سلام أو فوضى… الخيار بيد العالم

ا.د. نورس شطناوي
في عالمٍ يزداد اضطرابًا يومًا بعد يوم، جاء خطابُ جلالة الملك عبد الله الثاني خلال المؤتمر الدولي حول التسوية السلمية وتنفيذ حل الدولتين بنيويورك كرسالةٍ واضحةٍ إلى المجتمع الدولي بأن المستقبل على مفترق طرق حاسم: إمّا أن يستمر العالم في دوّامة الحرب والصراع والدمار، أو أن يختار بجدّية طريق السلام العادل والدائم القائم على حل الدولتين. وقد رسم الملك صورةً قاتمةً لمستقبل المنطقة في حال تجاهل المجتمع الدولي لمسؤولياته؛ إذ إن استمرار الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لا يعني مجرد مواجهات عسكرية عابرة هنا أو هناك، بل يعني سلسلةً لا تنتهي من الدمار وسفك الدماء، وبيئةً خصبةً لتطرف الجماعات، فضلاً عن انفجار موجات جديدة من اللاجئين وتفاقم المعاناة الإنسانية. وبمعنى آخر، فإنّ من يرفض الحل السياسي يختار عمليًا إبقاء المنطقة والعالم رهينةً للفوضى. وعلى النقيض من ذلك، شدّد الملك على أن طريق السلام العادل يمرُّ عبر حل الدولتين: دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، عاصمتها القدس الشرقية، تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل؛ وهذا الموقف ليس جديدًا في السياسة الأردنية، بل هو ثابتٌ منذ عقود، غير أن إعادة التأكيد عليه في هذا التوقيت بالذات تحمل دلالةً مهمة، خاصةً مع تصاعد العنف في الأراضي الفلسطينية وتزايد الحديث عن بدائل غير قابلة للحياة .
وفي هذا السياق تتجلّى الرسالة الأردنية بوضوح: لا وجود لسلام حقيقي خارج إطار حل الدولتين. ووصف الملك انعقاد هذا المؤتمر بأنه خطوةٍ مهمة نحو تحقيق السلام العادل والدائم؛ إلا أن كلماته كانت تحمل رسالةً مبطّنةً مفادها أن الخطوات وحدها لن تكتفي إن لم تتحول إلى التزامات سياسية وقانونية قابلة للتنفيذ. ولهذا فإن الأردن لا يرغب في أن يبقى هذا المؤتمر منصةً لخطاباتٍ وشعاراتٍ دون فعل؛ بل إنه يطالب بإجراءاتٍ عمليةٍ تشمل ضغوطًا دوليةً وقراراتٍ ملزمةً وضماناتٍ حقيقيةً تضع حدًّا قاطعًا لدوّامة المماطلة. وبذلك جاء الخطاب الأردني في نيويورك ليؤكد من جديد ثوابت السياسة الأردنية تجاه القضية الفلسطينية، حيث شدد الملك عبد الله الثاني على أن حل الدولتين هو الخيار الوحيد القابل للحياة، وأن أي بدائل أخرى، سواءٌ كانت مؤقتةً أم جزئيةً أم التفافيةً، فإنها مرفوضةٌ لأنها لا تؤدي إلا إلى تعقيد المشهد وتعميق الأزمة. ولم تكن لهجة الخطاب دبلوماسيةً باردةً؛ بل جاءت محمّلةً بروح التحذير والإنذار من مستقبل مظلم ينتظر المنطقة إذا استمر تجاهل الحل العادل؛ مستقبلٌ يتسم بالعنف والفوضى ويهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي. وفي الوقت ذاته، عزّز الخطاب صورةَ الأردن كصوتٍ عقلانيٍّ ووسيطٍ أمينٍ يسعى لترسيخ الاستقرار، انطلاقًا من موقعه الجغرافي ودوره التاريخي ومسؤوليته المباشرة عن تبعات ما يجري في فلسطين. ولم يقتصر الخطاب على بعدٍ سياسيٍّ فحسب؛ بل حمل بعدًا إنسانيًا وأخلاقيًا، إذ حمّل المجتمع الدولي مسؤوليةً واضحةً: الاختيار بين الدفع باتجاه سلامٍ عادلٍ شاملٍ يضمن الحقوق الفلسطينية، أو ترك المنطقة تسقط في دوّامةٍ من الدماء والدمار. ومن هنا كانت الرسالة الأساسية التي وجهها الأردن واضحةً وصريحةً: لا استقرار في المنطقة ولا سلام في العالم دون حل الدولتين، والمسؤولية اليوم تقع على عاتق المجتمع الدولي الذي عليه أن يتحرك بجدية؛ وإلا فإنه سيكون شريكًا في إنتاج المزيد من الفوضى والانفجار. والرسالة الأهم التي يمكن استخلاصها هي أن الكرة الآن في ملعب المجتمع الدولي: إمّا أن يتحمّل مسؤوليته ويدفع باتجاه حلٍّ عادلٍ وشاملٍ، أو يترك المنطقة تستسلم لمزيدٍ من الفوضى والانفجار.

Read Previous

الإحتلال يعتقل مواطن أردني مشارك في أسطول الصمود

Read Next

مواطنون : البندورة بـ 70 قرشا والخيار بدينار

Most Popular