كشفت تحقيق لصحيفة هآرتس، عن قيام الاحتلال، باستخدام مئات الحسابات المزيفة، عبر عدة منصات للتواصل الاجتماعي، لخلق رأي عام في المجتمعات الغربية والتأثير على المشرعين الأمريكيين، بشأن مزاعمه بحق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” ووجود موظفين فيها ينتمون لحركة حماس.
وقالت الصحيفة في تقرير إن العملية الإسرائيلية، التي استخدمت الحسابات المزيفة، كان في القلب منها 3 مواقع إخبارية، تم إنشاؤها كجزء من العملية، ونشرت تقارير منسوخة من مواقع حقيقية، من ضمنها “سي أن أن” والغارديان البريطانية، وتقرير أممي عن مزاعم بارتكاب المقاومة الفلسطينية اعتداءات جنسية، خلال عملية طوفان الأقصى.
وقالت إن الكشف عن الشبكة التي أدارت العملية، جرى على يد منظمة المراقبة الرقمية الإسرائيلية، لافتة إلى أن باحثيها وجدوا بتحليل الرسائل الموجهة من الحسابات المزيفة، أنها تستهدف الجماهير التقدمية في الغرب، والولايات المتحدة على الأخص، والمشرعين السود من الحزب الديمقراطي، ولوحظ فيضان من التغريدات والمشاركات والمقالات عن العلاقة بين الأونروا وحماس، على حسابات السود، وأعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ.
وروجت الحسابات المزيفة التي بلغ عددها 600 حساب نشطت في العملية، بشكل مكثف مقالات من المواقع المنشأة ولقطات شاشة من مقل في صحيفة وول ستريت جورنال، اتهم الأونروا بالتورط في عملية 7 تشرين أول/أكتوبر.
وأشارت الصحيفة إلى أن الصور الرمزية للحسابات، لها تواريخ رفع مشتركة وهناك تكرار في الأسماء والصور الشخصية والكثير من الخصائص والتفاصيل، عدا عن أن الحسابات أنشئت بشكل متسلسل على عدة منصات للتواصل الاجتماعي، وحتى الأسماء بصورة متسلسلة متشابهة، بما في ذلك خطأ مطبعي في إدخال الحروف العبرية بدلا من الإنجليزية في كثير من الحسابات.
ولفتت إلى أن الصورة الرمزية للحسابات، جرى إنتاجها عبر كيانات رقمية أكثر تعقيدا، ولم يكن للذكاء الاصطناعي في شبكات التواصل القدرة على كشفها بسهولة، وجرى عملها بطريقة تشبه المستخدم البشري إلى حد كبير.
وقال التحقيق إن الحسابات نشطت عبر فيسبوك وإكس وإنستغرام، وجرى ترويج منشورات ذات صياغة وروابط موحدة، وهناك الكثير من الخصائص المتشابهة بينها، مثل تواريخ الإنشاء عبر الشبكة، والنشاط و”عنوان الآي بي”، ورمز الموقع المشترك والمحتوى المتشابه.
وقالت الصحيفة إن عملية الحسابات المزيفة بدأت بعد أسابيع قليلة من اندلاع العدوان على غزة، ولا تزال متواصلة حتى اليوم، وتعمد إلى تضخيم التعرض للمحتوى، لتعزيز رواية الاحتلال، ونشطت في البداية، حملة للرد على ما ينظر إليه على أنه “معاداة للسامية” بين الشباب السود واليهود في أمريكا، ومهاجمة دحض حماس لمزاعم الاغتصاب، ثم تحولت العملية إلى العدوانية بحسب الصحيفة، في ترديد روايات حكومة نتنياهو والأذرع الدعائية لدولة الاحتلال بشأن الأونروا.
ولفتت هآرتس إلى أنها كانت كشفت في كانون الثاني/ يناير الماضي، عن شراء الاحتلال، نظاما للتأثير الجماهيري عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في أعقاب ما وصف بـ”فشل التضليل الإعلامي” وأسندت المهمة لتشغيل النظام إلى وكالة مدنية، مع العشرات من المبادرات الرقمية لخدمة دعاية الاحتلال، وأخرى تتلقى تمويلا من الحكومة، ومن غير المعروف الجهة التي تقف وراء العملية، بمجرد تحليل ما ينشر عبر المنصات.
وبشأن تاريخ بدء العملية، قال التقرير إن الخصائص الرقمية للشبكة انطلقت قبل 7 أكتوبر، لكنها بدأت العمل فقط بعد انطلاق الحرب، وكانت المواضيع التي تنشر لها علاقة بجودة البيئة والذكاء الاصطناعي، وحالة الديمقراطية في العالم، والحرب على غزة، إضافة إلى مقالات عن تورط إيران في اليمن والتاريخ اليهودي وحفل توزيع جوائز الأوسكار.
ورأى المحللون أن هذه المواضيع كانت بهدف جذب الجمهور غير السياسي وزيادة التعرض للشبكة وبالتالي إغراقهم بمحتوى مؤيد لإسرائيل.
وقال التقرير إن الحسابات في الشبكة المزيفة، نشرت محتوى مشابها طوال فترة النشاط، ومن الأمثلة حساب باسم ديفيس تايلور، قال في منشور عبر إكس: “باعتباري رجلا يهوديا أمريكيا في منتصف العمر، فإنني أعارض انتهاكات حقوق الإنسان، لكن لا يمكنني أيضا أن أدعم حماس” لكن بحسب صور ملفه الشخصي فإن “تايلور” هو شاب أسود.
ومن الأمثلة المثيرة للسخرية أيضا، كتبت صاحبة حساب تدعى إليا مارتينيز بول، والتي حمل حسابها صورة شاب: “كرجل أمريكي من أصل أفريقي، أجد الراحة والقوة في إيماني المسيحي”. كما كتب “بتلر خوان” وهو رجل أسود بحسب صورته الشخصية قائلا إنه يشعر بالارتياح في إيمانه المسيحي، “ولكن كرجل أبيض”.
ونشطت الشبكة في كتابة منشورات ومشاركات والتعليق بأن الجامعات الأمريكية، لا تعد مكانا آمنا لليهود، ويجري التمييز ضدهم، ووضعوا إشارات ارتباط مع المؤسسات الأكاديمية، من أجل إغراق حساباتها بمشاركاتهم بما في ذلك هارفارد وكولومبيا، خاصة خلال مناقشات مجلس الشيوخ حول مزاعم “تزايد معاداة السامية في الجامعات” بسبب العدوان على غزة.
كما نشطت الحسابات المزيفة، في مجتمعات السود، بالولايات المتحدة، وتذكيرهم بأن اليهود الأمريكيين، ساندوهم في كفاحهم من أجل المساواة في الحقوق، و”نحن الآن بحاجة لمساندتكم ضد أؤلئك الذين يريدون تدميرنا”.
ومن أجل جذب المتابعين، قامت الشبكة بعمل بتطوير 3 مواقع أحدها أطلق عليه Non-Agenda، واستخدم كموقع إخباري عام ينسخ ويعيد كتابة التقارير الدولية التي لا تتعامل مع الحرب على الإطلاق، وخلق طابع أن الموقع خال من الأجندات، لمحاولة جذب المتابعين وبناء الشبكة التي ستغرق الحسابات برسائل ومشاركات مؤيدة للاحتلال.
وتمكن الموقع بهذه الطريقة، من الحصول على أكبر عدد من المتابعين، وأسند هذا الجهد بأشخاص يعيدون النشر من موقع يدعى “نيكستا” ويتبع مغربين بلاروسيين يعيشون في بولندا، وموقع “فيزيغراد 24” وتبعيته مجهولة، لكنه يروج محتوى إيجابيا، عن الرئيس المجري فيكتور أوربان والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ويعد مقربا من اليمين الأوروبي، وفي بعض الأحيان يروج محتويات مؤيدة لإسرائيل، ونشطت خلال الحرب في أوكرانيا، لكن مع عملية طوفان الأقصى، تحول النشاط لتأييد إسرائيل.
وقالت الصحيفة، إن الحملة ضد الأونروا، استعرت في نهاية كانون ثاني/يناير الماضي، حين كانت الشبكة تملك عشرات آلاف المتابعين، وحققت نفوذا في مسائل معاداة السامية والليبرالية والقيم اليهودية المسيحية وعلاقات اليهود والسود، لتبدأ في التحول إلى السردية المركزية للدبلوماسية الإسرائيلية، في تلك الفترة، وهي وجود عناصر من حركة حماس ضمن موظفي الأونروا ومشاركتهم في عملية طوفان الأقصى.
ووفقا للمحللين، فإن 85 بالمئة من السياسيين الذين ركزت عليهم الشبكة، أو جرى الرد عليهم عبر إكس، كانوا من الديمقراطيين، و90 بالمئة منهم من السود، ومن بين المشرعين المستهدفين عضو الكونغرس ريتشي توريس وعضوة الكونغرس كوري بوش.
وقالوا إن حسابات الشبكة المزيفة، علقت على عشرات المشرعين عبر فيسبوك بعبارات جذابة مثل، “هل رأيت ذلك”، و”لماذا لم أسمع بهذا” فضلا عن إغراقهم بروابط حول الأونروا وعلاقتها بحماس.
ووفقا للصحيفة، فإن التوترات الداخلية في الحزب الديمقراطي، بشأن قضية دعم الاحتلال، وتصاعد نبرة الجناح التقدمي في الحزب ضد الاحتلال، والضغط على بايدن لوقف تزويد السلاح لإسرائيل، والمطالبة بوقف إطلاق النار، دفعت الشبكة لاستهداف المشرعين الديمقراطيين السود، للحد من دعم الفلسطينيين في صفوفهم.
وقال التحقيق إن التركيز على المشرع توريس باعتباره مؤيدا لإسرائيل، من أجل الاستفادة من موقعه وشعبيته عبر الإنترنت لتعريف جمهور السود بالمحتوى الذي تنشره الشبكة.
ولفتت الصحيفة إلى أن الأسبوعيين الماضيين، “شهدا تغييرا في اتجاه حملة الحسابات المزيفة والمواقع التي تدعمها، وباتت أكثر اهتماما بإيران وتمويلها للإرهاب، والعلاقة بين محور الشر إيران وروسيا والصين”.