بقلم: الأستاذ : جواد العمري
قبل الحديث عن الانحياز الذكي، لاحظت أن التعليقات على منشوري السابق انصب معظمها على مفهوم الحياد، مع انني لم أذكر كلمة الحياد مطلقا، وأنا أحب أن يكون التعليق على علاقة وطيدة بالنص .
بداية اتفق مع أن مبدأ الحياد هو كالغول والعنقاء والخل الوفي، لا مكان له في الواقع، ولذلك فإن مبدأ الموضوعية يعطي المجال لما أسميه الانحياز الذكي، الذي كانت تمارسه بعض القنوات ثم تخلت عنه.
والانحياز الذكي يتم بداية من اختيار موضوع دون سواه، وتسليط الضوء على بقعة دون غيرها، لأن الموضوع والبقعة يتناسبان مع الأجندة الخفية لوسيلة الإعلام ورأس المال الذي يرضعها المواقف.
بعد اختيار الموضوع يأتي تمثيل الآراء، فإذا كانت الوسيلة تدعي التنوع وتمثيل وجهات النظر، فإنها تختار ضيفا لبق الحديث، قوي الحجة، واسع الاطلاع، ليمثل وجهة النظر التي تتبناها خفية، وللرأي الآخر ضيفا هزيلا في طرحة، واهيا في حجته، مترددا في حديثه، يحرجه المذيع بأسئلة تفوق قدرته، فتبدو الغلبة لوجهة النظر التي تريدها القناة أو الوسيلة الإعلامية، دون أن تخسر غطاء الموضوعية من وجهة نظر عامة المشاهدين.
في الآونة الأخيرة اختفى الانحياز الذكي، وتخلت القنوات عنه، لصالح الموقف الصارخ والرأي الأوحد، دون أن يرف لشعاراتها جفن.
كثيرون يرون في الانحياز للقضايا المتعلقة بالأوطان، والعقيدة، والمباديء، والقانون الإنساني بأنه واجب، لكنني هنا أود التذكير بأحداث قريبة، انحاز فيها من أراد كما يحلو له، ليصحو على واقع يثبت أن الانحياز لا يصنع فرقا، وأنه يعمينا عن كثير من الوقائع التي تقود إلى نتائج صادمة لم يكن يتوقع حدوثها، اذا ما بنى توقعاته على قاعدة الانحياز العاطفي الهشة .
بناء على انحياز أحمد سعيد لقضية العرب انتظرت الجماهير ان تشتري من السوق سمك بنكهة لحم العدو، كما انتظر أعداء أميركا أن يدفن جيش بوش على أبواب بغداد، وحين اندلعت الثورة السورية كنا نميل إلى المحللين الذين يقدرون صمود النظام لشهرين على أكثر تقدير…. القنوات ذاتها، والتقديرات المضللة ذاتها، والمحللون هم ذاتهم، ونتوقع أن نرى النتائج كما نريد نحن المنحازون إلى قضايا أمتنا وديننا وعروبتنا، وكأن انحيازنا نحن الحالمين هو الذي سيصنع الفرق، ويؤدي إلى نتائج لم تكن لها مقدمات على أرض الحقيقة.
وللحديث بقية ربما