
إلى أين يا رؤوساء الحكومات ؟؟
يكشف الرد الرسمي لوزارة المالية حول تطور الدين العام منذ عام 1999 حتى 2024 أن الأردن انتقل من دين يقارب سبعة مليارات دينار إلى أكثر من سبعة وأربعين مليارًا خلال خمسة وعشرين عامًا ، وهي زيادة كبيرة لا يمكن فهمها باللوم أو التبرير وحدهما ، بل بقراءة متوازنة لظروف الداخل والخارج .. تُظهر الأرقام أن أكبر الزيادات جاءت في حكومات بشر الخصاونة بحوالي 11.3 مليار دينار وعبدالله النسور بحوالي 7.4 مليار ، تليهما حكومة عمر الرزاز بأكثر من 4.5 مليار ، فيما انفردت حكومة فيصل الفايز بتخفيض الدين بنحو مئة مليون دينار .. كما توضح المقارنات الزمنية أن وتيرة الاقتراض اليومي ارتفعت تدريجيًا من نحو 600 ألف دينار في نهاية التسعينيات إلى ما بين خمسة واثني عشر مليون دينار يوميًا في السنوات اللاحقة ، وهو تطور يعكس تحول العجز إلى حالة تراكمية وليست ظرفية .. جزء كبير من هذه الزيادة يعود لعوامل لا يتحكم بها الأردن مثل تداعيات الأزمة المالية العالمية ، وخسائر الطاقة قبل 2014 ، وموجات اللجوء التي ضغطت على التعليم والصحة والبنية التحتية ، إضافة إلى جائحة كورونا وما تبعها من تضخم عالمي وارتفاع أسعار النفط والفوائد .
وفي المقابل ساهمت عوامل داخلية في تعميق المشكلة مثل ارتفاع النفقات الجارية وتضخم القطاع العام وخسائر بعض المؤسسات وتأخر الإصلاحات الاقتصادية والضريبية ، وضعف الاستثمار المنتج القادر على خلق إيرادات تخفف العبء عن الموازنة ومع ذلك لا يمكن تجاهل النجاحات التي حققتها الدولة مثل الحفاظ على استقرار الدينار ، وإصلاح قطاع الطاقة بعد 2014 ، وتحسين التحصيل الضريبي ومنع انهيار الخدمات رغم الضغوط الهائلة .. خلاصة ما تقوله الأرقام أن الدين الأردني لم يصنعه قرار واحد ولا حكومة واحدة ، بل هو نتاج مسار طويل تراكمت فيه الضغوط والأخطاء والاختيارات الصعبة ، وأن الخروج من هذا المسار يحتاج خطة وطنية تربط الاقتراض بالمشاريع الإنتاجية ، وتخفض العجز تدريجيًا ، وتعالج النفقات الجارية ، وتعيد التوازن بين الإيرادات والالتزامات حتى تتحول المديونية من خطر محتمل إلى تحدّ يمكن السيطرة عليه بالعقل لا بالمزاودة !! لذلك حَقّ لنا أن نسأل رؤوساء الحكومات الأردنية : إلى أينَ أنتم سائرون ؟ .
المحامي فضيل العبادي