غزة الجديدة.. مخطط خطير يتجاوز الاعمار ويعيد تشكيل الواقع الديموغرافي

اخبار ع النار-ضمن مخطط يهدف إلى “هندسة الجغرافيا” في قطاع غزة، تخطط الإدارة الأمريكية التي وضعت خطة اتفاق وقف إطلاق النار، إلى بناء “مجمعات سكنية مؤقتة”، في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية داخل “الخط الأصفر“، وهو ما ينذر بأن أمد الأزمة الإنسانية في القطاع الذي تعرض لعدوان على مدار عامين ستطول كثيرا، خاصة وأن الحديث يدور عن مساكن مؤقتة، على حساب أراضي أغلبها زراعية خاصة، وليس إعادة إعمار الكم الكبير من الدمار.

الخطة الأمريكية الإسرائيلية
وتوضح صحيفة “نيورك تايمز” الأمريكية، أن إدارة دونالد ترامب تسعى إلى بناء عدد من المجمعات السكنية بسرعة لتوفير السكن للفلسطينيين في الأجزاء التي تسيطر عليها إسرائيل من قطاع غزة الذي مزقته الحرب، وتقول إنه جهد محفوف بالمخاطر، إذ ستتركز هذه المجمعات، أو “المجتمعات الآمنة البديلة”، كما يسميها المسؤولون الأمريكيون، في النصف الشرقي من غزة، الذي تسيطر عليه إسرائيل حالياً منذ سريان وقف إطلاق النار في العاشر من أكتوبر الماضي، مع أن هذه المنطقة لم يبق فيها سوى عدد قليل من سكان غزة البالغ عددهم مليوني فلسطيني، فيما يزدحم معظمهم في الجزء الغربي الذي يقع خارج السيطرة الإسرائيلية.
وهذه الخطة التي تعمل الإدارة الأمريكية على إقرارها، عقد مندوبها من أجلها نقاشات عدة أهمها في إسرائيل، بحثت البدء السريع لتنفيذ المخطط، والذي يقوم على بناء مناطق خيام مجهزة بالمستلزمات الضرورية، في مناطق السيطرة الإسرائيلية، تشمل دعم سكانها بالمساعدات، تعزز خطط تقسيم القطاع إلى منطقة شرقية تحت السيطرة الإسرائيلية، وأخرى غربية خارج السيطرة.
وجاء ذلك بعد أن كان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، قد أبلغ أعضاء حكومته اليمينة، رفضه لأي إعادة إعمار في أي مكان في غزة، من دون نزع سلاح المقاومة، حيث تلبي هذه الخطة الأمريكية مطالب نتنياهو، بعدم الإعمار مطلقا، من خلال مباني من الخيام مؤقتة وغير دائمة، على خلاف ما جرت العادة بعد كل حرب كانت إسرائيل تشنها ضد غزة.
وفي غزة هناك عدة مجتمعات سكنية صغيرة تخضع للسيطرة الأمنية الإسرائيلية بالكامل، ومن ضمنها المنطقة التي تنشط فيها مليشيا مسلحة يقودها ياسر أبو شباب شرق مدينة رفح، وأخرى على الحدود الشمالية لقطاع غزة يقودها أشرف المنسي، وكلاهما تتلقيان دعما من إسرائيل، ولا يعرف العدد الحقيقي لسكان تلك المناطق، غير أن لقطات مصورة أظهرت أبو شباب يتجول بين تلك المساكن وبعضها من الخيام، وأنه أنشأ مدارس ورياض أطفال وعيادة طبية.

رفض شعبي
لكن النازح خالد أبو طعيمة الذي يملك أرضا زراعية في المنطقة الشرقية لمدينة خان يونس، ويقيم حاليا بحكم طردهم من منطقة سكنهم الواقعة ضمن “الخط الأصفر” في المنطقة الغربية من المدينة، يرفض فكرة استبدال مكان بيته أو أرضه الزراعية هناك، بخيمة تتحكم إسرائيل بمن يقطنها، ويقول “هناك أرضي الزراعية، وبجوارها أراضي زراعية أخرى لأقاربي، الجميع ينتظر انسحاب الجيش الإسرائيلي، للعودة هناك وبدء زراعة الأرض”، ويشير إلى أنه في حال بنيت هذه المجمعات السكنية، فإن ذلك يعني إدامة الواقع لسنوات عدة، ويضيف “اعتاد الشعب الفلسطيني أن كل حل مؤقت يدوم لعشرات السنين”، رافضا فكرة الاستيلاء على أرضه الزراعية التي تعود له بملكية خاصة، لتكون مكانا لهذه التجمعات السكنية لاحقا، وطالب باستردادها لتخضيرها من جديد.
وفي تلك المنطقة الغربية لمدينة خان يونس، حيث يكثر النازحون الذين شردوا من أحياء وبلدات المدينة الشرقية الواقعة ضمن “الخط الأصفر” قال “عمر. أ” وهو شاب يبلغ من العمر (35 عاما)، “ما حد يقبل يعيش في هيك أماكن تحت سيطرة إسرائيل، من يسكن هناك سيتهم بالخيانة أو التواطؤ”، وأضاف “هان خيام وهناك خيام، لكن هناك سيكون احتلال”.

وتتمسك منى الشاعر، وهي سيدة أربعينية هدم قوات الاحتلال منزله أسرتها في مدينة رفح، بحقها بإعادة بناء منزلها من جديد، عبر آلية دولية للإعمار، وتعود للسكن في المكان الذي نشأت فيه، وتشكك في حديثها أن هذه المجتمعات تعزز من مخطط “التهجير القسري”.
وقد كشف أيضا أن المخطط الأمريكي يشمل بناء سلسلة من المجمعات النموذجية القابلة للاستمرارية من معسكرات الخيام، كل مجمع منها يوفر سكنا لما بين 20 إلى 25 ألف شخص إلى جانب العيادات الطبية والمدارس.
وهذا الأمر يعني أن المخطط لا يشمل جميع السكان لحين إنهاء عملية إعادة إعمار المناطق المدمرة، كما أنه في حال نفذ يعني أن السيطرة الإسرائيلية الكاملة على الشرق الشرقي من القطاع ستطول، وأن هذه التجمعات في حال أنشأت قرب المناطق الشرقية ستكون على حساب الحقول الزراعية التي يأمل ملاكها العودة إليها لتخضيرها.

بدء التنفيذ
وكشف قناة “i24NEWS” الإسرائيلية، أنه بدأ العمل بهذا المخطط، حتى قبل عودة آخر الإسرائيليين القتلى في غزة، حيث يجري حاليا تطوير المنطقة الشرقية لمدينة رفح جنوب القطاع، وأنه سيدخل إلى المدينة الجديدة، التي يُطلق عليها اسم “رفح الخضراء”، سكان من غزة ممن ليسوا من عناصر حماس، موضحة أن وزراء إسرائيليين في المجلس الأمني المصغر، عبروا عن غضبهم من الخطة، ورفضوا البناء في مناطق “الخط الأصفر”، حتى لا تتعرض البلدات الإسرائيلية القريبة للخطر.
وبهدف تسريع بناء هذه المجتمعات العمرانية، كشفت هيئة البث الإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي بدأ يستعد لإزالة الأنقاض في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، تمهيداً لإقامة “المنطقة الإنسانية”، ضمن الخطة التي أطلق عليها اسم “غزة الجديدة”، وذكرت أن هذا التوجه للجيش جاء نتيجة ضغط أمريكي على إسرائيل، حيث يترقب أن يبدأ قريباً بإدخال معدات ثقيلة إلى المنطقة بهدف تهيئة الأرضية التي يُفترض أن تستقبل آلاف الفلسطينيين، على أن تكون خالية من سيطرة حماس، وذكرت الهيئة أن جهات أمنية إسرائيلية قامت باطلاع الميليشيات المسلحة التي تتعاون معها على التفاصيل.

هندسية الديمغرافيا
وعن هذا المخطط يقول الدكتور إسماعيل الثوابتة مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة “ما يُثار حول مخططات أمريكية لبناء مجمّعات سكنية مؤقتة في المناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال داخل قطاع غزة، وعلى أراضٍ فلسطينية ذات ملكية خاصة، بما فيها أراضٍ زراعية دمّرها الاحتلال، أمر بالغ الخطورة، ويحمل مؤشرات واضحة على محاولات لإعادة تشكيل الواقع الجغرافي والديموغرافي بما يتجاوز مجرد حلول إسعافية”.
ويقول الثوابتة، إنه في حال صحت هذه الطروحات، ونفذت فإنها “تمثل مساساً مباشراً بالسيادة الوطنية الفلسطينية وبحقوق الملكية الخاصة المكفولة في القانون الدولي”، لافتا إلى أنها قد تُستخدم كمدخل لفرض وقائع طويلة الأمد تحت غطاء “الإغاثة المؤقتة”، وهي ذرائع واهية ومبررات غير مقبولة، مشددا على أن أي مشروع لا ينطلق من الاحتياجات الحقيقية للنازحين داخل قطاع غزة، ولا يضمن حقهم في العودة إلى منازلهم وأراضيهم وممتلكاتهم، ولا يحترم ملكية السكان لأراضيهم الخاصة، يُعد “هذا المشروع مرفوضاً، ولا يمكن القبول به أو التعاطي معه”.
وقد أكد أيضا أن قطاع غزة لا يحتاج إلى مخططات هندسية خارجية تُقام على أراضٍ تمت مصادرتها بأسلوب احتلال، بل تحتاج إلى فتح شامل للمعابر، وإدخال مواد الإيواء وإعادة الإعمار، وتمكين المؤسسات الدولية والمحلية من بناء مساكن مؤقتة داخل القطاع تحت إشراف فلسطيني وأممي، لا تحت هيمنة الاحتلال أو داخل مناطق يسيطر عليها، ودعا إلى إطلاق جهد إسعافي حقيقي، وضمان حماية حقوق الملكية الخاصة وعدم المساس بها تحت أي ذريعة، وضمان عدم تحويل “الحلول المؤقتة” إلى واقع دائم يفرضه الاحتلال أو يخلق مناطق عازلة جديدة.
ودمرت إسرائيل معظم مناطق قطاع غزة خلال عامي الحرب، وذكرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا“، أنه تم تدمير أو تضرر نحو 80% من المباني، فيما كشف تحليل جديد أصدرته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) ومركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية (يونوسات)، أن إسرائيل دمرت خلال الحرب 87% من أراضي غزة الزراعية.
وكان رئيس شبكة المنظمات الأهلية في غزة أمجد الشوا، قال إن 80% من سكان قطاع غزة فقدوا منازلهم، وأن الحرب خلفت نحو 60 مليون طن من الركام.

تنفيذ التهجير القسري
وسابقا وحتى قبل إقرار التهدئة، حين جرى الحديث عن هذه المجتمعات، كشف النقاب أن إسرائيل التي وضع وزير جيشها يسرائيل كاتس مخططا لإقامة هذه المناطق، هي من ستتولى مهمة فرز من سيسمح له بالسكن في تلك التجمعات بعد إخضاعهم للفحوصات الأمنية الخاصة بها، ما يعني أنها ستدرج الكثير من السكان على قوائم الممنوعين، في حال نفذ المخطط وإبقائهم في المناطق الغربية، التي تتعرض بين الحين والآخر لهجمات دامية، رغم اتفاق وقف إطلاق النار.
كما كشف وقتها وتحديدا في يوليو الماضي، أن الجيش الإسرائيلي سيمنع سكان تلك المجتمعات من الخروج منها مرة أخرى إلى مناطق أخرى في قطاع غزة، وإنما إلى خارج حدود القطاع، ما يعني أن هدفها تنفيذ مخطط التهجير القسري، ضمن إستراتيجية ممنهجة تستهدف التصفية الصامتة، كما سيتحكم بشكل كامل في إدخال المساعدات الغذائية، والإنسانية إلى تلك المنطقة، ووقتها قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، إن “المدينة الإنسانية” التي اقترحها كاتس ستكون بمثابة معسكر اعتقال للفلسطينيين، وأن إجبارهم على دخولها يمثل “تطهيرا عرقيا”.
ولذلك حمل الثوابتة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن “الكارثة الإنسانية” التي دفعت مئات الآلاف للنزوح القسري، مؤكدا أن الحل الوحيد هو إغاثة الناس داخل أرضهم، ومن خلال الأطر القانونية والإنسانية السليمة، وليس عبر مشاريع تعزز الوقائع المفروضة بالقوة أو تنتقص من حق الإنسان الفلسطيني في أرضه وكرامته وعودته إلى بيته.

Read Previous

طرح عطاء لشراء كميات من الشعير

Read Next

وزير الداخلية يزور مصابي المداهمة الأمنية في الرمثا

Most Popular