
طلال .. الملك المظلوم !!
الملك طلال … ذلك الاسم الذي يمرّ في ذاكرتنا كنسمة حزن ممزوجة بالفخر، ملك لم ينصفه التاريخ ولم ينصفه الناس في زمانه، لكنه بقي حيًا في وجدان الأردنيين باعتباره الرجل الذي أراد أن يفتح الأبواب للحرية والعدالة والمساواة ، عام واحد فقط على الدستور – دستور 1952 – الذي لا يزال حجر الأساس في بناء دولتنا، والذي منح الشعب حقوقه، وصان الحريات، ورسّخ معنى الملكية الدستورية .
كان طلال جريئًا حين ألغى الألقاب التي فرّقت الناس فصار الأردنيون متساوين أمام الدولة لا يُنادى أحدهم بباشا أو معالي أو عطوفة أو شيخ بل بالسيد فلان ، وكان إنسانيًا حين جعل التعليم مجانيًا وإلزاميًا، ففتح أبواب المدارس للفقراء قبل الأغنياء وفي هذا كله كان يحلم بوطن أكثر عدلًا وكرامة .
لكن السياسة أقسى من الأحلام فقد أُبعد الملك إلى القاهرة ثم إسطنبول بحجة المرض . لجنة من الأعيان والنواب ضمت أسماء مثل محمد الأمين الشنقيطي وعبد الله كليب الشريدة وسعيد علاء الدين وهزاع المجالي وأنور الخطيب ومعهم أطباء أردنيون مثل جميل التوتنجي وشوكت الساطي، قررت عدم أهليتهِ للحكم !! غير أن أصواتًا اعترضت على ذلك داخل المجلس أبرزها المحامي نجيب أبو الشعر وسليمان التاجي الفاروقي .
انتهى الأمر بعزله لكن النهاية الأكثر غموضًا كانت مصير أبو الشعر الذي اغتيل لاحقًا في جريمة بقيت أسرارها حبيسة الأرشيف .
رحل الملك طلال في منفاه بإسطنبول عام 1972 بعيدًا عن عمّان التي أحبها، وضمّه ترابها بعدَ وفاته ، ومع ذلك بقي الأردنيون يذكرونه بالخير والحنين ، ويشعرون أنه كان ملكًا وحدويًا، رافضًا للهيمنة الأجنبية، وصادقًا في نواياه .
لم يكن ملكًا عابرًا، بل كان قصة قصيرة ومضيئة في تاريخنا، قصة ملك مظلوم لم يُعطَ فرصة لكنه ترك ما يكفي ليبقى حاضرًا في قلوب الناس .
إنّ ذكرَ الملك طلال اليوم ليس مجرد نبش في الماضي، بل هو تذكير بأن الإصلاح والعدل والمساواة قيم لا تموت ، حتى لو غاب أصحابها ، في زمنه القصير علّمنا أن المساواة ممكنة، وأن التعليم حق، وأن الدستور عقدٌ مقدس بين الشعب والدولة ، ولعل في تذكر سيرته ما يعيد إلينا شيئًا من الأمل بأن الحلم لا يغيب وإن غاب صاحبه ، وتبقى الكثير مِنْ الأمور محفوظة في الصدور إحتراماً لخصوصية عائلة إرتضاها الأردنيون قيادة لهم .
المحامي فضيل العبادي