أخبار ع النار – بقلم: عروب العبادي
الاول من حزيران ذكرى وفاة والدي ، يوم مشؤوم لا يمكن لذاكرتي ان تتخطاه ، كيف لي ان انساه وقد اختُطفت فيه قطعة من روحي، ثمن سنوات مضت على رحيل ابي ، مضت وكأن ابي رحل الامس .
في مشهد موجع بما في الكلمة من معنى لا زلت أتذكر تلك الرجفة والمرارة التي هزّت قاع قلبي حين قبّلت جبينه الطاهر في يوم رحيله ، ولا زلت احتفظ بشماغه المهدّب الطاهر حتى اليوم ، ابي الذي لطالما كان سنداً ومصدراً للدعم والتحفيز والتمكين والطموح ، فلا سند كسنده ولا حنان كحنانه، افتخر واقتدي بكل ما تعلمته منه.
ولانني سمعت ذات مرة أن الموتى يشعرون بنا ، كان لدي القناعة المطلقة بالذهاب دائما الى قبره ، في حديث من القلب الى القلب عن كل ما يجول بخاطري وكل ما يستوجب التوجيه ، دعمني الى المالانهاية في حياته وفي مماته، على الدوام كنت استشعر ابتسامته عندما اخبره بشيء يسر خاطره .
والدي ذلك الشخص العصامي الذي درس حتى السادس الابتدائي ، وعاش يتيمًا، فوالله من قال ان فاقد الشيء لا يعطيه ، لم يصدق ، فلقد اعطانا حناناً بحجم الكون ، ابي ابن مؤسسة الجيش ، والذي افتخر بعرق جبينه الطاهر ، وبغبار بسطاره القادم من تراب الوطن الاغلى الذي ربانا على حبه ، ابي الذي يعرف قيمة الارض الطهور ،كان جريئاً ، محافظاً، صلباً ، مكافحاً ، مُقبلاً ليس مدبر ، لم يظلم ولم يغتاب ، من عرفه عن قرب يعرف هذه الصفات ويعيها تماماً.
ثمان أعوام مرت على وفاة أبي ، لا ألمَ يضاهي ألمَ فقده، ولا ذكرى أبشع من ذكرى رحيله، ولا حزن يفوق حزن وفاته، وهنيئاً لكل من له اب يتنفس ويعيش على وجه هذه الارض ، وعليه ان يستغل كل لحظة ، وان يغتنم وجود ابيه على هذه الدنيا بالاحسان والبر والقرب والمحبة ، فإن حجم الشوق المقترن بالالم بعد الموت لا يطاق.
ابي لا زلت حاضراً موجوداً في قلوبنا جميعاً ، في حديث امي التي لم يمر يوماً الا ودعت لك بالرحمة واستذكرت تلك المهاقي التي صنعت ، واخواني واخواتي واحفادك الذين عاشوا بخيرك وانت على وجه الارض وعاشوا بخيرك وانت تحت الارض .
رحمك الله يا قلبي الضائع ، وأسأل الله لروحك الرحمة والمغفرة والرضوان ، رحم الله مبسمك الجميل وملامحك الطيبة وشيبات شعرك وضحكاتك وكلماتك ورائحتك الزكية ، ورحم الله جسدك الذي امتلأ بالطهارة وغاب عن الدنيا ،نم طويلاً ، ولقائنا معك في عليين عند رب السماوات والارض والعالمين ، لم ولن ننساك وسيظل عزاؤنا فيك عمراً.