بقلم: د. حازم قشوع
أسدل الستار عن المشهد الانتخابي الأمريكي، وأسدل معه هواجس الحرب الأهلية نتيجة حالة الانقسام الحاد بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وظهرت أمريكا بثوب ديمقراطي تعددي قادر على بيان موقف واضح حيال قضايا تاريخية مفصلية، تحملها مسألة التعددية القطبية، لتعلن نتائج المشهد الانتخابي وقف حرب الدفاع عن الأحادية القطبية بفوز ترامب والحزب الجمهوري، والبدء بصفحة جديدة مع التعددية القطبية.
وتبين هذه الجملة الانتخابية ولادة عملة نقدية افتراضية جامعة من رحم تحالف الكريبتو، كما تحمل في طياتها متغيرات كبيرة تطال البنوك المركزية والبنوك الأهلية. هذا إضافة إلى انعكاسات متممة كبيرة في نواحي السياسات المالية والنقدية، وهو يبشر بتشكيل مناخات جديدة في التقديرات النقدية، كما في السياسات الاقتصادية، مما سيحدث تبعات كبيرة على ميزان التداول بالأسهم والسندات، كما في العملات الافتراضية التي أخذت فيها “عملة البتكوين” تسجل مستويات قياسية في أسواق التداول الأمريكية حتى وصلت إلى أكثر من 53 ألف دولار. هذا إضافة إلى ارتفاع أسعار الدولار الذي أخذ يحدث حركة تصاعدية مركزية بعدما كسب أسواق المال الرهان بفوز ترامب على معسكر السلاح الذي انحصر دوره في المكيال العام نتيجة إخفاق هاريس في المعركة الانتخابية.
إن خسارة هاريس والحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في شقيها في مجلس الشيوخ والكونغرس، ينتظر أن يحمل تبعات على صعيد الناتو، كما هو متوقع، وعلى صعيد دول المركز، كما هو معروف في المنظومة الأممية بشكل خاص، بإعلان دول العالم الدخول في التعددية القطبية. وهذا ما يعني أن منظومة العمل التي جاءت بترامب بقيادة حركة (ميجا) سيكون لها دور كبير في إصلاح بيت القرار الأمريكي. وهو ما يعني في المحصلة أن منظومة حكم دول المركز التي حكمت العالم منذ 1945 ستكون قيد الإصلاح إن لم تكن قيد التغيير في بعض جوانبها الرئيسية. وهذا ما سيكون له تبعات على الصعيد الأوروبي الذي احتفل تياره المحافظ المتصاعد بفوز ترامب مع انحسار موجة التيار الليبرالي الذي كان يشكل عنوان رمزيته باراك أوباما في غربي العالم، كما في شماله.
إذن بيت الاقتصاد يهزم بيت السلاح، وسيكون له صوت الغلبة للأربع سنوات القادمة، لكن السياسة الأمريكية التي تقوم على مسألة الهدم لإعادة البناء قد تستدعي القيام بـ “فوضى نقدية” هذه المرة، تسمح بدخول العملة الجديدة إلى منزلها المبتغى، والتي دأب على صياغتها وتصميم نهجها “إيلون ماسك”، الرجل الذي ينتظر أن يكون له دور محوري في الإدارة القادمة، وهو الذي سيشكل حصان الرهان للرئيس دونالد ترامب كما هو متوقع. وبرنامج عمله للمرحلة القادمة في الشق المالي والنقدي لما يمتلكه من برنامج عمل طموح في مجال السياسات النقدية، كما في إطار الجوانب الاقتصادية بشق الصناعة المعرفية التي عاصمتها (سيلكون فالي)، التي ينتظر أن تحل مكان (منهاتن) كما هو متوقع خلال الأربع سنوات القادمة، حيث ينتظر أن تنتقل أسواق التداول المركزية إلى هناك، حيث العالم الجديد وأسواقه الناشئة في مجال الصناعة المعرفية والذكاء الاصطناعي والعملات الافتراضية.
إن أمريكا، وهي تعلن دخول العالم التعددية القطبية بانتصار ترامب على المنظومة الحاكمة في بيت القرار، أياً كانت وسيلتها من خلال صفقة منتصف الليل التي أدخلت بموجبها ترامب إلى المنظومة الدولية، كما يصف ذلك المتابعون أو جاءت من خلال حركة “ماغا” التي يتزعمها، فإنها ستحدث تغييراً يطال نظام الضوابط والموازين، ويقود إلى بناء حالة متغيرة جديدة، كما ستجعل من منظومة الحكم تتبدل جوهرياً مع دخول ترامب لإصلاح بيت الحكم والمنظومة الأممية.
إن الأردن، الذي تربطه مع الولايات المتحدة بعلاقات استراتيجية في المناحي العسكرية كما في الجوانب التنموية الاقتصادية منها المالية، كما يرتبط ديناره بالدولار بطريقة عضوية، هذا إضافة إلى دوره المركزي في المنطقة باعتباره مركزاً حيوياً للناتو للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يجعله يرى هذا المتغير بإيجابية، وهو يحرص كل الحرص على علاقاته الوثيقة مع الولايات المتحدة، كما مع الإدارة الجمهورية الجديدة بقيادة دونالد ترامب. وهذا ما بينته رسالة التهنئة التي بعثها الملك عبد الله للرئيس دونالد ترامب، وهو يستهل مشواره في المكتب البيضاوي من أجل مزيد من الشراكة البناءة في حفظ السلم الإقليمي والسلام الدولي التي تكفل تطبيق القانون الدولي ليسود على الجميع ويكون مرجعية ومنطلقاً لبناء شراكات طبيعية بين مجتمعات منطقة مهد الحضارات الإنسانية على أسس تكفل المعادلة وترفع الظلم عن القضايا المركزية للمنطقة ومجتمعاتها، وهذا ما دأب الأردن على بيانه وتعزيز محتواه وتعظيم جوانبه عبر رسالة باتت تميزه، وأخذ يمتاز بها ليكون برنامج ترامب جزءاً من المنظومة.