أعلنت مصر مساء الثلاثاء 19 ديسمبر/كانون الأول 2023 انتهاء الجولة الرابعة والأخيرة من مفاوضات سد النهضة بينها والسودان وإثيوبيا، قائلة على لسان وزارة الموارد المائية والري في بيان رسمي إنها تحتفظ بحقها “في الدفاع عن أمنها المائي والقومي في حالة تعرضه للضرر”، بعد فشل الدول الثلاث في التوصل إلى اتفاق.
خاضت مصر والسودان وإثيوبيا مفاوضات ماراثونية على مدار أكثر من عقد من الزمن دون الوصول إلى اتفاق تطلبه دولتا المصب من أديس أبابا.
وبدأ أكبر سد في قارة أفريقيا في إنتاج الطاقة الكهربائية رسمياً في فبراير/شباط 2020، تزامناً مع ملء السد 4 مرات منذ ذلك الحين، وسط تنديد مصري سوداني بـ”التعنت” من جانب إثيوبيا.
قال بيان لوزارة الموارد المائية والري، الثلاثاء: “لم يسفر الاجتماع عن أية نتيجة نظراً لاستمرار ذات المواقف الإثيوبية الرافضة عبر السنوات الماضية للأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية الوسط التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث، وتمادي إثيوبيا في النكوص عما تم التوصل له من تفاهمات ملبية لمصالحها المعلنة”.
وأضاف البيان: “بات واضحاً عزم الجانب الإثيوبي على الاستمرار في استغلال الغطاء التفاوضي لتكريس الأمر الواقع على الأرض، والتفاوض بغرض استخلاص صك موافقة من دولتي المصب على التحكم الإثيوبي المطلق في النيل الأزرق بمعزل عن القانون الدولي” .
وأشار البيان إلى أنه “على ضوء هذه المواقف الإثيوبية تكون المسارات التفاوضية قد انتهت”، وأكدت مصر أنها “سوف تراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل سد النهضة، وأن مصر تحتفظ بحقها المكفول بموجب المواثيق الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حالة تعرضه للضرر”.
كانت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا قد استضافت جولة جديدة من المفاوضات بشأن سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على فرع النيل الأزرق، والذي تقول مصر والسودان إنه سيؤثر بشكل كبير على حصصهما من مياه النيل.
وذكر مصدر بوزارة الري والموارد المائية المصرية أن جولة المفاوضات الجديدة تستمر لمدة ثلاثة أيام، بمشاركة مسؤولين من كل من مصر والسودان وإثيوبيا، بغرض التوصل لاتفاق قانوني ملزم بشـأن ملء السد وتشغيله.
وتأتي المفاوضات في إطار الاتفاق الذي سبق أن توصل إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في يوليو/تموز 2023 – على هامش قمة دول جوار السودان في القاهرة – بشأن إجراء مفاوضات عاجلة للانتهاء من اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة خلال أربعة أشهر، وهي المُدة التي انتهت في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وسبق ذلك آخر جولة من المفاوضات بالقاهرة في أكتوبر/تشرين الأول 2023 والتي جرت على المستوى الوزاري بحضور الدول الثلاث، من دون الإعلان عن أي تقدم في التوصل إلى الاتفاق المنشود.
وتستعد إثيوبيا للتخزين الخامس للمياه خلف بحيرة السد بعد الانتهاء من الأعمال الخرسانية لتعلية الممر الأوسط، بعد أن كانت قد أعلنت انتهاءها من الملء الرابع في سبتمبر/أيلول 2023.
وعلى الرغم من توقيع اتفاق مبادئ بين مصر والسودان وإثيوبيا، في 2015، لتحديد آليات الحوار والتفاوض لحل كل المشكلات المتعلقة بالسد بين الدول الثلاث؛ إلا أن جولات المفاوضات المتتالية منذ 2011، فشلت في التوصل إلى اتفاق نهائي بين الدول الثلاث، على آلية تخزين المياه خلف السد وآلية تشغيله.
وكانت إثيوبيا قد أكدت في وقت سابق من هذا الشهر حرصها على التفاوض مع مصر والسودان من أجل إيجاد حل لأزمة سد النهضة، خاصة في ظل هذه المرحلة التي وصفتها بـ “الحساسة ” والتي تشهد اضطرابات في عدد من دول منطقة الشرق الأوسط.
واستبعد مستشار وزير المياه والطاقة الإثيوبي محمد العروسي، في تصريحات صحفية أدلى بها في الرابع من ديسمبر/كانون الأول الماضي، حدوث توافق تام بين إثيوبيا ومصر والسودان خلال الجولة الجديدة من المحادثات.
وقال العروسي: “من الصعب أن نتكهن بنتائج هذه الجولة من التفاوض، ونعتقد بأنها ليست بمهمة يسيرة، وربما نستطيع أن نحرز تقدماً في الكثير من الملفات، لكن هذا التقدم لا يعني بالضرورة إيجاد توافق تام، فقد يطول الوقت حتى نصل إلى هذا التوافق”.
بُنِي سد النهضة الإثيوبي على فرع النيل الأزرق في الهضاب الإثيوبية الشمالية، التي يتدفق منها 85% من مياه نهر النيل، وبلغت تكلفة بنائه 4.2 مليار دولار.
ويقع السد على بعد 30 كيلومتراً إلى الجنوب من الحدود مع السودان ويعد أكبر مشروع سد كهرومائي في أفريقيا. ويمتد بطول أكثر من ميل ويبلغ ارتفاعه 145 متراً، وقد استغرق بناؤه أكثر من 12 عاماً. وتقارب المساحة السطحية لخزان السد مساحة مدينة لندن الكبرى.
وتريد إثيوبيا من السد أن ينتج الكهرباء لسد احتياجات 60% من سكانها الذين يفتقرون إلى الكهرباء حالياً. وهناك آمال بأن يتضاعف انتاج إثيوبيا من الكهرباء في نهاية المطاف بحيث توفر للشركات إمدادات مستمرة من الكهرباء وتعمل على تعزيز التنمية.
وقد يزود السد الكهرباء للدول المجاورة ومن بينها السودان وجنوب السودان وكينيا وجيبوتي وإريتريا.
جدير بالذكر أنه ومنذ 2011، تتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتفاق بشأن ملء سد النهضة وتشغيله، إلا أن جولات طويلة من التفاوض بين الدول الثلاث لم تثمر حتى الآن عن اتفاق.
وتخشى مصر من تأثير السد الذي تبنيه أديس أبابا على النيل الأزرق، كونها تعتمد على نهر النيل في تأمين 97% من احتياجاتها المائية.
ودشنت إثيوبيا رسمياً في فبراير/شباط 2022 إنتاج الكهرباء من السد الذي تُقدّمه على أنه من بين الأكبر في أفريقيا. وتمّ تعديل هدف إنتاجه من 6500 إلى 5000 ميغاوات، أي ضعف إنتاج إثيوبيا الحالي، ويتوقع أن يبلغ كامل طاقته الإنتاجية العام المقبل.