مع تشريد نحو مليوني فلسطيني في قطاع غزة وتدمير ما يقرب من 70% من منازل القطاع أو تعرضها لأضرار، ووجود أعداد هائلة من الذخائر، بات هناك سؤال يلح على العلماء بمن فيهم الإسرائيليون، هل تصبح غزة صالحة للسكن بعد أن تضع الحرب أوزارها، وهل يمكن إعمار غزة بعد كل هذا الدمار؟
ويبدو أن التداعيات الصحية والبيئية للدمار الواسع والنفايات، بلغت حداً يقلق بعض المختصين الإسرائيليين لأنه قد يعبر الحدود ويصل للمدن الإسرائيلية.
وقال تقريرٌ نشرته صحيفة Wall Street Journal الأمريكية الأسبوع الماضي إن ما يقرب من 70% من منازل غزة تعرضت لأضرارٍ أو دُمِّرَت.
ووفقاً للبروفيسور الإسرائيلي أميت غروس، فإن العديد من المخاطر البيئية والصحية في غزة سوف تتطلب التعامل معها، وأولها هو النفايات، حسبما نقل عنه تقرير لصحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية.
وقال غروس: “هناك أطنان من النفايات بجميع أنواعها”، مثل الخرسانة والإطارات والبلاستيك والمواد العضوية والذخيرة والمتفجرات.
وكلما طال أمد بقاء النفايات، أدى ذلك إلى تلوث بيئي ومخاطر صحية على المديين القصير والطويل. على سبيل المثال، يمكن أن تتسرب النفايات إلى المياه الجوفية وتلوِّثها، مما يجعلها غير آمنة للاستخدام والشرب، على حد قول غروس، وهو مدير معهد زوكربيرغ لأبحاث المياه في معهد جاكوس بالوستين لأبحاث الصحراء بجامعة بن غوريون في النقب بجنوب إسرائيل.
علاوة على ذلك، قال إنه إذا كانت الشائعات حول إغراق شبكة أنفاق حماس الواسعة بمياه البحر دقيقة، فإن ذلك من شأنه أن يزيد من تحدي نظام المياه؛ لأنه يختلط بالمياه الجوفية ويزيد من ملوحتها. ويُعتَبَر المصدر الوحيد للمياه الذي يمكن لسكان غزة الوصول إليه داخل أراضي قطاع غزة هو المياه الجوفية من طبقة المياه الجوفية الساحلية، والتي قال كلايف ليبشين، الخبير من معهد عربة، إنها نادرة وملوثة بالفعل.
تحذيرات من تلوث بكتيري سيصل للمزروعات والأسماك
وحذر غروس من أنه إذا دُمِّرَت شبكة الصرف الصحي وبنيتها التحتية، فإن ذلك يمثل خطراً إضافياً للتلوث البكتيري والفطري الذي يمكن أن يؤثر سلباً على الزراعة والأسماك في البحر. ويجب تطهير التربة الملوثة من هذه الكائنات المُمرِضة قبل زراعة الفواكه والخضراوات، لأن تناولها يمكن أن يصيب الإنسان بالمرض. وقال غروس إن الأغذية المزروعة بالماء أو في التربة الملوثة بالبكتيريا الضارة ترتبط بقوة بحالات التسمم الغذائي.
في الوقت نفسه، عندما تغسل الأمطار هذا التلوث إلى البحر الأبيض المتوسط، فإنها تؤثر على جودة المياه وتؤثر على الأسماك. وبالتالي، فإن الأفراد الذين يستهلكون هذه الأسماك معرضون للإصابة بالمرض.
مخاوف من تفشي الأمراض خاصة أن الحيوانات الضالة باتت تحتل البيوت
في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية والتي لا توجد بها ممارسات صرف صحي فعَّالة، تميل مسببات الأمراض مثل الكوليرا والسالمونيلا إلى الانتشار بسبب التخلص غير السليم من النفايات البشرية.
وشدد غروس على أنه “في المناطق المزدحمة للغاية والتي تحتوي على مياه ملوثة، يمكن أن يكون هناك تفشٍّ للأمراض”. وقال إن التطعيم هو الحل الأكثر فعالية.
علاوة على ذلك، عندما يغادر الناس منازلهم، غالباً ما تملاً الحيوانات الفراغ، مثل الفئران والثعالب والكلاب الضالة، كما أوضحت البروفيسور دوريت نيتسان، مديرة برنامج الماجستير في طب الطوارئ والاستعداد والاستجابة في جامعة بن غوريون، وهي أيضاً مديرة الطوارئ الإقليمية السابقة للمكتب الأوروبي لمنظمة الصحة العالمية. وتشكِّل المنازل المهجورة أرضاً خصبة للذباب والبعوض، ويمكن لهذه الحشرات والحيوانات أن تحمل أمراضاً معدية، مثل الشيغيلا أو فيروس غرب النيل.
غبار الأسبستوس الخطير سيصل إلى إسرائيل وهو يتسبب في سرطان فتاك
وقالت نيتسان إن التحدي الآخر قد يتمثل في مادة الأسبستوس، وهي مادة شائعة الاستخدام في تشييد المباني، وخاصة في البلدان والمجتمعات النامية أو التي تواجه تحديات اجتماعية واقتصادية.
ويمكن أن يؤدي الهدم غير السليم للمباني المشيدة بمواد تحتوي على الأسبستوس إلى إطلاق ألياف الأسبستوس الخطرة في الهواء، مما يشكل تهديداً للصحة العامة. ويمكن أن يؤدي استنشاق هذه الألياف إلى إلحاق الضرر بالرئتين وزيادة خطر الإصابة بمختلف أنواع السرطان، ولا سيما ورم الظهارة المتوسطة -وهو سرطان نادر ومميت للغاية يؤثر على الأغشية الرقيقة المبطنة للصدر والبطن.
وشددت نيتسان على أن هذا النوع من السرطان يُعَد من بين أكثر أنواع السرطان فتكاً، حيث يعيش الأفراد الذين يُشخَّصون به عادةً بين 4 إلى 18 شهراً.
ومن شأن الأسبستوس أن يشكل تهديداً محتملاً لكل من المدنيين الفلسطينيين وفرق العمال المتوقع أن يشاركوا في جهود التنظيف وإعادة الإعمار في غزة بعد الحرب. بالإضافة إلى ذلك، يتعرض الإسرائيليون أيضاً للخطر بسبب طبيعة ألياف الأسبستوس المحمولة جواً والتي يمكن أن تنتقل عبر الحدود عندما تحملها الرياح.
هل يمكن إعمار غزة لتصبح صالحة للسكن؟
وقالت نيتسان إنها تعتقد أن غزة ستكون صالحة للسكن – وربما أكثر مما كانت عليه من قبل. كل ما يتطلبه الأمر هو “المال والخبراء واتخاذ القرارات السياسية والدبلوماسية”.
وسلطت الضوء على العديد من الخطوات التي يمكن لإسرائيل والمجتمع الدولي اتخاذها للمساعدة في إعادة إعمار غزة وتأهيلها.
وقالت نيتسان: “أولاً وقبل كل شيء، علينا التأكد من أن السكان يعيشون في ملاجئ آمنة وجيدة تتوفر فيها المياه والصرف الصحي والنظافة والتعليم، فضلاً عن الخدمات الصحية الجيدة”، مشيرةً إلى أن ذلك سيشمل التطعيمات التي ذكرها غروس.
وقالت نيتسان إن فرق إعادة التأهيل يجب أن تحدد بعد ذلك وبشكلٍ منهجي المخاطر المحتملة، وأن تقيِّم المخاطر المرتبطة بها، وأن تضع استراتيجيات للتخفيف من الأضرار ومنع المزيد منها. وهذا يستلزم الاستعانة بخبراء محترفين في مجالات محددة لكل جانب من جوانب عملية الإصلاح.
وأخيراً، دعت إلى ما يعرف بنهج الصحة الواحدة، أي معالجة صحة وبيئة البشر والحيوانات والنباتات في الوقت نفسه.