بقلم اسلام عزام
مع انخفاض نسب إنتاج الأدب الأردني في الآونة الأخيرة، بات التحدي على الكتّاب الرائدين كبيراً؛ نظراً للتباعد بين أساليب الكتابة القديمة والحديثة، وفي ظل كثرة الانتقادات على المجتمع الثقافي الأردني أصبح حديث الكتّاب الجدد هل نسير على خطى القدامى أم نغرق في بحر العشوائية اللامتناهية؟
ويشهد الوسط الثقافي الأردني حالة غير مسبوقة، ليعيش صراعاً بين
كتّاب ” الترند” وأصحاب المدارس البلاغية الأدبية الذي تراجع وجودهم في الفترة الأخيرة؛ إثر موجات ” السوشال ميديا” التي مكنّت هواة الكتابة وغيرهم من الخوض بهذه التجربة الأدبية الصعبة.
في سبيل البحث والمتابعة، قالت الناقدة الروائية رند برغلة إن غالبية الكتب التي أصدرت في الوقت الحاضر لا تتضمن هدفاً رئيسياً وتخلو من العبر أو الفائدة، على عكس الكتب القديمة التي تجد بها هدفاً بنّاءً واضحاً.
وأضافت أن ضعف المفردات من أبرز المشكلات التي تواجه الكاتب الجديد، عدا عن استخدام بعض الكلمات ذات المعنى السطحي والكلمات العامية.
وأكدت برغلة أن الفجوة الرئيسية بين العصرين تتشكل في سهولة إصدار الكتب دون رقيب أو حسيب، مما أدى إلى فقدان القراءة جزءًا من قيمتها المجتمعية، على عكس العقود الماضية التي كان يحاسب بها الكاتب على كل كلمة، من خلال نقد بناء على أيدي نقاد عاصروا العديد من الروائيين القدامى.
وتابعت أن انتشار “موضة” الكتابة يعد تحدياً كبيراً للمثقفين، بحيث أن التركيز يصب على كيف تكون كاتبًا ؟، وليس على البحث والتطوير والمعرفة.
من جانبه، أوضح رئيس جمعية الزرقاء للتراث والثقافة الشاعر عقل قدح، بأن الفرق الشاسع بين الكتابة في الحاضر والماضي يكمن في طبيعة رواد هذه المرحلة.
وأضاف أن المثقف القديم كانت له روح غير مسبوقة في القراءة والبحث والمتابعة، عدا عن المطالعات المكثفة في كل حين، حيث كان مدركاً لصراعات المرحلة مستخدماً حروفه في صناعة الإدراك للمجتمع.
ووصف قدح الثقافة الحالية بأنها بعيدة كل البعد عن مسمى الثقافة، مؤكدا أن المثقف في العقود الماضية كان يحيطه عمالقة من الأدب مما ييسرون له النهج القوي والأساس الصحيح.
وأشار إلى أن الواقع الثقافي الأردني يشهد عقبات كثيرة تتمثل في كثرة “موضة المثقفين” الذين يشكلون غطاءً ثقافيًا لا يعرف الجنس الأدبي بل يتميز في السرقات الأدبية التي أصبحت واقعاً لا يمكن نكرانه.
ورأى قدح أن المشهد الثقافي الأردني في نشاط غير مسبوق إثر الضائقات الإبداعية التي يمر بها الشرق الأوسط نظراً للصراعات بالمنطقة، مما جعل الأردن جسراً ثقافياً عربياً يحتضن كل رواد الثقافة في الوطن العربي، لكن مع الأخذ بالمعايير والمتطلبات التي يحتاجها الجسم الثقافي الأردني.
في موازاة ذلك، قال الكاتب الأردني الشاب أسامة الشجراوي إن ما يميز الكتّاب الجدد في هذا العصر الاندماج في وسائل التواصل الاجتماعي والتفتح على ثقافات المحيط العربي بسرعة فائقة، في حين أن العالم كله أصبح مجتمعا واحداً نصل إليه “بكبسة زر”.
وبين أن الخلاف الجوهري في الكتابة بين الماضي والحاضر هو وجود العالم الرقمي الذي ساهم بصناعة فارق على المستوى التقني والزمني، بالإضافة إلى أن الكتابة في الوقت الحالي تواكب ” التريند ” واهتمامات الشباب وهذا ما لم يكن متوفراً في العقود الأخيرة الماضية.
وتعجب الشجراوي من مسمى “الموضة الثقافية” قائلاً: “لا أعلم من أسماها موضة، ولكن إن كانت كذلك فلتكن، على الأقل وجدنا موضة نتباهى بها وتستحق أن نحاول التقرب منها حتى لو من خلال شيء سطحي، فهذا تأكيد ضمني على أهمية الثقافة”.
ورأى أن المشكلة الحقيقية التي يواجهها المجتمع الثقافي في ظل وجود هذه ” الموضة ” أن يتصدر مبتكرين هذه الخاصية المشهد، ليحلوا عوضاً عن المثقفين الحقيقيين، مما يؤدي إلى اختلاط المفاهيم وضياع القدوات والبوصلة الرئيسية للمشهد الثقافي الأردني.
بدورها، أكدت أمين سر منتدى البيت العربي الثقافي ميرنا حتقوة أن الكتاّب الشباب بحاجة إلى نقاد؛ ليضعوهم على الطريق الصحيح، خاصة أن غالبية الكتّاب الجدد يميلون إلى الاختصار والتقليد الأعمى بهدف الوصول إلى مبتغاهم بسرعة فائقة.
ودعت الكتاب الجدد إلى احتضان الكتب والخوض في تجارب القدماء، بالإضافة إلى المطالعة الموجهة التي توفر لهم بصمة خاصة في عصرهم، الذي أصبح الوصول به لا يحتاج إلا هاتفا وعقل.
رغم اختلاف الآراء من الزاوية الثقافية مازال الشباب الأردني المثقف نموذجاً يمارس الفنون الأدبية على أيدي خبراء لتمكين فرصته من الصعود إلى الأفق في ظلّ العصر الرقميّ الجديد.