بقلم: د. حازم قشوع
قد لا يتصور الكثيرون أن العلوم في العصور الماضية كانت تقف على حالة معرفية، هي أعمق بكثير مما نقف عليه الآن بالصناعة المعرفية والذكاء الاصطناعي، وهي علوم كانت موجودة في العصور الماضية لكن بإختلاف أدواتها ووسائلها المستخدمة، وما كانت تقدمه للبشرية من علوم، فلقد حملت نماذج عميقة لم تصل إليها مستويات العلوم الإنسانية في العصر الحديث.
وقد لا يخطر على بال الكثيرين من العامة، أن منطوق الصوت بذبذباته الالكترومغناطيسية الواصلة والمتصلة إلى حواضن الاستجابة، هي أما موجات حاملة لأوامر التغيير ضمن موجات طبيعية أو واصلة إلى حواضن الاستجابة الضمنية تماما كأوامر الإصدار التي تحملها الشبكات العنكبوتية عبر الموجات الاصطناعية.
وهي علوم كانت معرفة بالسابق بأبواب “السيمياء والريمياء والهيمياء والليمياء والخيمياء” وهي قائمة تحت فصل اسرار العلوم الكونية وهي ذاتها التي تحملها العلوم المعرفية في الذكاء الاصطناعي والموجات السيبرانية والنانوتكنولوجي وحتى أسلحة الكيمتريل بالتغير المناخي وهارب بالذبذبات الأرضية في بيان المحصلة.
فلقد كان الوزير قارون حامل اسرار الخيمياء بعلوم التفاعل الكيميائي فيه ومن العلماء المميزين في زمن سيدنا موسى عليه السلام كما زاد على علمه علوم عندما حمل بعصره أسرار علوم السيمياء القادرة على تغيير البيئة المحيطة ببيئة أخرى كما حملت حضارة بابل في زمن هاروت وماروت علوم الهيمياء، وأهل الجيزة حيث طاقة الأهرامات علوم الليمياء التي كانت تنير عتمة الظلام وتولد طاقة الخلود وهي ذات العلوم التي كانت قاعدة علمية للعصر الحديث في الانطلاق، والتي حملها اينشتاين مطلق العلم الحديث في الفيزياء الرياضية ومصدر علوم الطاقة البشرية في الزمن الحديث كما بينها بعلومه الخاصة تجاه الزمكان التي تحوي اسرار الزوايا وطاقة المكان وفق منظومة رقمية تقوم على “369”.
لتحمل الاهرامات رمزية الطاقة وتبقى تشكل الشاهد المعرفي الدائم لصفات معانيها كما تحمل حدائق بابل المعلقة المعاني البنائية الرابطة بين التشخيص والتجريد كما تحمل القدس رمز الحماية في تشكيلات علوم الهيمياء، وتشكل رمزية فاصلة بين عالم الوجود وعالم الخلود وتبقى رمزية حمايتها تشكل معلم دائم على مكتوب عبارة التقديس فيها منذ أن أعاد بنائها سيدنا سليمان عليه السلام، كما تبقى الكعبة الشريفة تشكل بذات الوصل رمزية أصل المنطوق للأوامر الصحيحة الصادرة من على اصوات عربيه وتأتي برمزية مربع السَكينة حيث نقطة الجذب والتجاذب الواصلة والمتصلة منذ زمن سيدنا ابراهيم واسماعيل صاحب المنطوق العربي القويم، وهي جميعها كانت حاضرة في علم الريمياء وهذا يؤكد على أن العلوم تعود وتنقل بصحف مختلفة لتكون دائما نتائجها حاضرة في العلوم الإنسانية للبشرية.
وعلى الرغم من محاولة علماء الحاضرة المعرفية السابقة احتكار هذه العلوم وتقديمها للسلطة طلبا للسيطرة والتحكم من خلالها في عصر الفلاسفة حيث أرسطو وارخميدس وسقراط في زمن الإغريق وذو القرنين، وفي عصر الملوك حيث سيدنا داوود وسليمان إلا أن أصحاب البحوث الاستقصائية حاولوا دائما الاستدلال عليها بهدف الاستحواذ على عظيم اسرارها المعرفية.
وهذا ما تم في زمن هارون الرشيد في مملكة بغداد حيث دار الحكمة والذي قام بتسخير أكثر من خمسة آلاف باحث لترجمة كل العلوم الكونية وجمعها بغرفة اسرار العلوم المعتمة التي كانت تحمل عنوان ” كلمة سر” والذي بموجبه راح الخوارزمي والرازي وابن حيان يَخطون قاعدة البيانات في علم الجبر واللوغاريتمات وعلوم الفلك والهندسة التي تقوم عليها مفردات الانترنت ونماذج الذكاء الاصطناعي والصناعة المعرفية تماما كما فعل ابن سينا في الطب البشري والدواء الخيميائي الذي يقوم على مصطلح الاختصار بفعل (الطبخ) (الطب + خ) بين الطب والخيمياء.
وهو ما ذهب اليه ايضا ابن عربي في نماذج اسرار المنطوق الإلهي في الصوت من باب علم الكتاب بشكله الشامل دون مذهبية مختزلة بل وفق منهجية علمية صرفة في محاولة منه لتغيير قواعد الأوامر الطبيعية عبر موجات صوتية داخله في نماذج الاحاطة الطبيعية، وهي نماذج تؤكد على ثابت الأصالة بشهادة معالمها كما تبين حجم المخزون المعرفي لمنطقة مهد الحضارات بعلومها الإنسانية التي تدور في أرجائها بين الهلال العربي القائم ما بين أهرامات الجيزة واسرار القدس الجبروتية وعناوين بابل الملكية إلى حيث البيت المعمور في منزلة وفضاءات مكة وجمعيها محصورة بين أنهار الخلود حيث النيل والفرات وشريانها المتصل في نهر الاردن المقدس.
وقد أتفق مع الكثيرين ان موجات الاحاطة الاصطناعية تحمل عظيم فوائد، لكنها تبقى موجات داخلية اصطناعية وليست داخلية طبيعية وهذا ما يجعلها مرفوضة من كل الموجات الطبيعية وإن كانت تحمل بعلومها المعرفية شبكة قريبة للشبكة الطبيعية التي تقوم عليها “العلوم الإنسانية” الخاصة باصدار الاوامر لحركة الرياح والمياه الفوق سطحية كما للجبال والتراب في النماذج السطحية كما للحركات الباطنية حيث طاقة النار قوة الجاذبية الأرضية وهي جميعها تستخدم الموجات الصوتية المُعرفة أما الموجات الأخرى فإنها تحمل منطلق اشارة قائمة من الطاقة الباطنيه النارية ولا تأتي من فضاءات سمو صوتية.
ولعل سمو الأمير الحسين ولي العهد وهو يمضي قدما بنهجة ما بين العلوم المعرفية واصالة المنطوقة الحضاري للغة ال “ض” انما يريد ان يوصل حالة منهجية يقوم عليها فكره المستشرق لآفاق المستقبل المنظور عندما أكد على أهمية المزج بين الصناعة المعرفية والأدب المعرفي في محاولة منه ليصل الأصالة بالحداثة عبر جملة رابطة تقوم مفرداتها على مزيج يجمع بين العلوم الانسانية الطبيعية وقيمها التي تقوم عليها الحضارة الإنسانية في منطقة مهد الحضارات ما بين العلوم الحديثة العصرية التي تنطلق منها الصناعة المعرفية بكل نماذجها وأسسها الرياضية.
فلقد آن الأوان لإيجاد نظام ضوابط وموازين يحقق ميزان الموائمة بين فضاءات الحرية العلمية وقيم العلوم الإنسانية التي تقف عليها منطقة مهد الحضارات كما آن الأوان لفتح الباب أمام جميع المجتمعات بالمشاركة بهذه الصناعة المعرفية التي يجب أن لا يتم احتكارها على فئة أو مجتمع دون الآخر حتى لا يبقى الفارق في تعاظم مستمر بين مجتمعات أخرى وعدم ادخال البشرية بتصنيفات طبقية بين مجتمعات افقيه أَمية بعلومها المعرفية، بينما تزهر المجتمعات المختارة الأخرى وتقبع الأفقية منها في نماذج الاستهلاك فيما ترزح الأخرى وفق نماذج دنيا يكون دورها الوظيفي فقط على استغلال ثرواتها الطبيعية واستغلال مواردها البشرية لأغراض لوجستية بسيطه لتمام المعادلة.
أن الصناعة المعرفية وهي تقوم على تقديم خدمات جليلة للبشرية من علوم انسانية خاصة الصناعات المعرفية وأخرى عامة تقوم على درجة التواصل الواصلة بقصد التسوق والأشغال فإنها باتت بحاجة لمراجعة قيمة لكل ابجدياتها المعرفية قبل دخول وجهها بطور آخر من التواصل عندما ينتقل وجهها من حالة المشاهدة إلى حالة المعايشة عبر إحاطة الجيل الخامس والذي أخذ ينتقل من الباب المرئي لينتهي به الحال إلى النموذج غير المرئي.
وهو ما يتم عبر متوالية احتوائية لا ما ورائية في الصناعة المعرفية وهو ما بات بحاجة إلى نقطة استدراك تقوم على المتغير الحسابي الذي يجمع معادلة “الزمكان” حيث نقطة الوصل المعرفي بين الزمان والمكان إلى نهايات مشهد لا نريده أن يكون مصحوب بكوارث نتيجة سوء التقدير المعرفي للبشرية التي ابتعدت بنهجها عن المعادلة الطبيعية والنظام الكوني، فالعقل البشري لا يحيط بالعلوم الإنسانية كونه عقل يقوم على التشخيص الناتج من معادلة القلم لكنه غير قادر على بناء منظومة تصور إلا من وحي استنباط يقوم على التجريد هذا من باب، كما أن تساوي نقطة المساحة مع المسافة في العلوم المعرفية في التاريخ غالبا ما تقوم نتيجته صفرية ويرحل ما يراد ترحيله إلى بداية جديدة، هذا ما تقوله بطون الكتب وتاكدة كل السياقات التاريخية التي جاءت بفواصل عبر نماذج شبيهة كانت قد وصلت إليها لكن لم تحسن استخدامها عندما حملها أصحاب أطماع الاستحواذ حين ابتعدوا فيها عن مفردات العلوم القيمية التي حملتها الحضارة الإنسانية للبشرية جمعاء.
صحيح ان بون المسافة العلمية للصناعة المعرفية بين مجتمعات المنطقة العربية والمجتمعات الغربية هو بون شاسع لكن ما هو صحيح ايضا ان اسرار المنطوق الطبيعي الخاص باصدار الاوامر الملكوتية مازالت أسراره عربية وخزائن علومه يمكن الاستدارة نحوها لإعادة بناء قوام صحي للبشرية … على أن يأتي ذلك كله ضمن مشاركة واسعة تأخذ من الصناعة المعرفية وسائل عمل وتقوم بإعادة البحث عبرها لتحقيق نقطة الاستدراك المطلوبة.
وهو ما يسمح باعادة قوام جملة الوصل المعرفي التي يبدو أنها غائبة عن أذهان قباطرة الإبحار في الصناعة المعرفية التي أصبحت عند الجميع تشكل أحد أهم مرتكزات الأمن العالمي التي يجب أن تكون مؤطرة علومها بأنظمة مقننة عالميا هذا أن تمكنت البشرية من فعل ذلك بوسائل الابداع وانظمة الابتكار التي بات يمكن السيطرة عليها ضمن حالات فردية أو مجموعات بشرية غير معنونة او معروفة وهذا ما يشكل تهديدا مباشرا للأمن الدولي.
أن محاولات البعض بناء نماذج مرجعية للصناعة المعرفية ضمن مفردات عرقية كما في العيون الخمسة ومحاولة آخرين من العمل للاستحواذ المعرفي على الصناعات المدنية حيث النانو والعسكرية المدارية، من المهم الحد منها وعدم السماح لهذه المجموعات بالتغلغل لأن نتيجة ذلك ستكون غير صحية فإن العصر النووي في الوصول للقوة الاستراتيجية قد انتهى مع وصول الصناعة المعرفية للانظمة الاستراتيجية الرادعة كما ان مسألة فصل جنوب العالم المستهلك عن شماله المستحوذ باتت تشكل أفكار غير سليمة نتيجة حالة التشابك المعرفي القائمة وهي الصورة التي يسلط عليها الضوء هذا الكتاب الذي يؤكد استخلاصها على أهمية عدم تقديم الصناعة المعرفية على الأدب المعرفي بعلومة الإنسانية التي حملت رسالتها بناء قوام مشترك تشارك فيه البشرية من أجل صيانة الإنسان وإعمار الأرض.