خلافات في طهران حول سيناريوهات الرد وقلق من تفكيك محور المقاومة

كشفت مصادر إيرانية مطلعة، عن وجود خلافات عميقة بين المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وقادة الحرس الثوري، حول كيفية الرد على الاغتيالات الإسرائيلية ضد قادة الحرس الثوري في سوريا، واستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق.
أفاد مصدر من مكتب المرشد الأعلى الإيراني ، شريطة عدم الكشف عن هويته، نظراً لحساسية الموضوع، أن “خلافات خامنئي والحرس الثوري تتمثل بأنه يرى أن إسرائيل تضغط على إيران للدخول في صراع إقليمي أوسع، لذلك لا يريد تصعيد الأمور مع تل أبيب وواشنطن، في حين أن قادة الحرس الثوري، يرون أنه من الضروري الرد على اغتيال كبار قادته، وإلا ستفقد طهران مكانتها في محور المقاومة”.
يأتي ذلك إثر غارة جوية إسرائيلية في الأول من شهر أبريل/نيسان 2024، استهدفت القنصلية الإيرانية بحي المزة في العاصمة السورية دمشق، وأدت إلى مقتل القائد البارز في الحرس الثوري الإيراني محمد رضا زاهدي، ونائبه، وآخرين.

موقف خامنئي: لن نخوض حرباً بضغط إسرائيلي
قالت المصادر الإيرانية ، عن خلافات خامنئي والحرس الثوري، إن اجتماعاً طارئاً عقده المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، بحضور المرشد الأعلى، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وكبار قادة الحرس الثوري الإيراني، لمناقشة الرد المحتمل على الاغتيالات الإسرائيلية، وذلك بعد استهداف الاحتلال القنصلية الإيرانية في دمشق.
فيما يتعلق بما دار في هذا الاجتماع، قال مسؤول من مكتب المرشد الأعلى الإيراني، مطلع على سير الاجتماع طالباً عدم كشف هويته نظراً لحساسية الموضوع، “طلب قادة الحرس الثوري، وعلى رأسهم إسماعيل قاآني، من المرشد الأعلى خامنئي، السماح لهم بالرد على تل أبيب، لكنه رفض، وقال: لن نخوض حرباً بضغط إسرائيلي”.
عن موقف خامنئي، أوضح المصدر أن المرشد الإيراني “يرى أن إسرائيل تحاول الضغط على إيران منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لخوض الحرب، لكنه يصر على سياسة الصبر الاستراتيجي، وهذا ما لم يوافق عليه قادة الحرس الثوري”.
فيما يتعلق بآراء قادة الحرس الثوري الإيراني، الذين حضروا الاجتماع مع المرشد الأعلى الإيراني، قال مصدر مقرّب من قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني ، إن الأخير وقادة الحرس “يرون أن سياسة الصبر الاستراتيجي التي يتمسك بها خامنئي أثبتت فشلها”، وأن هذا محور خلافات خامنئي والحرس الثوري.
أضاف أن قادة الحرس الثوري “يرون أن التمسك بسياسة الصبر الاستراتيجي سيرسل رسالة إلى تل أبيب، مفادها أن تفكيك محور المقاومة بداية من إيران وحتى أصغر شريك فيه، أمر سهل، ويمكن تنفيذه”.
كذلك فإن “قادة الحرس الثوري، يرون تمسك طهران بسياسة الصبر الاستراتيجي تجعل إيران أضعف حلقة في محور المقاومة، بل من الممكن أن تؤدي إلى تمرد حلفائها في محور المقاومة، ضد الأوامر الإيرانية”، بحسب المصدر ذاته.
أمام مخاوف قادة الحرس الثوري، كان رد خامنئي، بحسب مصدر آخر من مكتب المرشد الأعلى، بأن أي رد إيراني مباشر وعلني وسريع ضد إسرائيل، “ستكون عواقبه وخيمة”.
أوضح أن “خامنئي يرى أن ما تريده إسرائيل هو استفزاز إيران من أجل التورط في رد سريع و علني، ما يمهد الطريق أمام تل أبيب لشن هجمات أوسع وأعمق داخل الأراضي الإيرانية”.
لكن “لم يوافق الكثيرون من قادة الحرس الثوري على رؤية خامنئي للأمور”، بحسب المصدر ذاته.
في هذا الصدد، يقول سياسي إيراني رفيع المستوى، مقرّب من دوائر صنع القرار في طهران، إن “اغتيال إسرائيل لرضا زاهدي، أبرز قائد للحرس الثوري في سوريا ولبنان، والتعدي على أرض إيرانية في دمشق، بمثابة إعلان حرب على ايران، ولا بد أن يكون الرد الإيراني حاسماً وسريعاً”.
أكدت كذلك أن “الكثيرين من داخل الدوائر المقربة من القيادة العليا، يحاولون الضغط على خامنئي، من أجل الرد الحاسم، والتخلي عن سياسة الصبر الاستراتيجي”.
بحسب المصدر ذاته، فإن الاغتيالات الإسرائيلية المتكررة لقادة الحرس الثوري في سوريا، “استراتيجية إسرائيلية لتفكيك محور المقاومة، من شأنه أن يقوّض القدرات الهجومية والدفاعية للمحور وإيران”.
وقال إن “سياسة الصبر الاستراتيجي ستُفقد إيران وحلفائها في المنطقة كل النجاحات التي وصلوا إليها، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول”، ما أدى إلى تزايد خلافات خامنئي والحرس الثوري حول هذه السياسة التي يرفضها كذلك حلفاؤها في المنطقة.
وأضاف: “تقول القيادة العليا في طهران،إنها تريد المحافظة على حزب الله، وتحاول بشتى الطرق السيطرة على قياداته، من أجل عدم الانجرار لحرب أوسع مع إسرائيل، لكن ما تفعله إسرائيل الآن، والجرأة التي تعمل بها ضد إيران، ستؤدي في النهاية إلى خسارة حزب الله، وخسارة قوة الردع الإيرانية”، وفق تقديره.
الجدير بالذكر أنه باغتيال الاحتلال الإسرائيلي للقائد البارز في الحرس الثوري محمد رضا زاهدي، ارتفع العدد الإجمالي للقتلى الإيرانيين الذين قتلتهم “إسرائيل” في سوريا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 16 شخصاً.
فسّر المصدر من مكتب المرشد الأعلى الإيراني، عدم موافقة خامنئي على الرد المباشر على الاغتيالات الإسرائيلية، بأنه “يهدف إلى عدم تشتيت الانتباه عن حرب غزة، بالإضافة إلى حماية إيران من اعتداء إسرائيلي أكبر”.
أشار أيضاً إلى أن “طهران لم تتدخل منذ بداية 7 أكتوبر/تشرين الأول، ومنعت حزب الله من التدخل بشكل أكبر، من أجل عدم تشتيت الانتباه عما يجري في غزة، كما أن أولوية خامنئي الأولى هي حماية الجمهورية الإسلامية من أي اعتداءات إسرائيلية وأمريكية، لذلك، فإن خامنئي يرى أن الصبر الاستراتيجي أفضل رد على تل أبيب”، وهي السياسة الإيرانية القائمة على عدم الرد على الاستفزازات الأمريكية والإسرائيلية لها، وتأجيل الرد إلى وقت ومكان مناسبين، وفق طهران.
أفاد مسؤول أمني إيراني مقرّب من القيادة العليا في طهران، بأن “طهران تشعر بالقلق من المواجهة المباشرة مع إسرائيل، وهناك من يرى أن المواجهة قادمة لا محالة، لكن القادة الإيرانيين ليس لديهم رغبة في دخول حرب إقليمية واسعة النطاق”.
أضاف أنه “رغم عدم وجود هذه الرغبة، إلا أن عدم الرد على إسرائيل سيخلق خطراً كبيراً على إيران، لأنه سيمنح تل أبيب الوقت والمساحة لتفكيك محور المقاومة، لذلك قادة الحرس الثوري قلقون من أن الاستفزازات الإسرائيلية واغتيالها لقادتهم، مجرد مقدمة لحملة كبيرة ضد حزب الله في لبنان”، وهذا له دور في خلافات خامنئي والحرس الثوري.
يرى المسؤول الأمني الإيراني أنه “إذا نجحت تل أبيب في تحقيق هدفها، فسيكون هذا تغييراً كبيراً في الديناميكيات الأمنية والسياسية الإقليمية، بطريقة تجعل من الصعب على طهران ومحور المقاومة البقاء صامدين على المدى الطويل”.
يتشارك الخبير الأمني علي رضا سعدي، مع المصدر المقرب من الحكومة الإيرانية القلق ذاته، قائلاً : “اغتيال إسرائيل للقادة الإيرانيين في سوريا، ليس بالأمر الجديد، لكن منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول والاحتلال يركز على كبار القادة الإيرانيين، الذين يلعبون دوراً هاماً في محور المقاومة، فهذا التغيير في قواعد الاشتباك بين طهران وتل أبيب، يُشير إلى نية إسرائيلية لتفكيك محور المقاومة حلقة تلو الأخرى”.
رأى سعدي في ذلك “أمراً خطيراً بالنسبة للأمن القومي الإيراني، خاصة في هذه المرحلة الداخلية في إيران، والتحضير لانتقال القيادة”، في ظل تقدم خامنئي بالعمر (85 عاماً)، والتجهيز لخلافته في حال وفاته.
أضاف أن “هناك قلقاً أكبر يتمثل بزيادة اليأس والتمرد الذي بدأ ينتشر داخل محور المقاومة، بسبب سياسة الصبر الاستراتيجي الإيرانية، خاصة داخل قيادات حزب الله اللبناني، وهذا أخطر مما تتخيله القيادة العليا الإيرانية”.
على ضوء ما سبق ذكره، والقلق المتنامي داخل الغرف المغلقة في طهران، تدور خلافات خامنئي والحرس الثوري حول شكل الرد الذي من الممكن أن تتخذه إيران لوقف الاغتيالات الإسرائيلية.
من جانبه، قال المصدر المقرب من قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني إن “هناك مجموعة من الخيارات التي طرحها قادة الحرس الثوري للرد على الاغتيالات الإسرائيلية، منها إطلاق صواريخ على العمق الإسرائيلي، أو استهداف المنشآت الدبلوماسية الإسرائيلية في أذربيجان أو بلدان أخرى، أو استهداف مسؤولين إسرائيليين خارج تل أبيب”.
يذكر أن طهران سبق أن اتهمت الاحتلال الإسرائيلي بمحاولة استهداف سفارتها في باكو، العام الماضي 2023.
لكن في الوقت ذاته، يرى المصدر ذاته أن هذه الخيارات “لا تزال صعبة التنفيذ”، موضحاً أن “الخيار الأول صعب لأنه بمثابة إعلان مواجهة مباشرة بين طهران وتل أبيب، إلا أن هناك موافقة من عدد من كبار قادة الحرس الثوري بخصوصه”.
أما الخيار الثاني، فقال: “من شأنه أن يضرّ بعلاقات إيران مع الدول التي تتواجد بها المنشآت الدبلوماسية الإسرائيلية”.
عن الخيار الثالث، قال أيضاً: “القيادة العليا وضعته من أجل المشاركة فقط في رسم سيناريوهات الرد، لكن لا أحد من داخل الحرس الثوري يميل إليه”.
إلا أن خياراً رابعاً جرى طرحه، يتمثل بأنه “من الأفضل ترك الإسرائيليين في حالة تأهب قصوى حتى الإرهاق، في انتظار الرد الإيراني”، إلا أن آخرين يؤيدون ذلك، لكن مع البدء في توجيه ضربة موجعة لإسرائيل بعد وصولها مرحلة الإرهاق، بحسب المصدر الذي رفض توضيح شكل الضربة المقترحة ضد “إسرائيل”، وفق هذا المقترح في اجتماع خامنئي والحرس الثوري.
لكن بحسب المصادر الإيرانية في هذا التقرير، فإنه إلى الآن لم يتم التوصل إلى شكل الرد الإيراني المحتمل ضد الاغتيالات الإسرائيلية.
لذلك يرى سياسي إيراني رفيع المستوى، مقرّب من دوائر صنع القرار في طهران، بحديثه ، أن “طهران في مأزق، سواء قامت بالرد أو لا”، سواء انتهت خلافات خامنئي والحرس الثوري بهذا الخصوص أو لا.
وأكد أن “خامنئي ليس لديه أي نية للرد على إسرائيل، لأنه لا يريد أن تنجر إيران إلى حرب معها، في هذه المرحلة الحساسة، مع اقتراب انتقال قيادته، لذلك يتمسك بالصبر الاستراتيجي إلى آخر لحظة”، الأمر الذي يزيد خلافات خامنئي والحرس الثوري.

خيار الرد عبر الحلفاء
في الوقت ذاته، أكدت المصادر الإيرانية ، أن مسألة لجوء إيران إلى حلفائها في محور المقاومة للرد على الاغتيالات الإسرائيلية “أمر مستبعد في الوقت الحالي”، بحسب آخر النقاشات بين خامنئي والحرس الثوري.
أوضح مسؤول أمني إيراني أن “القيادة الإيرانية ترى أن الرد من خلال حزب الله على إسرائيل، ستكون نتائجه سلبية، بالقدر ذاته إذا قامت طهران بالرد بنفسها”.
أشار كذلك إلى أن قادة الحرس الثوري يرون أن “الثأر ثأرنا نحن، وليس ثأر حزب الله”، لذلك اعتبر أن خيار الرد عبر حزب الله “أمر مستبعد”.
أضاف كذلك أن “الحلفاء في محور المقاومة كانوا يستهدفون القوات الأمريكية في سوريا والعراق منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول وما قبلها، لكن هذه المرة هناك هدنة مع واشنطن، وطهران تريد الحفاظ عليها، من أجل عدم جرّ العراق ولبنان إلى مواجهة أوسع، ستكون خسائرها كبيرة بالنسبة للجميع في المحور”.

رسالة إيرانية لواشنطن
في خضم البحث في طهران بين خامنئي والحرس الثوري عن إمكانية الرد على الاغتيالات الإسرائيلية، قامت إيران بإرسال رسالة إلى الولايات المتحدة، لتجنب توسيع الصراع في المنطقة.
قال مصدر دبلوماسي إيراني مطلع ، مفضلاً عدم ذكر اسمه: “طهران أبلغت واشنطن عبر وسطاء عُمانيين، أنه ليس لديها أي نية في خرق الهدنة، أو استهداف القوات الأمريكية في سوريا والعراق، لكن في المقابل، يجب على واشنطن الضغط على تل أبيب من أجل عدم استفزاز إيران مرة أخرى”.
أضاف أن إيران “طلبت من واشنطن مواصلة المفاوضات الأمنية بينهما، التي بدأت بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، وتم تعليقها في الفترة الأخيرة، من أجل تجنب أي تصعيد في المنطقة”.

اتهامات إيرانية لدمشق
في تقرير سابق ، قالت مصادر إيرانية مطلعة إن التحقيقات الإيرانية بعد اغتيال القائد الإيراني سيد راضي موسوي في سوريا، توصلت إلى وجود اختراق إسرائيلي لأجهزة الأمن والاستخبارات السورية، جعلت من السهل تتبع أماكن تواجد قادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا، واستهدافهم.
تكررت هذه الاتهامات الإيرانية لدمشق مرة أخرى، بعد اغتيال الاحتلال الإسرائيلي لمحمد رضا زاهدي.
أفاد المسئول الأمني الإيراني، بأن “كل التحقيقات التي أجراها الحرس الثوري والاستخبارات الإيرانية، تُشير إلى عدم معالجة الحكومة السورية للخروقات الأمنية التي أسفرت عن استهداف القادة الإيرانيين”.
وقال: “لدينا أدلة قوية لتورط شخصيات أمنية سورية كبيرة في تسريب معلومات تواجد قادة الحرس في سوريا للإسرائيلين، وأن هذا الأمر تم عبر اتفاق يقوم على منع استهداف إسرائيل لأماكن حيوية في سوريا، مقابل إعطاء معلومات عن أماكن قادة الحرس الثوري في دمشق، لكننا ما زلنا نحاول التوصل إلى حل لهذا الأمر مع الحكومة السورية”، وفق قوله.
لم يُفصح المصدر عن رد فعل النظام السوري عندما أبلغته طهران بنتائج التحقيقات المشار إليها أعلاه، واكتفى بالقول: “لا بد من اتخاذ قرارات حاسمة من القيادة الإيرانية لحل هذه الأزمة مع بشار الأسد”.
يشار إلى أن إيران أعلنت تعرض القسم القنصلي في سفارتها بالعاصمة السورية دمشق، لهجوم صاروخي إسرائيلي، أدى إلى مقتل 7 من الحرس الثوري، بينهم قياديان كبيران.

إقرأ الخبر السابق

ماكدونالدز تستحوذ على جميع مطاعمها لدى الاحتلال

اقرأ الخبر التالي

120 ألفا يؤدون صلاة الجمعة الأخيرة من رمضان في المسجد الأقصى

الأكثر شهرة