في أحد مشاهد الفيلم الشهير “سنودن” يقول البطل لأحد رفاقه، قبل أن يُقرِّر أن ينشق عن إدارته الاستخباراتية ويقوم بفضح تعاملاتها الإلكترونية: “لا يهم مَن تكون، ففي كل يوم من أيام حياتك، ستكون جالسا في إحدى قواعد البيانات الخاصة بشخص مجهول الهوية، بانتظار أن يتفحّصك”.
كان تأثير هذا الفيلم مخيفا لدرجة أنه دفع البعض لوضع ملصقات على كاميرات الحواسيب المحمولة الخاصة بهم، ظنًّا منهم أنهم بذلك يمكن أن يؤمِّنوا أنفسهم ضد اختراقات مُحتملة، لكن هل ذلك كافٍ حقا؟
على سبيل المثال، تعتبر الشواحن اللاسلكية مريحة وسهلة الاستخدام، هي موضة حديثة باتت تنتشر يومًا بعد آخر في كل بيت ومكتب. لكنها في الواقع قد تشكل خطرا على حياة أصحابها إذا تم اختراقها، حيث كشفت دراسة حديثة كيف يمكن لجهاز بسيط التلاعب بعملية الشحن والتسبب في ارتفاع درجة حرارة هاتفك أو اشتعال النيران فيه، وربما انفجاره.
أجرى الدراسة فريق من خبراء الأمن السيبراني من جامعة فلوريدا، حيث تمكنوا من التدخل في الاتصال بين الشاحن والهاتف وإرسال إشارات خاطئة تخدع الشاحن لتوصيل طاقة أكبر من اللازم. يمكن أن يؤدي هذا إلى الشحن الزائد وبالتالي السخونة الزائدة، وفي الحالات القصوى يقود كل ذلك إلى اشتعال حريق.
وتفاجأ العالم يوم الثلاثاء 17 سبتمبر/أيلول الجاري بانفجار مئات أجهزة الاستدعاء (البيجر) في الجنوب اللبناني، مسببا مقتل نحو 12 شخصا، بينهم طفلان، إضافة إلى إصابة ما يقرب من 3 آلاف شخص. في اليوم التالي شهدت لبنان مزيدا من الانفجارات في ربوعها المختلفة بأجهزة أخرى، مما أدى إلى سقوط نحو 14 فردا صرعى، وإصابة ما يقارب 500.
ولا تزال التحقيقات جارية من أجل اكتشاف كيفية انفجار هذه الأجهزة، وظهر أكثر من تفسير، لكن الموضوع لا يزال محاطا ببعض الغموض فيما يتعلق بالكيفية، وقد اتهم حزب الله إسرائيل رسميا بوقوفها خلف هذه العملية.
ورغم أن الحوادث كانت متعلقة بأجهزة استدعاء وليست الهواتف الذكية، فإن ذلك أثار تساؤل الناس عن هواتفهم التي يستخدمونها بشكل يومي، هل حقا يمكن اختراقها وتفجيرها؟
انفجار الهواتف
توبي وولش، أستاذ الذكاء الاصطناعي في قسم علوم الحاسوب والهندسة بجامعة نيو ساوث ويلز،قال إن “حدوث هذه الانفجارات يتطلب زراعة متفجرات صغيرة الحجم في هذه الأجهزة، وجرى تفعيلها من خلال “برمجيات خبيثة” أسهمت في إطلاق هذه المتفجرات”.
وعن إمكانية اختراق الهواتف الذكية، يقول وولش “كما اختُرِقت البيجرز يُمكن اختراق الهواتف الذكية، لكن غالبا ما سيحتاج تفجير هذه الهواتف إلى زرع متفجرات صغيرة الحجم داخلها”.
ويوضح وولش أنه صار من الضروري التحري جيدا عن المصدر الخاص بتوريد أجهزة الاتصالات، التي تتضمن الهواتف الذكية، وذلك للتأكد من كون الجهاز آمنا، وأضاف قائلا “إذا كنت أعتقد أن هناك عدوا استخباراتيا لي مثل الموساد أو غيره، فلا بد من خضوع هاتفي الذكي لاختبار أشعة إكس بهدف تأمين خلوه من أي متفجرات محتملة!”.
مع ذلك، لا يرى وولش أن الهواتف الذكية التي نستخدمها حاليا لا تمثل خطورة واضحة، من ناحية إمكانية تفجيرها.
ويتفق مع هذا الرأي تماما مصطفى بهران، الأستاذ الزائر في قسم الفيزياء جامعة كارلتون الكندية، فهو يرى أن “عموم الناس لا ينبغي لهم القلق بشأن انفجار هواتفهم الذكية، مع ذلك من الضروري إدراك أن هذه الهواتف تراقبنا جيدا”.
من ناحية أخرى، أكد بهران أن “المسؤولين المعرضين إلى الاستهداف من قِبل جهات دولية قد يحتاجون إلى الشعور بالقلق”.
ويرى نواه سيلفيا، محلل أبحاث القيادة والتحكم والاتصال والحاسوب في فريق العلوم العسكرية بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة للدراسات الدفاعية والأمنية في المملكة المتحدة، أن الوقت لا يزال غير مناسب لتحليل كيفية حدوث تلك الانفجارات.
إلا أنه أضاف في تصريحات أن “عملية التفجير تلك استدعت تحضيرا واضحا، وليس من المتوقع تكرارها لاحقا لدى أي مجموعة تؤمن خطوط التوريد الخاصة بها”.
آخر التحليلات تؤكد آراء الخبراء
نقلت وسائل إعلام لبنانية عن مصادر أمنية أخفت هويتها “أن أجهزة البيجر احتوت أجزاء يُطلق عليها “آي سي” (IC) تضمنت داخلها المواد المتفجرة، واستطاعت الأجهزة المفخخة المرور عبر أجهزة الفحص دون كشفها، وتم تفخيخها لدى مصدر استيرادها”.
وكشف مصدر أمني لبناني أن نوع المتفجرات المستخدمة في أجهزة البيجر هو “آر دي إكس” أو “هكسوجين” عالية التكسير التي استخدمت كمادة تفجيرية خلال القرن الـ20.
وطبقا لتقرير نشر أمس، توقع الخبراء أن عملية زرع المتفجرات حدثت إما خلال عملية التصنيع ذاتها، أو في أثناء نقلها إلى داخل لبنان.
“حادث متعمد” بعيد عن الصدفة
ماهر القاضي، الأستاذ المساعد في قسم الكيمياء والكيمياء الحيوية بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس الأميركية، الذي قال أن الرسائل النصية التي تستقبلها أجهزة البيجر ليس بإمكانها رفع درجة حرارة البطاريات الموجودة داخلها، أما برامج التجسس فتستطيع فعل ذلك، لكن ليس بالحد المطلوب لانفجارها.
“قد تسبب برامج التجسس رفع حرارة البطارية إلى 50 أو 60 درجة مئوية، وهذه الحرارة -رغم ارتفاعها- غير كافية، إن انفجار البطاريات يتطلب حدوث سلسلة من التفاعلات الكيميائية عالية السرعة داخل البطارية، وهو أمر لا يتحقق إلا بعد تخطي درجة حرارتها 150 درجة مئوية”، بحسب القاضي.
لكن القاضي أشار إلى أنه رصد حالة “صعبة الحدوث” قد تسبب انفجار البطاريات، وهو أن تسبب الرسائل النصية تفعيل “سويتش” يربط الجزء السالب من البطارية بجزئها الموجب، الأمر الذي ينتج منه حدوث حالة تشبه ما نعرفه باسم “حالة ماس كهربائي” قد تسبب انفجار البطارية.
يقول القاضي من الملاحظ أن كافة الانفجارات حدثت في التوقيت نفسه تقريبا، الأمر الذي يخفض فرضية انفجار البطاريات جراء تفعيل “السويتش”، أو جراء سوء الاستخدام، أو عيوب الصناعة، لذا فنحن -في أغلب الأحوال- أمام هجوم متعمد لجأ إلى تفخيخ أجهزة البيجر مُسبقا بأحد أنواع المتفجرات”.
لماذا تنفجر بطاريات الهاتف؟
يعزي القاضي انفجار البطاريات بشكل عام إلى 3 أسباب رئيسية:
الأسباب الميكانيكية: تنفجر البطارية إن تعرضت إلى الاختراق بجسم حاد، أو السحق جراء وجود ضغط عالٍ عليها (مثلما هو الحال في السقوط من مكان مرتفع)، وهو موضوع تعتني شركات إنتاج السيارات الكهربية به كثيرا، فمثل هذه السيارات قد تواجه حوادث مرورية.
الأسباب الكهربائية: كما هو الحال في “حالة الدائرة المغلقة” المذكورة سابقا، وهي مشكلة ترفع درجة حرارة البطارية سريعا وتسبب انفجارها.
الأسباب الحرارية: يتوقع القاضي أن هذا العامل هو سبب الانفجارات في لبنان، فتعرض البطاريات لدرجة حرارة مرتفعة تتخطى 150 درجة مئوية سيؤدي إلى انفجارها، وهي حرارة يُمكن الحصول عليها عبر استخدام أنواع عدة من المتفجرات.
ويوضح القاضي قائلا “أعتقد أن ما حدث هو أنه تم تفعيل متفجرات صغيرة الحجم موجودة في أجهزة البيجر عن بعد، مما أدى إلى رفع درجة الحرارة فجأة وانفجار البطاريات تباعا”.
في هذا السياق، يتفق القاضي مع بهران في الرأي بشأن الهواتف الذكية، فكليهما لا يعتقد أن بالإمكان استخدام أي برامج تجسس أو تقنيات لرفع درجة حرارة البطاريات الخاصة بتلك الأجهزة، رغم سهولة اختراقها.
ويضيف القاضي “تجري شركات تصنيع البطاريات اختبارا باسم “الصندوق الساخن” لضمان أمان البطارية. في هذا الاختبار توضع البطارية داخل ما يشبه الفرن الذي تصل حرارته إلى 150 درجة مئوية، والانتظار مدة ساعة. في حال خروج البطارية سليمة دون مشكلات فهي تُعتمد من قِبَل الشركة”.
ويوضح القاضي أن انفجار بطاريات الهواتف الذكية أمر نادر الحدوث، إلى جانب أن الانفجارات الناتجة من عيوب الصناعة لا تظهر إلا بعد ما يقارب 30 يوما من الاستخدام، أي أنها لا تحدث دفعة واحدة كما رأينا في أحداث لبنان، لذا فلا ينبغي التخوف من انفجار هذه الهواتف، إلا أنها -بالطبع- قابلة للتتبع!”.
نصائح تحمي بطارية هاتفك.. وتحميك
يقدم القاضي بعض النصائح التي تحمي بطاريات الهواتف الذكية من الانفجار، أولها استخدام الشاحن الخاص بالهاتف، وتجنب شحن البطارية عن طريق الكهرباء المباشرة، الأمر الذي قد يرفع الجهد الواصل إلى البطارية.
ويضيف أن “زيادة عدد الفولتات الواصلة إلى البطارية عن 5 فولت أمر يؤدي إلى تحفيز التفاعلات الكيميائية داخلها، واحتمالية انفجارها”.
من النصائح المهمة أيضا التوقف عن استخدام أي بطارية تعاني “الانتفاخ”، وهي مشكلة تصاحب قدم البطارية، مما يسبب تحلل السوائل الموجودة داخلها منتجة نوعا من الغاز يرفع الضغط داخلها.
ينبغي أيضا الحذر في حال لاحظ المستخدم ارتفاع درجة حرارة البطارية بمعدل كبير في أثناء الشحن، وهو المعدل الذي يشعر الفرد خلاله بـ”لسعة حرارية” عند لمس الموبايل، الأمر الذي يعني أن البطارية تسوء حالتها.
يقول القاضي في ختام تصريحه “ما حدث في لبنان أمر استثنائي، ولن يحدث مجددا إلا في إطار الحروب والاستهداف المتعمد، لا شيء أكثر من ذلك، سواء انفجارات أجهزة البيجر أو الووكي توكي، أما الهواتف الذكية فهي رغم كل شيء أكثر أمانا، باستثناء سهولة تتبعها”