالم خلال عقود.
ونجح الأردن، على امتداد هذه العقود الطويلة، في إرساء اقتصاد وطني متماسك ومتجدد، وتطوير القطاعات الاقتصادية المختلفة وتمكينها، فضلا عن إنجاز بنية تحتية خدمية واقتصادية سبق بها كثير من الدول في المنطقة.
وبغية استدامة هذه المنجزات والبناء عليها والنهوض بالاقتصاد الوطني وتحصينه من التحولات الجيوسياسية والاقتصادية المستقبلية وتجنيبه التضرر من هذه المتغيرات وتحسين الواقع المعيشي للأردنيين، فضلا عن تحويل الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد إنتاجي، جاء توجيه الملك عبدالله الثاني، واستشرافا منه للمستقبل، بإطلاق ورشة إصلاحية واسعة للاقتصاد الوطني تتمثل بـ”رؤية التحديث الاقتصادي”.
ومن شأن هذه الرؤية الملكية أن تضع الاقتصاد الوطني على طريق المستقبل المشرق وأن تضمن له تحقيق النهضة والتنمية الشاملة المنشودة، والارتقاء بالقطاعات الاقتصادية الإنتاجية واستغلال الموارد الاقتصادية المختلفة، فضلا عن تحسين مستوى مؤشراته الاقتصادية والمعيشية المختلفة ومعالجة مشكلات البطالة والفقر، وقيادته إلى اقتصاد المستقبل القائم على قطاعات التكنولوجيا والاقتصاد الأخضر. وتنضوي الرؤية الملكية على بعد نظر، من خلال استهدافها جعل المملكة مركزا إقليميا للأمن الغذائي، إضافة إلى جعله مركزا إقليميا للتكنولوجيا والابتكار، علاوة على جعلها كذلك مركزا لصناعة السياحة الترفيهية في المنطقة.
ومن المنتظر، مع نهاية فترة تنفيذ هذه الرؤية العام 2033، أن تسهم في زيادة مكانة الاقتصاد الوطني ورفع فعاليته، إضافة إلى المساهمة في رفع قدراته الاستثمارية وتوفير مناخ استثماري جذاب، علاوة على رفع مستوى التعاون والتكامل بين القطاعات الاقتصادية المختلفة من جانب، ورفع مستوى الإدارة والتفاهم ورسم خطط القطاع الحكومي والقطاع الخاص من جانب آخر.
وتعد رؤية التحديث الاقتصادي التي تم إطلاقها منتصف العام 2022، والتي تم وضعها بمشاركة أكثر من 500 من المتخصصين والمعنيين والخبراء الاقتصاديين، بمثابة خريطة طريق للاقتصاد الوطني خلال العقد المقبل، وتعتمد رؤية التحديث على ركيزتين رئيسيتين، هما ركيزة النمو الاقتصادي (إطلاق كامل الإمكانات)، وركيزة جودة الحياة (النهوض بنوعية الحياة)، حيث تتشارك الركيزتان بخاصية “الاستدامة”.
وما يميز رؤية التحديث الاقتصادي عن غيرها من الخطط والبرامج الاقتصادية السابقة، أنها تحظى بمتابعة حثيثة من جلالة الملك، كما أنها عابرة للحكومات وتشكل خططها المرتكز الأساسي لكتب التكليف للحكومات المتعاقبة، وبما يضمن الاستمرارية في الإنجاز للحكومات والمسؤولين دون إعادة صياغة الخطط والاستراتيجيات في حال حلول حكومة جديدة. وتتمثل إحدى ركيزتي الرؤية في إطلاق كامل الإمكانات للاقتصاد على مدى العقد المقبل، والتركيز على القطاعات الناشئة والواعدة وذات الإمكانات العالية للنمو، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الفرص الاقتصادية للمواطنين وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل.
ويتجسد ذلك من خلال ثلاثة أهداف استراتيجية اقتصادية متكاملة، هي إتاحة مزيد من فرص الدخل للمواطنين، وزيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وتحسين مكانة الأردن في مؤشر التنافسية العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.