ما أشبَهَ اليومَ بالبارِحَة !!

في شهرِ أيار مِنْ عام 1990 حَدَثَ الغزو العراقي لدولة الكويت بَعدَ القمة العربية ألتي عُقِدَت في بغداد وَطَلب الراحل صدام حسين الكويت والإمارات بالتوقف عَنْ التلاعب بأسعار النفط مما يَضُر بالمصالح العراقية خاصةً بَعدَ أن إكتشفَ العراقيين أن الكويت سحبت النفط مِنْ حَقل الرميلة النفطي المشترك !! .
وإذا كانت كُلّ الحقائق تؤكد عَدم معرفة الأردن بنية العراق إحتلال الكويت وأنّ الصفات التي كان يتمتع بها المرحوم صدام حسين معروفةً للجميع وأنه يتمتع بثلاثٍ ( الكرامة ، النخوة والشهامة ) ولا يُمكنهُ التنازل عنها !! وَقَد تَمّ تحذيره مِنْ قِبل الراحل المرحوم الملك الحسين بِعَدم التهور والاستعجال لأن الامريكان بحسب الحسين ” إنْ كانوا خرجوا مِنْ الباب فإنهم سيدخلون مِنْ الشبّاك ” وفي ظِلّ هذا المناخ السائد فَقَد أخَذَت الحكومة الأردنية بالاستعداد للحرب !! حيث عَمَدَ رئيس الحكومة الى عَقدِ إجتماع مع النواب في جلسة سرية يوم الأول من شهر آب إلّا أنّ المعلومات قَدْ تسربت مِنْ هذا الاجتماع وتبينَ لاحقًا أنّ مَن قام بتسريبها هو النائب عبدالكريم الكباريتي .
سَعى الراحل الملك الحسين رحمه الله لإنتزاع موافقة صدام حسين على الانسحاب مِنْ الكويت وتمّ الإتفاق على عَقدِ قمة بين صدام حسين والملك فهد بن عبدالعزيز في عمّان إلّا أن السفير الاميركي في عمّان آنذاك ( روجر هاريسون) قَدْ أفشل القمة عندما ابلغ الحكومة الأردنية أن الملك فهد لَنْ يَحضر الاجتماع !! إلّا أن الملك الحسين واصل محاولاتهِ وتقرر عَقدَ قمة في القاهرة شريطة أن لا تدين العراق !! إلّا أن مصر والسعوديه عادتا عَنْ مشاركتهما في القمة وَصَدَر عَنْ مجلس الجامعة في حوالي الساعة الحادية عشرة ليلًا قرارًا بإدانة الغزو العراقي للكويت وقال الملك الحسين حينها ” الله أكبر شو تركوا للوساطة ” وَقَد تَحفّظَ الأردن على هذا القرار .
كانت القناعة لدى دوَل الخليج العربي أنّ الاردن سيأخذ حصّته مِنْ الغنيمة الكويتيه وأنها تُقدّر بعشرين مليار دولار وأنه سيستعيد الحجاز !! في حين أنّ اليمن ستأخذ عسير ونجران وخميس مشيط !! وأنّ العراق سيأخذ المنطقة الشرقية مِنْ الجزيرة !! والفلسطينيون ستتحسن أوضاعهم المعيشية والاقتصادية في الكويت !! هذه الأفكار كانت تُعشعش في عقول الدول الخليجية وهي بعيدة كُلّ البعد عَنْ الواقع .
كانت كُلّ مساعي الملك الحسين رحمه الله تُقابلها عمليات التخريب مِنْ أمريكا وأعوانها!! وحاول الحسين إثارة الشعور الديني لدى دول الخليج بعدم جواز إدخال القوات الامريكية لأنها تضم جنودًا يهود لا يجوز دخولهم إلى البلاد المقدسة ولكن ذهبت جميع هذه الجهود أدراج الرياح !! .
حَدَثَ ما حذّر الأردن منهُ ودَخلت القوات الأجنبية الى الخليج وَمَن ثَمّ الى العراق !! .
أدخلَ قَبلَ ذلك العراق – بَعدَ أن شعرَ أن الحرب واقعة لا محالة – شرطًا جديدًا وهو ضرورة حَل القضية الفلسطينية وإنسحاب اسرائيل من أراضي 1967 مما زادَ في شعبيته لدى العالم العربي بِشكلٍ كبير !! وبدأت المسيرات والمظاهرات في المدن الأردنية بشكل لافت وَقَد تماهت الحكومة آنذاك معها بقصد إيصال رسالة للعالم الغربي أنّ هذه إرادة الشعب ولا يُمكن الوقوف ضدها بقصد الضغط لإيقاف الحرب .
تَمّ إشراك الإخوان المسلمين في الحكومة ليتحملوا جزءاً مِنْ المسوولية أيّاً كانت النتيجة وَمِن أجل تمتين الجبهة الداخلية الأردنية .
حاول النواب مناقشة الخطط العسكرية إلّا أنّ هذا الأمر تَمّ رفضه لأنه لا يجوز مناقشة مِثلِ هذه الخطط وإلّا لأصبح الأردن مكشوفًا للجميع ، وطالبوا كذلك بتسلح المواطنين ولكن هذا الأمر كانَ يحمل خطورة إنتشار السلاح بطريقة مُنفَلِتة تؤثر على ألأمن المجتمعي إلّا أنه تمّ تفعيل الجيش الشعبي ووضع الخطط اللازمة لذلك .
كانت التقديرات تُشير الى دخول ما يقارب 750 آلف لاجئ الى الاردن وتمّ تنظيم تزويدهم بالمؤن والسكن عَنْ طريق إنشاء ثلاثة مخيمات وكذلك عملية توزيع الطحين على المخابز مباشرة وإشراف الحكومة على هذا التوزيع !! وكذلك تمّ تفريغ مصفاة البترول وتوزيع المحروقات على محطات الوقود حتّى يَصعُب تدميرها لا سمح الله ، أضف الى ذلك إنه تمّ إنذار جميع الدول بعدم استخدام المجال الجوي الاردني مِنْ قِبَل الدول المتحاربة وإنه اذا ما تمّ ضرب ميناء العقبة فإنه سيتم تدمير ميناء إيلات مباشرة وتمّ وضع الصواريخ اللازمة لذلك في العقبة .
كانَ رَصدُ الشأن الداخلي يتم على مدار الساعة الى الدرجة أن الحكومة كانت ترصد مباشرة خطبة الشيخ على الفقير ويتمّ الاستفادة منها سياسيًا وتعبوياً !! وكانت أشد الضغوط على الأردن تأتي مِنْ خلال السفير الامريكي في عمّان لتغيير الموقف !! وَقَد كان معلومًا للحكومة أنّ الامريكان سيستغلون المساعدات للضغط .
الاحداث كانت كثيرة في تلك الفترة وَقَد يكون مِنْ الصعوبة بمكان الإحاطة بها بمقال صحفي ولكن الأحوال تتشابه اليوم مَعَ ما جرى سابقًا!! وما يجري في الغرف المغلقة كثير ولا يمكن البوح به !! وما أستذكره هنا فقط مِنْ باب بَثّ الطمأنينة في القلوب وليتذكر الجميع أنّ هناك مؤسسات وطنية تتابع أدقّ التفاصيل في هذا الوطن وأنّ هناك رجالًا يعملون ليلَ نهار للحفاظ على هذا الوطن .
المحامي فضيل العبادي
رئيس اللجنة القانونية / مجلس محافظة العاصمة

Read Previous

افتتاح معرض عمّان الدولي للكتاب 2024 في الأردن

Read Next

” أمين عام النواب ” يلتقي القائمين على التحالف البرلماني من أجل الشباب

Most Popular