العشائر الأردنية وحبها وانتمائها الموجود في الكبد تجاه الوطن.

بقلم: منصور البواريد

لا يمكن لأحد إنكار دور القبائل والعشائر الأردنية المسلمة والمسيحية في هذا البلد الطاهر، الذي اندثر على أرضه الكثير والكثير من الحقب والحضارات القديمة التي تعود إلى ما قبل الميلاد، في هذا السياق لا أود طرح الحضارات بشكل عميق فهذا يحتاج إلى مقالات وكتب وجهد مضن؛ فتاريخ الأردن متجذر في كبد هذهِ البلاد الشامخة كشموخ أهلها وقبائلها الكرام.

كان للعشائر الأردنية الدور الأكبر بالحفاظ على هذهِ البلاد من أيادي الأعداء، وكانوا في هذه البلاد منذ نشأتهم وهذا إنْ دل فيدل على أنَّ القبائل والعشائر الأردنية وأسلافهم جذورهم ضاربة في هذهِ البلاد، وهم العمود الفقري الثابت لهذهِ الأرض.

الأردني لا أحد ولا حدود يشكلان هويته العتيقة، فالأردني شكل ورسم هويته وحدوده بتاريخه وبمُقاومته وتضحياته ودمائه وصبره وحبه لهذه البلاد الذي دفع الثمن باهظًا، وللنجاح ثمن باهظ، فالنجاح كلمة جميلة تتغنى بها الشفاه، وتهفو إليها كل الذوات، وتشرئب إليها الأعناق في كل مكان، وتطمح لنيله بشرف النفوس العزيزة، ويتعلق بها بصدق وإخلاص أصحاب الهمم العالية، ولا يمكن لأحد مهما كانت طبيعته البشرية أن يرفضه أو يتجاهله، أي أن النجاح من الأشياء التي يحبها الجميع، لكن ليس لمجرد ما أن تحب شيئًا ستحصل عليه بسهولة، لذا يلزم أداء ثمن ذلك سواء بالصبر والتضحية أو العزيمة والإرادة، وهذا ما فعله الأردني ابن القبيلة والعشيرة “النشمي” الذي ضحى بروحه الزكية الطاهرة من أجل نجاح بلاده في الصمود والثبات والاستقرار والتطور والرفعة، فهذا الطرح يستذكرني بموقفٍ جميلٍ عن تلاحم القبائل الأردنية، عندما كان “جديع أبو قاعود الحمايدة” و”صايل الشهوان العجارمة” على ظهرِ فرسٍ واحدٍ، وكان الأثنان يطلقان النيران “والبزر ب لهجة الأردنيين” على “دبابة بريطانية” لدِّفاع عن الأرض التي تستحق منَّا كامل التضحية المطلقة لها، فقد نفدتْ الذخيرة من جُعبتِهِما، فقاما وسلَّا سيوفهما تجاه الدبابة وهاجما الدبابة بسيوفهما حتى الرمق الأخير واستشهدا دفاعًا عن الأرضِ الطاهرةِ، والشواهد كثيرة ومن ضمن الشواهد أيضًا بشكل لافت وسريع: الثورة العربية الكبرى وتضحيات القبائل والعشائر الأردنية ضد “الأتراك”، والثورة الماجدية ضد “البريطان”، وحرب الأخوين ضد “الحركة الوهابية الإرهابية التي كانت في شبه الجزيرة العربية” وكان هجومهم بقصد الاستلاء على البلاد في ثلاث معارك؛ ولكن بسالة الأردنيين وعنفوانهم خيبة آمالهم الماسخة، وحروب القبائل الأردنية والجيش العربي والأردني التي خاضوها ضد الكيان الغاشم وتكونت من أكثر من 44 معركة واشتباك ضد الكيان الغاشم، ونحن معنا ورقة انسحاب من المدعو “الجيش الذي لا يُقهر”.

العادات والتقاليد العربية الأردنية كانا يمثلان الهوية الوطنية الأردنية، أمَّ القانون فكانوا العشائر والقبائل أهلًا للقوانين والأعراف، فإلى يومًا هذا القوانين العشائرية متواجدة مهما تقلصتْ، وقد شكلت المملكة الأردنية الهاشمية عندما وضع الملك عبد الله الأول -طيب الله ثراه- يده بيد أصحاب الأرض من القبائل والعشائر الأردنية ومن الشركس والشيشان وقامت المملكة الأردنية الهاشمية على هذهِ المبادئ والقيم والعادات والتقاليد والقوانين والأعراف، لا على العنجهية والقفز كما يقفز بعضهم عن الهوية الوطنية الأردنية، ويشكل الهوية الوطنية الأردنية حسب رؤيته ومصالحه وأجنداته، فالأردني متسامح؛ لكن لا تغضبه فعند الغضب فإنَّه يغضب عندما ينفد الصبر وبسبب، فلا يسكب البلاء دون سبب وبسبب ولا يضطهد، قيم ومبادئ الأردنيين لا تسمح بهذا الشي من البلاء والاضطهاد.
فالعشائر الأردنية هم الأصالة الجديرة بالتمجيد، فالأصيل هو النسخة الأولى والأخيرة من ذاته وليس من شيء آخر، فهذا ليس شعار مرفوع في وقفة أو مناسبة أو خطاب، بل موجود بكبد وقلب كل أردني منتمي إلى بلاده وعشيرته دون مقابل.

فالذي يمنحنا هويتنا وذاتيتنا هو تاريخنا وتراثنا اللذان يشكلان واقعنا كشعوب أو كأُمة، هو التحديات والأقدار والمصائر التي تصنعنا ونصنعها هنا في هذه اللحظة، نحن الأحياء النائمون في هذه اللحظة، والذين عليهم أنْ يستيقظوا من سُبات القرون، ويدركوا أن الذي يُوجد هُنا هو الذات نفسها التي كانت منذ القدم مع تغييرات إلى الأفضل؛ ولكن الجوهر واللب محفوظ، هم نحن ولا أحد سوانا، فأسلافنا عليهم الرحمة يرقدون بسلام ونحن الذين نواجه هذه الحياة، ونواجه الموت أيضًا من الصعاب وحفظ القيم والتراث والهوية الوطنية الأردنية التاريخية الضاربة بعمق الأرض.
نحن الذين نقيِّم ونحكُم ونختار، فبهذهِ الأفعال يصبح التراث هو جزءٌ منّا، جزءٌ من أصالتنا الراهنة، ينتمي لنا ولا ننتمي نحن له، فكل بساطة لأننا نحن الفاعلون، فهو تراثنا نحن، فوجب علينا أنْ لا ننسى هذهِ الحقيقة أو نُنكر معناها، فإذا نسينا الحقيقة نسينا أنفسنا من نحن!
فالانتماء الأبدي للوطن هو الهوية والفخر كلمة السر في الوجود، ولا يمكن أنْ تجتز الهوية الوطنية، فالهوية الوطنية هي الماضي والحاضر والمستقبل، والأهل والعشيرة والقبيلة، فحب الوطن ليسَ بكلمات نرددها بل واقع حي نعيشه ونترجمه لأفعال ووقائع، كما فعلوا أسلافنا تجاه الأرض والتضحية من أجلها.
فإياكم والمساس بالهوية الوطنية الأردنية، فالأردني عندما يحب، يحب من كبده وقلبه؛ ولكن إذا غضب بسببٍ مثل: المساس بالهوية الوطنية الأردنية فإنَّه يغضب من كبده، فالغضب من الكبد غضب مرير جدًا على مفتعل غضب الأردني النشمي، فالتمثيلات المجازية لوظيفة الكبد عبر العصور في العالم القديم، كان الكبد يُعتبر مستودعًا للحياة ومقرًا للعواطف الداخلية، ويعبر عن الحب الصادق ومنتصف جسم الإنسان، كالنسيج المترابط ما بين الأردنيين من الشمال للجنوب، فهم على قلب رجل واحد بحبهم لهويتهم وللأردن وللهواشم الكرام نسل رسولنا الكريم صل الله وسلم عليه.

ف أبو حيان الأنسدلي يقول:
خُلِقَ الأنسانُ في كبد بوجودِ الأهلِ والولدِ

وحال لساني يقول للأردن العظيم وللأردنيين، كما قال الشاعر “المتني”:
كالشمسِ في كبدِ السماءِ وضوؤها
يَغشى البِلادَ مَشارِقًا ومَغَارِبًا

إقرأ الخبر السابق

“تربوية الأعيان” تلتقي مجالس أمناء الجامعات الرسمية

اقرأ الخبر التالي

مطلوب موظفين مبيعات ميداني

الأكثر شهرة