أفادت طواقم الإسعاف والإنقاذ التي شاركت في انتشال جثامين الشهداء من المقابر الجماعية المكتشفة في مجمع ناصر الطبي في خان يونس جنوبي قطاع غزة، بوجود شبهات بتعرض بعض الضحايا لسرقات أعضاء.
وجرى انتشال 392 جثمانا على الأقل من ثلاث مقابر جماعية تم اكتشافها في مجمع ناصر الطبي، بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من مدينة خان يونس. ومن بين الجثامين 165 مجهولي الهوية ولم يتم التعرف عليهم بسبب تغيير الاحتلال مظاهر العلامات الخاصة للتعرف على الجثث وتشويهها.
وأظهرت مقاطع فيديو وصور تم توثيقها، بعض جثث ضحايا المقابر الجماعية، حيث بدت عليهم علامات التعذيب والتكبيل بقيود بلاستيكية.
وقالت الطواقم: “وجدت بعض الجثث مربوطة الأيدي، والبطن مفتوح ومخيط بطريقة تخالف الطرق الاعتيادية لخياطة الجروح في قطاع غزة، مما يثير شبهات حول سرقة بعض الأعضاء البشرية”.
وأضافت: “تم أيضًا رصد جثة لأحد المواطنين يرتدي ملابس عمليات ما يثير الشكوك حول دفنه حيًا”.
وأشارت في الصدد ذاته إلى “رصد جثة لطفلة مبتورة اليد والأرجل، وكانت ترتدي ملابس غرفة العمليات؛ مما يثير شكوك حول دفنها وهي على قيد الحياة”.
ورصدت الطواقم، تكبيل أيدي بعض الشهداء بمرابط بلاستيكية، وارتدائها رداء أبيض استخدمه الاحتلال كملابس للمعتقلين في مجمع ناصر الطبي، وتوجد علامات إصابة بطلق ناري بالرأس؛ مما يثير الشكوك على إعدامهم وتصفيتهم ميدانيًا.
كما رصدت العديد من الجثث تم تغيير أكفانها ووضعها في أكفان جديدة لونها أسود وأزرق، وهي عبارة عن أكياس نايلون بلاستيكية تخالف الألوان المستخدمة في غزة؛ مما يثير الشكوك حول أن هدف الاحتلال من ذلك كان رفع حرارة الجثث من أجل تسريع عملية تحللها وإخفاء الأدلة. وتمت ملاحظة عمليات دفن لأعماق تزيد عن 3 أمتار، إضافة إلى تكدس الجثث فوق بعضها البعض.
واعتبرت الطواقم أن كل الأدلة السابقة تشير إلى أن الاحتلال ارتكب جرائم ضد الإنسانية وقام بالإعدامات الميدانية في حرم مجمع ناصر الطبي، في إطار حرب الإبادة الجماعية التي يشنها على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول الماضي.
وفي 7 نيسان الحالي، انسحبت قوات الاحتلال الإسرائيلي من خان يونس بعد 4 أشهر على اجتياحها، بما شمل اقتحام مجمع ناصر الطبي.
وطالبت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا بإجراء تحقيق مستقل في المقابر الجماعية بغزة.
وبخلاف مقابر مجمع ناصر الطبي الجماعية، سبق ذلك العثور على عشرات الجثامين في مقابر جماعية اكتشفت بعد انسحاب قوات الاحتلال من مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة ومستشفى الشهيد كمال عدوان شمالي القطاع.
ويتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة رغم صدور قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار فورا، وكذلك رغم مثولها أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب “إبادة جماعية”.
وفي حصيلة غير نهائية، ارتفعت حصيلة الشهداء إلى 34305، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، والإصابات إلى 77293 منذ بدء العدوان.
نظرة فاحصة-المقابر الجماعية في غزة: ماذا نعرف عن الأمر؟
أثار اكتشاف مقابر جماعية في مستشفيين في غزة دعوات من مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان وآخرين لإجراء تحقيق دولي، في ما قالت السلطات الفلسطينية إن هذه المقابر تحوي مئات الجثث.
ولا تعريف للمقبرة الجماعية في القانون الدولي، لكنها موقع دفن يحتوي على جثث عديدة، وقد يكون وجودها مهما في الكشف عن جرائم حرب محتملة.
* ماذا يُعرف عن المقابر الجماعية المكتشفة في غزة؟
قالت السلطات الفلسطينية إن موقع دفن اكتشف في مستشفى ناصر، المنشأة الطبية الرئيسية في وسط غزة، عثر فيه على نحو 400 جثة. واكتشف الموقع بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من مدينة خان يونس.
وشاهد مراسلو صحفيون الاثنين، عمال طوارئ وهم يستخرجون جثثا من تحت أنقاض مستشفى ناصر.
وعثرت السلطات الفلسطينية أيضا على موقع دفن آخر في مستشفى الشفاء بشمالي غزة استهدفته عملية للقوات الخاصة الإسرائيلية. وتحققت وكالات انباء من لقطات لحفر مقابر بالقرب من المستشفى منذ تشرين الثاني.
وقالت رافينا شمداساني، المتحدثة باسم فولكر تورك مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الثلاثاء، إنه يتعين إجراء تحقيق للتثبت من عدد الجثث، لكن “من الواضح أن جثثا كثيرة اكتشفت”.
وأضافت شمداساني “كانت أيدي بعضهم مقيدة فيما يشير بالطبع إلى انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، ويتعين إخضاع هذا لمزيد من التحقيقات”.
* هل هناك تحقيق؟
تجري المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي تحقيقا في عملية “طوفان الأقصى” بالسابع من تشرين الأول الماضي، ورد فعل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
ويتمتع مكتب الادعاء في المحكمة بالولاية القضائية في الأراضي الفلسطينية، لكنه لم يصدر أي تصريحات عن اكتشاف لمقابر جماعية.
* في أي أماكن أخرى اكتشفت مقابر جماعية؟
تشمل الأمثلة في الآونة الأخيرة الصراعات في السودان وأوكرانيا.
وتقول كييف إن أكثر من 1400 شخص قتلوا في بلدة بوتشا أثناء احتلال القوات الروسية لها بعد هجومها الشامل لأوكرانيا في 24 شباط 2022، فيما اكتُشف أكثر من 175 من الضحايا في مقابر جماعية.
وبمناسبة مرور عامين على أحداث بوتشا، قال المدعي العام الأوكراني أندريه كوستين هذا الشهر، إن القتل “يحمل البصمات المميزة للإبادة الجماعية”.
وفي غرب دارفور بالسودان، دُفنت 1000 جثة على الأقل في مقبرة الغابة في مذابح على مدى أسابيع في مدينة الجنينة بين نيسان وحزيران من العام الماضي.
* هل العبث بمقبرة جماعية غير قانوني؟
بموجب اتفاقات جنيف لعام 1949 التي وقعت عليها إسرائيل، يتعين على أطراف نزاع ما اتخاذ كل التدابير الممكنة لمنع أي عبث بجثث الموتى.
ويدعو القانون الدولي الإنساني العرفي إلى احترام الموتى، بما في ذلك واجب منع العبث بالقبور وضمان التعرف على الرفات البشرية ودفنها بشكل لائق.
ويحظر القانون الدولي الإنساني أيضا التشويه والتدنيس وغير ذلك من أشكال عدم الاحترام للموتى، ويجب على الأطراف اتخاذ تدابير لحماية مواقع الدفن ومن بينها تلك التي تحتوي على رفات أعداد كبيرة من الموتى.
وفي عام 2002، في قضية تتعلق باستشهاد فلسطينيين في مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية المحتلة، قضت المحكمة العليا الإسرائيلية بأن وزارة الدفاع الإسرائيلية مسؤولة، بموجب القانون الدولي، عن “تحديد موقع وهوية ونقل ودفن جثث” الشهداء الفلسطينيين. وقال القضاة إنه يجب ألا تدفن الجثث في مقابر جماعية بل تُسلم إلى السلطات الفلسطينية.
ويعرّف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تدنيس جثث الموتى أو التمثيل بها بأنه جريمة حرب، وهو شيء محظور باعتباره إهانة للكرامة الشخصية.
وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي في بيان، إن مزاعم السلطات الفلسطينية بأن قواته دفنت الجثث “لا تستند لأي أساس”. وأضاف أن المقابر حفرها فلسطينيون، ونشر لقطات تظهر أن المقابر تعود إلى ما قبل عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وقال جيش الاحتلال، إن قواته التي كانت تبحث عن محتجزين إسرائيليين فحصت الجثث المدفونة بالقرب من مستشفى ناصر ثم أعادتها. وأضاف “أجري الفحص باحترام مع الحفاظ على حرمة الموتى”.
* هل كانت المقابر الجماعية مهمة في محاكمات جرائم الحرب الماضية؟
لعبت الأدلة المستقاة من استخراج الجثث من المقابر الجماعية دورا حيويا في محكمة جنائية دولية للأمم المتحدة في يوغوسلافيا السابقة وأقرت المحكمة أن مذبحة سربرينيتشا عام 1995 التي قتلت فيها قوات صرب البوسنة نحو 8000 رجل وولد من المسلمين كانت إبادة جماعية.
وفي محاكمة جنرال قوات صرب البوسنة راديسلاف كرستيتش، وهو أول شخص تدينه المحكمة الخاصة بيوغوسلافيا السابقة بالإبادة الجماعية عام 2001، وجد القضاة أن الأدلة المستمدة من عمليات استخراج الجثث التي تظهر أن مئات الضحايا قد دفنوا معصوبي الأعين وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم على الأرجح وهو ما كان كافيا لاستنتاج أنهم لم يلاقوا حتفهم في قتال.
وقالت اللجنة الدولية لشؤون المفقودين في بيان عن غزة الأربعاء، إن “المقابر الجماعية تحتوي على أدلة حيوية لإثبات حقيقة ما وقع من أحداث… يتعين اتخاذ إجراءات على الفور لحماية وتوثيق المواقع التي وردت تقارير عن وجود مقابر جماعية فيها بغزة”.
وأضافت اللجنة التي ساعدت في التعرف على آلاف الضحايا المدفونين في مقابر جماعية في حروب البلقان في التسعينيات، أنه في حالة وقوع جرائم حرب فإن “هذه العمليات تتيح تقديم الجناة إلى العدالة”.
* ما عواقب انتهاك القوانين المتعلقة بالمقابر الجماعية؟
إذا أدت إعادة الدفن أو فتح المقابر الجماعية إلى تدنيس الرفات البشرية، فمن الممكن أن توجه المحكمة الجنائية الدولية اتهامات. وبوسع المحكمة أيضا أن تستخدم تقارير عن محاولة التستر على جرائم بدفن جثث في مقابر جماعية كدليل يدعم أن الجناة كانوا يعلمون أن هذا القتل غير قانوني.
ويستطيع القضاة استخدام الحالات المؤكدة لأشخاص استشهدوا وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم للتوصل إلى أن الموتى لم يكونوا من النشطين في القتال. وبموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يعتبر قتل أو جرح مقاتل أثناء الاحتجاز جريمة حرب.