أجمعت تقديرات المحللين الاقتصاديين بإسرائيل على أن وقف تركيا جميع أشكال التجارة مع تل أبيب سيلحق أضرارا جسيمة بالصناعة والتجارة في دولة الاحتلال، فيما يصل حجم واردات المواد الخام والبضائع من تركيا إلى ما يقرب من 5 مليارات دولار سنويا.
واتفقت التقديرات على أن الأمر يتعلق بوقف استيراد المعادن والآلات والسيارات ومنتجات الطاقة والمطاط والبلاستيك والمنتجات الصحية والزراعية، بعدما تم بالفعل وقف صادرات تركيا من المواد الخام للبناء، منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ومن المتوقع أن تتوقف عشرات المصانع الإسرائيلية عن التصدير إلى تركيا بما يصل إلى 1.5 مليار دولار سنويا، حيث يصل إجمالي صادرات إسرائيل من البضائع إلى تركيا 2.6%، وهي خسارة إضافية أيضا لرجال الأعمال الإسرائيليين، وفقا لأحدث الأرقام الصادرة عن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي.
إسرائيل تواجه صعوبات في الاستيراد
وبحسب مكتب الإحصاء المركزي، شكلت واردات إسرائيل من البضائع من تركيا في الربع الأول من العام الحالي 4.8% من إجمالي الواردات، مقارنة بـ5.3% في الربع المقابل من العام الماضي.
وتعتبر تركيا المورّد الرابع لإسرائيل من حيث استيراد البضائع بعد الصين والولايات المتحدة وألمانيا، وعليه فإن الاقتصاد الإسرائيلي المحلي سيجد صعوبة في التعامل مع المقاطعة التركية، وفق مراقبين.
ومع استمرار الحرب على غزة، سجلت واردات إسرائيل من تركيا بالفعل انخفاضا حادا في الربع الأول من العام الحالي بلغ 17.5% مقارنة بانخفاض قدره 8.8% في إجمالي واردات إسرائيل من السلع، وهو انعكاس مباشر لسياسة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، المناهضة للسياسة الإسرائيلية بالشرق الأوسط التي تفاقمت بشدة خلال الحرب، على ما أفاد الموقع الإلكتروني “واينت”.
وبحسب مكتب الإحصاء التركي، بلغ حجم التجارة بين البلدين 6.8 مليارات دولار في عام 2023، منها 76% واردات من تركيا، على ما أفادت صحيفة “غلوبس” الاقتصادية.
وشمل مزيج الواردات، بحسب بيانات الدائرة الاقتصادية لاتحاد الغرف التجارية الإسرائيلية:
المعادن 27%.
والآلات والمعدات الكهربائية 13%.
والبلاستيك والمطاط 9%.
والحجر والجبس والزجاج والأسمنت 8%.
وقطع غيار السيارات 7%.
والمياه المعدنية 5%.
ضغوط على إسرائيل
قال مراسل الشؤون الاقتصادية لصحيفة “يديعوت أحرونوت” غاد ليئور، إن هناك مخاوف من أن يتسبب قطع تركيا علاقاتها التجارية مع إسرائيل في أضرار جسيمة لفروع الصناعة والتجارة والبناء، وهو الأمر الذي من شأنه أن يفاقم أزمة الاقتصاد الإسرائيلي المتواصلة منذ الحرب على غزة.
وتعد تركيا حاليا -وفقا لمراسل الشؤون الاقتصادية- أحد أكبر الشركاء التجاريين لإسرائيل، ومع قطع تركيا علاقاتها التجارية مع إسرائيل، يقول ليئور، “سيكون من الضروري العثور في أقرب وقت ممكن على الشركات والمصانع التي ستصدر إلى إسرائيل البضائع والمواد الخام التي ستكون مفقودة، وسيتم استيراد بعضها من دول مثل ألمانيا وبريطانيا وجمهورية التشيك والمجر واليونان”.
ويعتقد ليئور أن المقاطعة التركية تندرج في سياق الضغوط على إسرائيل من أجل وقف الحرب، قائلا: “قبل شهر تقريبا، صعّدت تركيا صراعها مع إسرائيل، عندما أعلنت وزارة التجارة التركية تقييد تصدير المنتجات إلى إسرائيل في 54 فئة من مجال البناء والبنية التحتية، وأبرزها منتجات الأسمنت والصلب والألومنيوم، حيث أعلنت تركيا أن القيود التجارية ستظل سارية حتى تعلن إسرائيل وقفا فوريا لإطلاق النار في غزة”.
عزلة دولية لإسرائيل
لكن المشكلة الكبيرة، يقول المحلل الاقتصادي في صحيفة “كلكليست” أدريان بيلوط: “هي الاتجاه نحو مقاطعة إسرائيل عالميا، ويأتي قرار أردوغان بعد يوم من قرار الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، قطع العلاقات مع إسرائيل، وذلك بعد أن قامت دولة أخرى في أميركا الجنوبية، بوليفيا، بذلك بالفعل”.
وأضاف المحلل الاقتصادي أن هذه الخطوة المتمثلة بالمقاطعة الاقتصادية والانفصال عن إسرائيل وجعلها منبوذة أو كيانا غير مرغوب فيه بين دول العالم، لها دلالات خطيرة، معتبرا إياها بمثابة أمر لا بد أن يكون مزعجا ومقلقا وقد يتحول إلى اتجاه عالمي عام.
ولم يستبعد بيلوط أن تلهم هذه السابقة بوقف العلاقات التجارية مع إسرائيل السياسيين في بلدان أخرى ليحذوا حذو أردوغان.
كما أن هناك مشكلة أخرى لا تقل خطورة، يقول بيلوط، وهي أن “هذه المقاطعة تضعف كل شركة إسرائيلية، وليس فقط تلك الشركات التي تقيم علاقات تجارية مع تركيا”.
ويضيف “المنافسون للشركات الإسرائيلية يوجدون في جميع أنحاء العالم، وإسرائيل نشطة للغاية في التجارة الخارجية – نحو ربع ناتجها المحلي الإجمالي- لذلك قد يستخدم هؤلاء المنافسون هذا الحدث لتوسيع حصتهم في السوق العالمي على حساب الشركات الإسرائيلية”.
ويتابع المحلل الاقتصادي “هناك عدد غير قليل من الهيئات المالية الدولية الخاصة والعامة تستثمر بشكل مباشر أو غير مباشر في الشركات الإسرائيلية، وقد تكون لهذه المقاطعة أيضا عواقب على هذا الصعيد. وفي الدائرة الأخرى قد تكون الجامعات ومعاهد البحوث والهيئات الرياضية والثقافية أيضا مصدر إلهام للمقاطعة”.
خسائر قطاع البناء بإسرائيل
بحسب رئيس اتحاد المقاولين والبنائين في تل أبيب الكبرى والمنطقة الوسطى عميت غوتليب، فـ”إن إعلان تركيا وقف العلاقات التجارية مع إسرائيل يعتبر ضربة إضافية لقطاع البناء والعقارات القابع في حالة يرثى لها منذ بدء الحرب بسبب نقص القوى العاملة والمواد الخام”.
ووجّه غوتليب انتقادات شديدة اللهجة إلى الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، قائلا لصحيفة “يديعوت أحرونوت” إنني “أشير بإصبع الاتهام إلى الحكومة التي اختارت، كما هو الحال في مسألة القوى العاملة، الاعتماد على تجارة السلع مع بلد -بالإشارة إلى تركيا- لم يتعاطف معنا، ونتنياهو لم يفعل شيئا لإيجاد بديل”.
ويعتقد أن صناعات البناء تتحمل أيضا مسؤولية عدم قدرتها على العثور على مصادر للمواد الخام من دول أخرى منذ أحداث السابع من أكتوبر الماضي، وعدم فهم التبعات الاقتصادية المصيرية على مختلف فروع الصناعات في السوق الإسرائيلي.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يصبح مؤشر مدخلات البناء أكثر تكلفة بعدما سجل ارتفاعا 8% خلال الربع الأول من هذا العام، ويقول غوتليب: “لا أرى كيف ستتمكن بعض شركات البناء من التعامل مع ارتفاع أسعار منتجات البناء، وأقدر أننا سنشهد انهيار شركات البناء، هذا يثبت أن هذه الصناعة تعاني الإهمال ولا تحظى بعناية واهتمام من قبل الحكومة الإسرائيلية”.
بدائل مكلفة لإسرائيل
وتوجد مخاوف لدى الصناعات الغذائية والكهربائية في السوق الإسرائيلي من أن يؤدي توقف الواردات التركية التوجه نحو دول أخرى بعيدة عن الموانئ الإسرائيلية إلى ارتفاع الأسعار لدى المستهلك الإسرائيلي.
وقال الرئيس التنفيذي ومالك شبكة (Good Pharm)، آدم فريدلر، إن “هذه ضربة موجعة لسوق المنتجات الاستهلاكية، حيث يتم استيراد جزء كبير منها من تركيا. وبسبب القرب الجغرافي تعتبر تركيا واجهة مهمة جدا للتبادل التجاري”.
وأضاف في حديث لصحيفة “دى ماركر” الاقتصادية أن “توقف الصادرات سيجعل الشركات الإسرائيلية تبحث عن مصادر بديلة ستكلف أكثر بكثير”.
ووفقا للصحيفة، فإن 30% من المنتجات الكهربائية المنزلية في إسرائيل يتم تصنيعها في تركيا ويقدر حجمها بأكثر من مليار شيكل سنويا (330 مليون دولار)، لذلك فإن المقاطعة التركية ستؤدي إلى رفع الأسعار بنسبة 5% إلى 10%.
مخاوف من إجراءات تركية جديدة
من جهتها، وصفت الدكتورة غيلا ليندنشتراوس، المتخصصة في السياسة الخارجية التركية المعاصرة القرار التركي بـ”الضربة الموجعة”، حيث لا تستبعد إمكانية أن تستمر تركيا باتخاذ المزيد من الإجراءات ضد إسرائيل في سياق الضغوط عليها لإنهاء الحرب.
ووفقا للباحثة الإسرائيلية التي نشرت تقدير موقف في “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب، فإن هناك مخاوف من أن تتخذ تركيا إجراءات إضافية ضد إسرائيل، مثل تعليق مرور البضائع -خاصة النفط – عبرها نحو إسرائيل.
ولم تستبعد يلا ليندنشتراوس أن “تنضم المزيد من الدول إلى المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل، وعندها ستكون العواقب أوسع بكثير”.
ومهما كان الأمر، تقول الباحثة الإسرائيلية فإن “الخطوة التركية، أصبحت تحديا آخر من التحديات العديدة التي تواجهها إسرائيل. فإذا كانت تركيا تأمل في أن تؤدي هذه الخطوة إلى جعل الجانب الإسرائيلي أكثر انتباها لطموحها في لعب دور أوسع بالحوار المتعلق بإنهاء الحرب والفترة التي تليها، فمن المشكوك فيه أن يكون هذا الأمر ممكنا، وسيكون له تأثير سلبي على العلاقات بين البلدين لسنوات مقبلة”.