تحولت منطقة معبر رفح على الحدود بين مصر وقطاع غزة إلى مصب كبير لعشرات قوافل المساعدات الإنسانية والإغاثية التي تضم مئات الشاحنات، منذ بدء السماح لها بالدخول للقطاع المحاصر في 20 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وارتفعت حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى أكثر من 18,608 شهداء، جلهم من النساء والأطفال، فيما تجاوز عدد الجرحى حاجز الـ50 ألف مصاب بجروح مختلفة، بحسب مصادر فلسطينية.
وخلال أول أسبوعين تقريبا من العدوان الإسرائيلي، ظل معبر رفح المنفذ البري الوحيد لقطاع غزة مع العالم الخارجي مغلقا قبل أن يتم إعادة فتحه بشكل جزئي في 20 تشرين الأول/ أكتوبر لسفر المرضى والجرحى وإدخال إمدادات إنسانية.
ومنذ اندلاع العدوان على القطاع في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، فقد قطعت سلطات الاحتلال إمدادات الماء والغذاء والأدوية والكهرباء والوقود عن سكان غزة، وهم نحو 2.3 مليون فلسطيني يعانون بالأساس من أوضاع متدهورة للغاية؛ جراء حصار متواصل منذ 17 عاما.
وبعد ضغوط أممية ودولية سمحت “إسرائيل” بدخول مساعدات إنسانية محدودة جدا إلى غزة عبر معبر رفح المصري، والمخصص للمسافرين في المقام الأول.
وكان القطاع يستقبل يوميا نحو 600 شاحنة من الاحتياجات الصحية والإنسانية قبل العدوان إلا أن العدد تدنى إلى نحو 100 شاحنة يوميا في أفضل الظروف.
مخاوف من فساد المساعدات
عبّر عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، عن مخاوفهم، من فساد محتويات شاحنات المساعدات المصطفة على الجانب المصري، من معبر رفح، وفي مدينة العريش المصرية، منذ أيام، دون أن يُسمح لها بالدخول إلى قطاع غزة المحاصر.
وقال شهود عيان، إن مئات الشاحنات “على مد البصر” تصطف على جانبي الطريق في الجانب المصري، من المعبر، تنتظر الدخول، ما قد يتسبب بفساد محتوياتها من الأغذية والأدوية قبل أن تدخل للقطاع.
وأفاد الشهود، بوجود شاحنات مساعدات تقف منذ أسابيع طويلة، في مصر، بينما الأهالي في غزة يتضورون جوعا، ولا يدخل لهم إلا القليل جداً، وسط الحصار الشديد وحرب الإبادة المستمرة منذ أكثر من شهرين.
مصادر المساعدات والجهات المسؤولة عنها
في سياق تعليقه، كشف مدير الهلال الأحمر المصري في شمال سيناء، خالد زايد، عن ارتفاع عدد الشاحنات المسموح بدخولها إلى قطاع غزة، قائلا: “نتوقع أن يزيد عدد الشاحنات إلى 180 شاحنة تم الانتهاء من تفتيشها على الجانب الإسرائيلي وفي طريقها للدخول إلى قطاع غزة، وكان متوسط عدد الشاحنات هو نحو 100 شاحنة يوميا”.
وأضاف: “كان أكبر معدل لدخول الشاحنات هو أيام الهدنة التي استمرت نحو أسبوع حيث كان المتوسط 250 شاحنة، ثم تراجع هذا العدد إلى 100، ونتوقع بعد إعادة فتح معبر كرم أبو سالم (للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب على القطاع) أن يزيد العدد إلى الضعف”.
ومعبر “كرم أبو سالم” على الحدود بين قطاع غزة ومصر والأراضي الفلسطينية المحتلة، وكان ينقل عبره الوقود والسلع، ويخضع لسلطة المعابر البرية التابعة لوزارة الحرب الإسرائيلية.
حقيقة تلف بعض المساعدات
وبشأن ما يثار من مخاوف البعض حول فساد بعض المساعدات الغذائية والطبية، أوضح زايد أن “هناك بعض الشاحنات التي تنتظر منذ أكثر من أسبوع”، ولكنه استبعد أن تتلف أي مساعدات “لأن هناك اشتراطات يفرضها الهلال الأحمر المصري للذين يتعاونون أو يرغبون في العمل من خلالنا، وأهمها وجود صلاحية لا تقل عن 6 شهور، ولسنا مسؤولين عن كل المساعدات، هناك جهات أخرى مثل التحالف الوطني، وحياة كريمة، وتحيا مصر، وأبناء سيناء”.
وفي ما يتعلق بتلف بعض المساعدات، بين أن “الهلال الأحمر استقبل في بعض مخازنه مساعدات غير صالحة وقمنا على الفور بإعدامها، ولم نسمح بدخولها إلى قطاع غزة، أما فيما يتعلق بالمساعدات الطبية فإنه يتم تخزينها في مخازن وزارة الصحة وتخضع لشروطها وبالتالي لا يمكن أن تتلف، ولا تحتوي على أكياس دم قابلة للفساد”.
وعن مصادر الشاحنات القادمة إلى معبر رفح بيًن زايد أن “هناك 3 جهات، الأولى، من الدول الخارجية عبر مطار العريش القريب من معبر رفح، الثانية، من البحر المتوسط عبر الموانئ، والثالثة، أنفاق تحيا مصر (التي تربط بين شرق وغرب قناة السويس)، وحدث تكدس كبير جدا في عدد الشاحنات لا دخل لمصر به، لأن إسرائيل هي من تحدد عدد الشاحنات المسموح لها بالدخول”.
ومنذ سماح الاحتلال بدخول مساعدات إغاثية محدودة إلى سكان القطاع في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تتوجه شاحنات المساعدات من مصر إلى معبر العوجا الذي يسيطر عليه الاحتلال للتفتيش قبل أن تعود مجددا لدخول القطاع عبر معبر رفح الحدودي مع مصر.
الانتظار والتكدس سيد الموقف
أحد المشرفين على قوافل المساعدات التابعة لمؤسسة “صناع الخير” الخيرية، ويدعى محمد علي، قال إنهم “نجحوا في إرسال 3 قوافل من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة وبصدد تجهيز القافلة الرابعة، وانتظار الشاحنات أمام المعبر على امتداد الطريق المؤدي إليه هو نتيجة زيادة حجم المساعدات، وتحكم الجانب الآخر في عدد الشاحنات”.
وحول وجود شاحنات لفترة طويلة أمام المعبر وتعرض بعض المساعدات للتلف، أوضح أن “طبيعة المساعدات ليس من السهل فسادها؛ لأنها لا تتضمن أي مواد طازجة مثل اللحوم أو الخضروات، وكلها مواد جافة ومعلبة مثل البقوليات والأرز والدقيق والزيوت، أو مساعدات أخرى مثل البطاطين والثياب وغيرها”.
الحاج كمال أحد السائقين العائدين من معبر رفح أعرب عن تذمره من طول مدة الانتظار، وقال : “كنت من أوائل السائقين الذين ذهبوا إلى معبر رفح منتصف شهر أكتوبر الماضي، وبعض الشاحنات ظلت لأكثر من أسبوعين حتى تتمكن من الدخول للقطاع، ونقوم بتسليم المساعدات على الجانب الآخر من معبر رفح الفلسطيني”.
لكنه أوضح أن “بعض المساعدات، كما تناهى إلى مسامعه، لم تكن بالمواصفات المطلوبة في الأيام الأولى لدخول المساعدات حيث تم جمعها على عجل ودون تمحيص أو تدقيق وكانت غير صالحة للاستخدام الآدمي من الأساس، لكن فسادها على المعبر يصعب حدوثه لأن الأجواء البادرة وخاصة في الصحراء تساعد على بقاء المساعدات لفترة أطول”.
استخدام المساعدات كأسلحة حرب
وخلفت الحرب على القطاع، حتى مساء الاثنين، 18205 قتلى و49645 جريحا معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية و”كارثة إنسانية غير مسبوقة”، بحسب مصادر رسمية فلسطينية.
وفي هذا الصدد، ندد المدير العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة “أونروا”، فيليب لازاريني، بـ”الصمت الدولي تجاه الأزمة الإنسانية المتفجرة داخل قطاع غزة”.
وأضاف: “يتم استخدام الغذاء والماء والوقود بشكل منهجي، كأسلحة حرب في غزة، حيث فرضت إسرائيل حصارا شبه كلي على غزة؛ ما فرض عقوبات جماعية على أكثر من مليوني شخص، نصفهم من الأطفال”.
مشيراً إلى أن “الإمدادات الضئيلة التي يسمح بها الاحتلال بالدخول إلى غزة ليس لها تأثير يذكر في مواجهة الاحتياجات الهائلة لجميع السكان”