
حين تقترب بعض الدول من حافة الهاوية ..
ليس من التشاؤم ولا من المبالغة أن نقرع جرس الإنذار في العالم العربي، رغم ما يزخر به من إمكانات بشرية وثروات طبيعية وموقع استراتيجي، يقف اليوم أمام مفترق طرق خطير ، بين دول تُحاول النجاة، وأخرى تهوي بلا مقاومة، تغيب الرؤية وتتراكم الأزمات، حتى يكاد السؤال لا يكون “هل تنهار بعض الدول؟” بل “متى؟ وكيف؟ .”
إن مؤشرات الانهيار لا تظهر فجأة، بل تبدأ بعوامل متشابكة تترسخ عبر السنوات :
قمعٌ للحريات، وغيابٌ للمساءلة، وتضييقٌ على المشاركة السياسية .
بطالةٌ تفتك بالشباب، ويأسٌ يعمّ المدن والقرى على حد سواء .
فقرٌ مدقع، وطبقة وسطى تختفي، واحتكارٌ للثروة في يد قلة قليلة .
انفصالٌ خطير بين الحكومات وشعوبها، وتضخمٌ في الفجوة بين الهمّ الرسمي والهمّ الشعبي .
ومع التقدم التكنولوجي السريع، وتوسع الذكاء الاصطناعي، تُصبح فرص العمل أقل، وتُصبح الفجوة بين الأميّة الرقمية والتمكين التقني أكثر اتساعًا، ما يفتح أبواب التهميش الاجتماعي والعنف الكامن .
بعض الدول العربية باتت قاب قوسين أو أدنى من التفتت أو الانهيار الكامل ، سوريا، اليمن، ليبيا، السودان، ولبنان، كلها تعاني من انهيار في البنى السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية .
ودولٌ أخرى، وإن بدت أكثر تماسُكًا، إلا أن المؤشرات تُنذر بأزمات بنيوية قادمة إذا لم يتم الإصلاح العاجل .
لقد عَلّمنا التاريخ أن الدولة لا تنهار دائمًا بسبب العدو الخارجي، بل تسقط من داخلها حين تتآكل الثقة بين المواطن والدولة، وحين يُقصَى الصادقون ويُقدَّم الفاسدون، وحين يصبح الولاء للأشخاص أهم من الولاء للأوطان .
التحذير هنا ليس لغرض التشويش أو الإثارة، بل دعوة مخلصة إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه ،
إلى مراجعة السياسات، وإشراك الشعوب، وإطلاق الحريات، وتمكين الشباب، ومحاربة الفساد، وبناء اقتصاد إنتاجي لا ريعي .
وإن لم يحدث ذلك، فالعقد القادم قد يشهد لا انحدارًا تدريجيًا، بل سلسلة من الانهيارات المفاجئة التي لا تنفع معها البيانات الرسمية ولا الشعارات المنمقة .
ما زال في الوقت متسع… لكن الباب يُغلق رويدًا رويدًا ، ولن يغفر التاريخ ولا الشعوب لأِولئك الذين رأوا الخطر القادم… وتعاموا عنه.
المحامي فضيل العبادي