يتعرض الطلبة داخل أسوار المدارس للعديد من الحوادث، التي قد تؤدي في كثير من الأحيان إلى تدهور حالتهم الصحية أو عدم القدرة على التعامل مع إصاباتهم بشكل صحيح. وهذا يبرز الحاجة الملحة لتفعيل تعليم الإسعافات الأولية في المدارس، سواء للطلبة أو الكوادر التعليمية، لضمان التعامل السليم والسريع مع مثل هذه الحالات.
لا يكاد يخلو اليوم الدراسي من الحوادث والإصابات المختلفة، مثل نزيف الأنف، الجروح والكسور، التي قد تبدو بسيطة بالظاهر، لكنها قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة إذا لم يتم التعامل معها بطريقة سريعة وصحيحة. الكثير من أولياء الأمور والكوادر التعليمية يشيرون إلى هذه المشكلة، حيث ينقل الطالب المصاب إلى المستشفى في كثير من الأحيان، بينما قد يتطلب الأمر تقديم إسعافات أولية بسيطة قبل ذلك.
تؤكد معلمة التربية المهنية والصحية في إحدى المدارس، ليلى حمدان، أهمية تقديم دورات في الإسعافات الأولية لجميع الطلبة في المدارس، حتى لو كانت بأساسيات بسيطة. وتوضح أن هذه المعرفة قد تساعد في تجنب تحول الحوادث والإصابات البسيطة إلى إصابات خطيرة في بعض الأحيان.
وتلفت حمدان إلى أهمية تعزيز برامج الإسعافات الأولية في المدارس، سواء للطلبة أو الكوادر التعليمية، وضرورة تسليط الضوء على التصرفات الخاطئة والسلوكيات السلبية المتبعة في إسعاف الحوادث، مع أهمية التخلص من العادات والأنماط السلوكية الضارة والخاطئة التي قد تزيد من حجم الإصابات.
خالد بسام ولي أمر لثلاثة طلبة، يؤكد، بدوره، ضرورة إلمام الطلبة بالحد الأدنى على الأقل بالإسعافات الأولية لتلافي تطور الإصابات البسيطة داخل المدرسة، سواء في فصل الشتاء أو الصيف.
ويشير بسام إلى أن معرفة الطلبة والمعلمين بالإسعافات الأولية أمر في غاية الأهمية؛ حيث يمنح أولياء الأمور شعورا بالراحة والاطمئنان على أبنائهم، خصوصاً في حالات الاختناق أو الحوادث، مثل السقوط، لا قدر الله.
من جهته، يشير التربوي الدكتور عايش النوايسة إلى أن البيئة المدرسية الآمنة تعد من أهم متطلبات نجاح عملية التعلم والتعليم؛ حيث تشمل العديد من العناصر، سواء النفسية أو المتعلقة بالحفاظ على سلامة الجسد ورعايته. كما أن الإسعافات الأولية تعد من أهم الأدوات لتحقيق ذلك، فهي الرعاية الطبية الأولية التي تقدم لحين الوصول إلى الطبيب أو المركز الصحي المختص.
لذا، تعد المعرفة بالإسعافات الأولية ضرورية للجميع، وخاصة للطلبة في المدارس، فتدرج هذه المعرفة في المنهاج الدراسي، ضمن حصص التربية المهنية، حيث ترتبط بالممارسات المهنية التطبيقية. لذلك، يتم إكساب الطلبة هذه المهارات في مرحلة مبكرة، بدءا من المرحلة الابتدائية، ويتم تزويد الصفوف الدراسية والممرات المدرسية بأدوات الإسعافات.
نظراً لكون الإسعافات الأولية حاجة ضرورية، ينوه النوايسة إلى أهمية إكسابها للجميع، فهي تعد متطلبا في الخطط الدراسية الجامعية وبرامج التدريب للمعلمين والإداريين. كما تقوم الجهات المعنية، مثل الهلال الأحمر والدفاع المدني، بعقد دورات وورش عمل متخصصة بشكل مستمر، بالتنسيق مع المؤسسات التربوية، حول مبادئ وممارسات الإسعافات الأولية، وغالبا ما يرتبط التدريب بتطبيقات عملية بسيطة توضح كيفية إجراء الإسعافات الأولية.
ويلفت النوايسة إلى أن المؤسسات التربوية اليوم مطالبة بالتركيز على تضمين الإسعافات الأولية في المنهاج الدراسي بشكل تكاملي، وخاصة في المواد الدراسية التي تتطلب ذلك. كما يجب العمل على توفير أدوات إجراء الإسعافات في الغرف الصفية والمشاغل المهنية كافة. ومن الضروري ربط المعرفة بالحياة من خلال زيارة المؤسسات الحكومية والخاصة المعنية بتقديم هذه الخدمة، والاطلاع على دورها، وعمليات التدريب، والأدوات التي تستخدمها، بالإضافة إلى التطبيقات التدريبية التي تقوم بها.
وكانت وزارة التربية والتعليم قد وقعت مذكرة تفاهم مع الجمعية الأردنية للإسعاف بهدف بناء علاقة من التعاون المشترك، في مجالات التدريب والتمكين بغرض نشر الوعي في مفهوم ثقافة الإسعافات الأولية.
وبحسب المذكرة، تقوم الجمعية بعقد دورات تدريبية للمعلمين في المدارس المستهدفة على الإسعافات الأولية، بالإضافة إلى إمكانية تزويد المدارس المستهدفة بالمستلزمات الطبية كحقائب الإسعافات الأولية، وتعزيز أوجه الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة عن طريق تطبيقات تتيح سرعة التواصل من أجل تقديم أفضل أنواع الخدمات وديمومتها.
وتقدم الوزارة الدعم للجمعية فنيا وتسهيل مهمتها أثناء التنفيذ، وتوفير القاعات التدريبية وجهاز عرض (Data Show)، واعتماد الحقيبة التدريبية المعدة من الجمعية والموافقة عليها بما يتوافق مع منهاج التنمية المهنية للمعلمين والتشريعات ذات العلاقة، إضافة إلى تسمية ضباط ارتباط أو منسقين في مديريات التربية والتعليم لمتابعة تنفيذ بنود هذه المذكرة.
وتتحمل الجمعية، بموجب المذكرة، نفقات وتكاليف التدريب، وإعداد الحقيبة التدريبية في مجال الإسعافات الأولية للمعلمين في المدارس المستهدفة، والتنسيق مع الوزارة حول آلية التدريب واختيار المدارس المستهدفة ضمن خطة تدريبية، وتأمين وصول المدربين إلى المدارس المستهدفة، ومعدات التدريب اللازمة والدمى لغاية تدريب المشاركين على كيفية التعامل مع الإصابات أو الاختناقات والحروق، إضافة إلى منح شهادة للمشاركين بالدورات التدريبية بعد اجتياز الدورة بنجاح.
إلى ذلك، جاء مشروع “مستجيب” الذي تنظمه الجمعية الأردنية للإسعاف، من إيمان الجمعية بأهمية نشر الوعي الصحي ورفع مستواه في البيئات التدريسية وبضرورة بث روح التعاون والتآلف بين مكونات هذه البيئة من معلمين وطلاب.
ويتطلع مشروع “مستجيب” إلى تدريب معلمي المدارس الحكومية على مبادئ وأسس الإسعافات الأولية والإنعاش القلبي الرئوي، لإيمانها بأن الفارق بين الحياة والموت قد يكون دقائق أو ثواني يجب استغلالها.
ويصادف اليوم العالمي للإسعافات الأولية الثاني من أيلول (سبتمبر) من كل عام، ويهدف اليوم إلى رفع الوعي العام بشأن كيفية مساهمة الإسعافات في إنقاذ الأشخاص في الأزمات، وأن تكون الإسعافات الأولية في متناول الجميع، لمعرفة كيفية التعامل السريع مع مختلف الأزمات الصحية المختلفة مثل: ضربة الشمس، انخفاض مستوى السكر في الدم، التسمم، الإصابة بالسكتة القلبية، وغيرها العديد من الأمراض.