بدأ مزارعو وادي الأردن بجني باكورة إنتاجهم للموسم الزراعي الشتوي (العروة التشرينية)، وسط حذر وتخوف من استمرار انعكاس الأحداث التي تعصف بالمنطقة على القطاع الزراعي الذي يعتمد على الأسواق التصديرية الخارجية.
ويؤكد عدد من المزارعين، أن القطاع الزراعي يعاني من مشاكل عدة، أهمها الاختناقات التسويقية خلال ذروة الإنتاج، مبدين تخوفهم من استمرار الأحداث في دول الجوار، مما سيعيق تصدير المنتجات إلى أسواق أوروبا كما هو معتاد في المواسم السابقة.
ويبين آخرون، أن الظروف التي تعصف بالمنطقة ألحقت بهم خسائر كبيرة خلال مواسم ماضية، لافتين إلى أن ضبابية المشهد السياسي والأمني في المنطقة وعدم وجود آفاق لعودة الأوضاع إلى سابق عهدها، خصوصا بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة وكذلك لبنان، سيقضيان على آمالهم بتحسن أوضاع القطاع.
ويشير المزارع وليد الفقير، إلى أنه في ظل استمرار إغلاق طرق النقل عبر سورية إلى تركيا وأوروبا وإغلاق المنافذ الأخرى، فإن الأوضاع ستكون كارثية على المزارعين الذين بدأوا بقطاف محاصيلهم، في حين سيحجم بقية المزارعين عن زراعة المزيد من الأراضي التي كانوا ينوون زراعتها، لافتًا إلى أن الاستمرار في زراعة الأرض في ظل الظروف الحالية يعد بمثابة “الانتحار”.
ويبين أن غالبية الأصناف التي تزرع خلال الموسم هي زراعات تقليدية مثل البندورة والخيار والباذنجان والكوسا والفلفل، وهي أصناف مطلوبة في السوق الاستهلاكية المحلية، إلا أن الإنتاج بكميات تفوق حاجة السوق سيؤدي إلى خسائر فادحة إذا لم تُجد أسواق تصديرية، وهو الأمر الذي كان يشجع المزارعين خلال المواسم الماضية.
ويقول المزارع جميل أحمد “إن معظم المزارعين أنهوا زراعة أراضيهم للموسم الجديد وأنفقوا في سبيل ذلك تكاليف كبيرة”، مضيفا أن زيادة المساحات المزروعة ستؤدي إلى زيادة الإنتاج، الأمر الذي قد يتسبب باختناقات تسويقية تهوي بالأسعار إلى حدود متدنية، مع استمرار الأوضاع في المنطقة.
ويشير أحمد، إلى أن المزارع يجتهد في كل موسم لتحسين أدائه للوصول إلى منتج ينافس في الأسواق ويحقق له مردودية أعلى، إلا أن إغلاق معظم المنافذ البرية التي تربط الأردن بالأسواق التصديرية، خصوصا في أوروبا وتركيا ولبنان، ما يزال التحدي الأكبر أمامه، موضحا أن البدائل غير مجدية، إذ إن تكاليف النقل الجوي مرتفعة جدا ولا يستطيع المنتج الأردني المنافسة في الأسواق الخارجية.
ووفق المزارع نواش اليازجين، فإن استمرار العمل في قطاع الزراعة في ظل الظروف الإقليمية سيلحق بالمزارعين خسائر كبيرة قد لا يستطيعون تحمل تبعاتها، لافتا إلى أن الموسم الحالي يأتي في ظل ظروف قاسية وصعبة، لا سيما أن غالبية المزارعين يحاولون بأدنى الإمكانيات بدء الإنتاج مع غياب التمويل من قبل معظم الشركات الزراعية التي تمد المزارعين بمستلزمات الإنتاج الزراعي.
ويقول اليازجين “يبدأ الموسم وسط تخوفات المزارعين والمصدرين من حدوث مشاكل تسويقية مع استمرار الأحداث الجارية في المنطقة”، مطالبا الحكومة بالعمل بشكل جدي على دعم القطاع الزراعي من خلال خفض تكاليف مستلزمات الإنتاج الزراعي، والعمل على فتح منافذ تسويقية، ووضع إستراتيجية للنقل البري والجوي للمنتج الزراعي الوطني.
بشأن ذلك، يؤكد المهندس عبد الكريم الشهاب، أن التحول إلى الصناعات الغذائية بات أولوية لا يمكن تأجيلها، موضحا أن تسويق المنتجات يعد أكبر المصاعب التي تواجه القطاع في وادي الأردن، وأن إقامة مصانع تعتمد على المنتجات الزراعية كمواد خام يعد الحل الأمثل للتغلب على هذا التحدي الذي يتفاقم تبعا للأحداث السياسية التي تعصف بالمنطقة بين الحين والآخر.
ويرى الشهاب، أنه يجب على المعنيين تبني سياسات وبرامج وقائية للأمن الغذائي تخدم المنتج والمستهلك على حد سواء، من خلال تفعيل السياسات الاقتصادية واعتماد سياسات جديدة في البحث الاقتصادي وتنظيم الإنتاج، والتركيز على المحاصيل المخصصة لتجهيز الأغذية بشكل يضمن دعم المزارع والحفاظ على أهم القطاعات الإنتاجية من الانهيار.
من جانبه، يرى رئيس اتحاد مزارعي وادي الأردن، عدنان الخدام، أن القطاع الزراعي محفوف بالمخاطر بسبب الظروف السياسية المحيطة، التي قد تؤدي إلى عواقب وخيمة على القطاع ككل، وخصوصا المزارعين، موضحا أن عودة مشكلة التسويق بالتزامن مع التحديات الأخرى التي يواجهها المزارعون، مثل ارتفاع تكاليف الإنتاج، وشح مياه الري، ونقص العمالة وارتفاع أجورها، ستؤدي إلى انهيار القطاع.
ويبين الخدام، أن القطاع الزراعي في وادي الأردن، الذي عانى وما يزال يعاني نتيجة الأحداث السياسية التي تتوالى على المنطقة منذ أكثر من عقد، يعيش الآن المشهد نفسه مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة ولبنان، مما سيؤدي إلى إغلاق آخر النوافذ التصديرية للمنتجات الزراعية في الوادي، مشيرا إلى أن مساحات كبيرة لم تُزرع حتى الآن بسبب مشكلة التسويق التي عانى منها المزارع على مدى سنوات طويلة، واستمرار الأوضاع السياسية الجارية في المنطقة سيدفع المزارعين إلى إعادة التفكير بزراعة أراضيهم أو تأخير الزراعة حتى تتضح الرؤية.
ويضيف “لطالما طالبنا بضرورة إيجاد البدائل اللازمة للحد من تبعات تعثر تسويق المنتجات الزراعية”، معربا في الوقت ذاته عن أمله في أن تفلح الجهود الحكومية في إيجاد حلول للتحديات القائمة، لا سيما مشكلة التسويق التي تعد العقبة الأهم أمام المزارع، من خلال إعادة فتح الأسواق التقليدية ودعم تكاليف النقل للصادرات الزراعية بما يضمن استقرار المزارع واستمراره في زراعة أرضه.