بقلم: د. حازم قشوع
ما بين الفوضى النقدية المرسومة والفوضى الديموغرافية الموجودة، تعيش أروقة بيت القرار الامريكي حالة من السجال غير المسبوق، فهناك من يريد وقف الفوضى الديموغرافية السائدة بإسدال الستار عليها من دون نتيجة بائنة من المفترض أن تنهي بصفقة توافق كتلك التي جاءت مع الانتخابات الأمريكية، وهنالك جملة آراء تتحدث عن ضرورة إنهاء هذا البرنامج الخاص بالتهجير وإعادة التكوين قبل موعد الانتخابات النصفية القادمة، وذلك ببدء انسحاب القوات الامريكية من العراق وسوريا بالتزامن مع ولادة “دولة كردية”.
وهى الجغرافيا السياسية التى يمكنها إحداث خلخلة في العراق وسوريا وإيران كما فى تركيا، حيث يتم استهداف هذه الأنظمة بإدخال الجميع في حروب أهلية تقوم على المذهبية والعرقية، الأمر الذي من شأنه إعادة تكوين جغرافيا سياسية جديدة في المنطقة عبر استخدام نظرية الهدم لاعادة البناء، ضمن نطاق محلي محدود يحدث تأثير مباشر فى العراق كما في سوريا وتركيا، حيث يكون الاستهداف المباشر للدولة التركية مما سيؤثر على حالة الاستقرار فى المنطقة ومجتمعاتها، وهو ما جعل من حالة السجال الدائرة حالة عميقة وينتظر أن تحمل معها نتائج مفاجئة وغير متوقعة، بحيث يمكنها أن تقود إلى إنتاج تقسيمة جديدة عبر تقسيم فترة الرئاسة الأخيرة للرئيس دونالد ترامب ليكون نصفها الأول يحتوي على برنامج لاستمرار الحالة الراهنة لغايات إعادة التكوين الحاصلة في ميزان ترسيم الأحداث، بينما تشهد الفترة الثانية إيجاد أرضية للعملة الافتراضية الجديدة والتي سيصاحبها الفوضى النقدية، وهو البرنامج الذي سيكون بقيادة إيلون ماسك.
وهذا ما يعنى أن إدارة الرئيس ترامب ستقسم برامجها الى فترتين؛ إحداهما سيكون لاستكمال الحالة السائدة لحين بيان نتائج يمكن البناء عليها لاحقًا بعد ما وصلت إليه حال الحروب التى يقودها نتنياهو فى شرق المتوسط لنتائج مهمة في حال استمرارها على حد تعبير الحكومة الإسرائيلية، وهذا ما يجعلها بحاجة لفريق عمل يحمل ذات الأجندة التي كان يحملها الرئيس بايدن للمنطقة في العهد الديمقراطي، وهو البرنامج الذي كان يستند إلى قوام المتغيرات الديموغرافية باستخدام وسائل الهجرات القسرية التي من شأنها أن تُحدث نتائج نطاقية إثنية أو مذهبية لفرض واقع جغرافي جديد.
وهو البرنامج الذى يحمل إسقاطات خطيرة على المنطقة، التي باتت بحاجة لبرنامج استدراكي موازٍ من الدول المحيطة في حال تم التوافق حوله بين معسكر السلاح ومعسكر بيت المال فى بيت القرار الأمريكي، كونه سيقوم كما هو متوقع بتوسيع نطاق الدولة العبرية لإنهاء الحرب على غزة عبر احتلالها، وكذلك الدخول إاى الضفة بهدف السيطرة على كل مفاصلها الأمنية والإدارية، وهذا ما قد يحدث حالة صدام بين السلطة الفلسطينية واله الحرب الإسرائيلية، الأمر الذى سيكون له تأثيرات وتبعات خطيرة على مصر والأردن فى المقام الأول، باعتبارهما الحواضن العضوية لغزة والضفة.
والأردن، وهو يقرأ طبيعة المجريات السائدة في واقع المنطقة التي باتت مأزومة نتيجة هذا التصعيد، فإنه يحذر من تبعاته وعواقبه وسيبقى يعمل ما بوسعه من أجل خفض وتيرة التصعيد و يقدم كل ما بوسعه من أجل وقف حالة الحرب الدائرة، وهو يهيب بكل القوى الاقليمية والدولية بضرورة ضبط النفس والعودة إلى القانون الدولي واحترام سيادته، فإن الحلول العسكرية لن تحقق سلامًا يحفظه الأجيال، وإن انتصر فيها سوط القوة بشكل آني، لكن هذا الانتصار لن يكون بمقدوره تحقيق حالة أمان لدول المنطقة وشعوبها، كما على القياده الاسرائيليه ان تختار بين أن يعيش شعبها بحاله طبيعية مع شعوب المنطقة أو أن تبقى تعيش في حالة عداء مع مجتمعات المنطقة، وهذا سيبقيها تعيش حالة غير طبيعية ولا سوية مع محيطها الذي لن تطبع مجتمعاته مع المجتمع الاسرائيلي وإن فعلت حكوماته، وهو المجتمع الذي مازال يقوم بكل هذه الأفعال الوحشية وجرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني الذي يتوق للحرية ويسعى للعيش بسلام ضمن المحددات الأممية التي أقرتها المواثيق الدولية.
وإن السجال الدائر في أروقة بيت القرار، الذى يقوم على الفوضى الخلاقة، هو برنامج ليس بجديد على المنطقة ولا على شعوبها، وقد تعاملت معه مجتمعات المنطقة فى الفترة الاخيرة بكثير من الحكمة والاقتدار، لكن ذلك فى ذات السياق العام، من المفترض أن يلزم المنظومة العربية والإسلامية المنعقدة غداً بالرياض بضرورة بناء حالة ردعية جادة وصلبة لتكون قادرة على ردع المخططات التي تريد ترسيم تقسيمات جديدة لمجتمعات المنطقة ودولها.
والاردن، وهو يرصد هذه الأجندة وبرنامج عملها بشكل دقيق، إنما ليؤكد كما دأبت قيادته على إظهار جاهزيته للتعاطي مع كل إفرازاتها، كما تعامل معها منذ فترة الربيع العربي وفترة الإرهاب وفتره كورونا وحرب غزة وتبعاتها، فان الأردن سيبقى يقف سداً منيعاً إزاء كل هذه المخططات التي تهدف إلى النيل من المشرق العربي وجغرافيته، فالضفة الغربية لن تكون إلا عربية، كما أن القدس لن تكون إلا هاشمية الوصايه والسيادة، والشعب الاردني سيبقى ملتفاً خلف الملك والجيش صفاً واحداً فى هذه المرحلة التى تعيشها المنطقة، فى الذود عن حمى الوطن ومن أجل إسناد القضية الوطنية التي تشكل عنوانها القضية الفلسطينية، وسيبقى الأردن الموحد هو خير نصير لفلسطين القضية كما هو خير داعم لفلسطين الأرض والإنسان، هو ما يقف عليه الشعب الاردني وتقف عليه قيادته.