ضجّت حسابات السودانيين على مواقع التواصل خلال الساعات الماضية، بصورة مؤثرة لطفلة من إحدى قرى المناصير بولاية نهر النيل شمال البلاد، محاطة بعشرات العقارب السامة التي جُمعت في يوم واحد.
فقد حرّكت الصورة المؤلمة مشاعر الكثيرين، بعد ما أعادت تسليط الضوء، على الواقع المرير الذي يعيشه أهل المنطقة منذ أكثر من 16 عاما، ولاتزال المخاوف تتزايد مع نقص الأمصال الضرورية وارتفاع قيمتها حيث يصل سعر المصل المضاد للدغات العقارب السامة حاليًا إلى 30 ألف جنيه سوداني، ما يعادل 15 دولارًا أميركيًا تقريبًا.
فالعقارب السامة تنتشر بكثافة شديدة في المناصير، وتقضي لدغاتها على الكثيرين، ما يشكل كابوسًا حقيقيًا للعديد من الأسر، لاسيما مع شح الأمصال في المنطقة.
وتعليقا على تلك الصورة، كتب أحد المستخدمين على فيسبوك:” هذه الصورة ليست لعبة نرد، وإنما العقارب بالمناصير. فمنذ إغراق سد مروي لقرى المناصير، بدأت تظهر هذه العقارب التي حصدت أرواح المئات من أطفالنا وما زالت. “
الأشعة فوق البنفسجية
فيما اقترح مكافحتها كحل مبدئي عبر “المصابيح اليدوية المزودة بالأشعة فوق البنفسجية”.
كما علّق مستخدم ثان بالقول: “المناصير منطقة كوارث معروفة، وكثير من الأطفال ماتوا ضحايا جراء لدغ العقارب السامة، لكن يظل السؤال قائمًا. منذ العام قبل الماضي، أنا أتساءل: لماذا لا تعمل السلطات في الولاية على نقل القرية إلى موقع آخر؟ لأن القرية تقع في وادٍ، ومعروف أن الوديان لا تصلح لسكن الإنسان. ياريت السلطات تتخذ التدابير اللازمة، ونسأل الله أن يحفظ المواطنين”.
في حين أشار آخر إلى قسوة الواقع، قائلا: “الصورة المؤثرة لطفلة صغيرة تجلس وسط كومة من العقارب الميتة، تعكس قسوة الواقع المعيش. فالعقارب في هذه المنطقة لا تقتل الجسد فقط، بل تقتل الأمل في مستقبل أكثر أمانًا لأطفال المناصير. في ظل غياب الأدوية وانعدام الإمكانيات الطبية، باتت المنطقة بحاجة إلى أكثر من مجرد العلاج؛ إنها بحاجة إلى تدخل عاجل لإنقاذ حياة الأطفال والأهالي من هذا المصير المجهول. فلا يجب أن يكون اللعب بالموت جزءًا من طفولة أي إنسان”.
في مواجهة هذا الخطر الداهم، لجأ بعض أهالي قرى المناصير إلى استخدام مصابيح يدوية مزودة بالأشعة فوق البنفسجية لكشف العقارب التي تتسلل في الظلام. فمع غروب الشمس، يخرج الأهالي إلى الشوارع حاملين “بطارياتهم”، متأهبين للقضاء على العقارب قبل أن تقتل أحدًا منهم. وتراهم يقتلون اثنتين أو ثلاثًا أو أربعًا في طريقهم إلى السوق أو المسجد
فعلميًا تُستخدم الأشعة فوق البنفسجية (UV) للكشف عن العقارب السامة، لأن هذه المخلوقات تتميز بقدرتها على التوهج عند تعرضها لأشعة UV . إذ تحتوي بشرة العقرب على مركبات تُمكنها من امتصاص الضوء فوق البنفسجي وإعادة إصداره كضوء مرئي، ما يجعل تلك الزواحف تبدو متوهجة باللون الأزرق أو الأخضر في الظلام عند تسليط هذه الأشعة عليها.
من جانبها أكدت الدكتورة ندى علي حسن ، اختصاصية الطب البيطري، أن العقارب تضيء باللون الأزرق أو الأخضر عند تعرضها للأشعة فوق البنفسجية، بسبب وجود مركبات كيميائية في طبقات جلدها. وأضاف أن هذه الظاهرة، المعروفة بالتفلور، يستخدمها الباحثون لتحديد العقارب في الظلام بواسطة مصابيح الأشعة فوق البنفسجية، وهي ممارسة شائعة في الأبحاث العلمية .
كما أوضحت أن هذه الطريقة مفيدة في الكشف عن العقارب أثناء الليل، خاصةً في المناطق الصحراوية.
أين تقع منطقة المناصير؟!
يُشار إلى أن قرى المناصير تبعُد نحو 450 كيلو مترًا تقريبًا شمال الخرطوم، وتمتد الأراضي التي غمرتها مياه بحيرة سد مروي، منذ أكثر من 16 عامًا، لمسافة 160 كيلومترًا على ضفتي نهر النيل. ورغم مرور كل هذه السنوات، لا يزال سكان المناصير، الذين يشكلون أكثر من 60% من المتضررين من بناء السد، يرفضون الانتقال إلى القرى والمشاريع الزراعية التي أنشأتها حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير. إذ يتمسكون بحقهم في تعويضات محلية تشمل مساكنهم ومشاريعهم الزراعية، مؤكدين رفضهم للهجرة القسرية عن أرضهم.