اخبار ع النار – بقلم : جهاد مساعده
في بلاد الوق واق، حيث تلتقي السياسة بالخيال والفانتازيا، نجد أن لكل حزب بطل خارق، ولكنه لا يرتدي بذلة لامعة أو يحمل سيفًا، بل يمسك بملف الاجتماعات ودفاتر الشيكات! إنه أمين عام الحزب، ذلك العبقري الذي يعرف كيف “يسلخ” أعضاء حزبه بطريقة سريالية. ولكن المفاجأة هنا ليست في كيفية سلخهم سياسيًا فقط، بل أيضًا بالوعود الفارغة، والاجتماعات التي لا تنتهي، حيث يحول أعضاء حزبه إلى مصدر مالي لا ينضب، تحت شعارات وهمية ووعود بمناصب رفيعة المستوى. تبدأ القصة بعدد من المشاهد، وهي كالآتي:
(المشهد الأول) وعود وق واقية
تبدأ القصة كالمعتاد بكلمات ووعود براقة، حيث يجتمع الأعضاء مع أمينهم العام، متحمسين لتحقيق مستقبل سياسي واعد. وبالطبع، الأمين العام دائمًا يملك الوصفة السحرية: “لقد حققنا تقدمًا عظيمًا!”، وهذا “التقدم” يشبه قوس قزح في سماء الوق واق، تراه من بعيد، لكنه يختفي كلما اقتربت منه. أو تقدم” يشبه الانتقال من سراب إلى آخر في الصحراء!
يبدع أمينهم في تحويل الأحلام إلى أوهام، ويظل يُكرّر نفس الكلام دون أن يتحقق شيء. إنه “سلاخ محترف”، يجيد تعليق الآمال على الهواء، ويجعل الأعضاء يعتقدون أنهم قريبون جدًا من النصر، يصفقون بحرارة، غير مدركين أن جيوبهم أيضًا ستكون جزءًا من اللعبة قريبًا، بينما هم يغوصون في وحل من الوعود الفارغة.
(المشهد الثاني) لجان الوق واق الخرافية
وهنا تبدأ الكوميديا الحقيقية، لا يوجد شيء أكثر إثارة من تشكيل لجنة جديدة! الأعضاء يتلهفون على سماع أخبار تشكيل “لجنة لدراسة الأوضاع”، وكأن هذه اللجنة ستحل كل المشاكل. ولكن الحقيقة أنها مجرد حلقة جديدة في مسلسل “الدراسة طويلة الأجل”، حيث تبقى الأمور دائمًا قيد “المراجعة” و”التقييم”. يُمارس فيها أمين عام الحزب فن السلخ ببطء، حيث يُشغل الأعضاء بلجان واجتماعات لا تنتهي، مثل (ف..) يركض في عجلة، يدور ويدور دون أن يصل إلى شيء. وكلما اشتكى أحد الأعضاء، يرد عليهم بوقار: “الأمور بحاجة إلى المزيد من الدراسة”، وكأن تلك “الدراسة” هي العصا السحرية التي ستنقل الحزب إلى بلاد طواحين الهواء.
فالاجتماعات لا تنتهي، وكل اجتماع يأتي بتكلفة مالية. تُشكَّل لجان لدراسة كل شيء وأي شيء، والأعضاء يهرعون لحضور هذه الاجتماعات “المهمة”. لكن في نهاية كل اجتماع، يتم تذكير الأعضاء بأنه يجب عليهم “المساهمة” في دعم الحزب، خصوصًا وأن الحزب على وشك تنظيم “مناسبة رفيعة المستوى”.
(المشهد الثالث) المناصب الوهمية في بلاد الوق واق
في هذه البلاد العجيبة، كل شيء ممكن، بما في ذلك توزيع “مناصب وهمية”. أمينهم العام بارع في إبداع أسماء مناصب براقة لا وجود لها على أرض الواقع. فكل عضو يحصل على منصب جديد، مثل “مسؤول ملف العلاقات مع الفضاء الخارجي”، أو “رئيس لجنة الابتكار السياسي” أو “رئيس لجنة التطوير النووي” … الخ. يفرح الأعضاء بلقبهم الجديد، ولكن الحقيقة المرة هي أن هذه المناصب لا تأثير لها. إنها فقط لعبة سياسية ماهرة منه لتبقيهم في حالة انشغال دائم بدون تحقيق أي إنجاز.
(المشهد الرابع) طموحات لا حدود لها
في بلاد الوق واق يتقن أمينهم العام فن اللعب على طموحات الأعضاء. في كل اجتماع، يلمّح إلى أن “التغيير قادم” وأن هناك حاجة لقيادات جديدة تقود الحزب. وبالطبع، لا أحد يريد أن يفوّت فرصة الحصول على منصب رفيع المستوى.
فالأعضاء، مثل الصيادين ينتظرون فرصة الإمساك بالسمكة الكبيرة، ينتظرون هذه المناصب الوهمية التي تبدو قريبة جدًا ولكن لا تُصطاد أبدًا.
وفي بلاد الوق واق، دائمًا هناك “قائمة سرية” يُشاع أنها تحتوي على أسماء الذين سيتم تعيينهم في المناصب الرفيعة. هذه القائمة تُضفي نوعًا من الغموض والإثارة ، وتبدأ التكهنات حول من سيكون في الصفوف الأولى. ويبدأ الأعضاء بالتنافس لكسب ود أمينهم، كل واحد يحاول أن يثبت جدارته ويظهر ولاءه. وفي النهاية، يُلمح إلى أن القائمة “قيد الدراسة”، وأنه سيتم الإعلان عنها قريبًا الأعضاء يعيشون في حالة من الترقب، ولكن المفاجأة هي أن هذه القائمة لا تُعلن أبدًا، وتظل دائمًا “قيد الدراسة” مثلها مثل باقي الأمور.
فالمناصب الرفيعة في بلاد الوق واق لا تأتي بالمجان. فهو يعرف كيف يستفيد من طموحات الأعضاء، فيجعلهم يعتقدون أن الحصول على المنصب يتطلب منهم “دعمًا ماليًا” ويُطلب منهم المساهمة المالية لضمان “مكانهم” وعليهم الدفع بكل سخاء، متخيلين أنهم على وشك تسلم مقاليد القيادة، بينما في الواقع، المناصب تتبخر …. وتعود اللعبة من جديد. ليدرك الأعضاء أنهم وقعوا في فخ الوعود الكاذبة، وأن المناصب الرفيعة التي وُعدوا بها ليست سوى وهم.
للعلم في بلاد الوق واق، المناصب الرفيعة لا توزع، بل تُباع بالأوهام، والأعضاء لا يُعينون، بل يُسلخون على مرأى ومسمع الجميع، وهم لا يزالون يصفقون!”
(المشهد الخامس) الانشقاقات المضحكة في بلاد الوق واق
في النهاية، بعد أن تسلخ روح الأعضاء وتحطم أحلامهم، يأتي البعض بفكرة الانشقاق عن الحزب. وهنا، يبدأ أمينهم العام في إطلاق العنان لبلاغته الوقواقية. “إنهم أعداء النجاح!”، “انشقاق ضد المبادئ!”، “نحن أفضل بدونهم!”، فيردد هذه العبارات الرنانة، وكأن الحزب قد فقد أثمن ما يملك. في الحقيقة، أمينهم العام يكون قد “سلخ” حزبه بأكمله، تاركًا خلفه مجموعات متفرقة من الأعضاء الذين لا يزالون يظنون أنهم في طريقهم لتحقيق نصر سياسي عظيم.
(المشهد الأخير … النهاية) حزب الوق واق… قصة بلا نهاية
وهكذا يستمر الحزب الوقواقي، قصة بلا نهاية، وفي النهاية يجلس الأمين العام على كرسيه الوهمي في غرفة مليئة بالكراسي الفارغة. الأعضاء لا يزالون يحلمون بالوعود والشعارات الكبيرة، بينما الحقيقة أن الحزب أصبح بلا روح ولا اتجاه. أمينهم يواصل “سلخ” أعضاء حزبه بابتسامة وقناعة تامة، وكأن ما يحدث هو لعبة سياسية. إنه فن “السلخ السياسي” في بلاد الوق واق، حيث يصبح السخرية واقعًا، والواقع سخرية.
وفي الختام، نستطيع القول: “في بلاد الوق واق، الحزب يسير، ولكن إلى أين؟ لا أحد يعرف.
أعضاء يعودون إلى منازلهم بأيدي فارغة وجيوب خاوية، متسائلين كيف تم سلخهم بهذه المهارة. من وعود زائفة، لجان لا تنتهي، مناصب وهمية، ومناسبات رفيعة المستوى.
إنها مسرحية سياسية بنكهة سريالية، مهزلة بلا شك، ولكن لا يمكننا سوى التحسر على ما نراه!”