يعتبر توفير المساكن المناسبة للمواطنين واحدا من أهم أولويات مشاريع التنمية في رواندا، التي تعد من أكثر دول أفريقيا كثافة في عدد السكان.
ويعيش كثير من السكان بسبب التضاريس الجغرافية للبلاد في مناطق شديدة الخطورة عرضة للفيضانات والانهيارات الأرضية.
وسعت حكومة الرئيس بول كاغامي منذ نحو 16 عاما إلى تحقيق هذا الهدف الطموح ووضعته ضمن مسارات رؤيتها التنموية في البلاد، وأطلقت في نهاية عام 2008 مبادرة “التوطين الريفي” الذي يركز بشكل أساسي على التجمعات السكانية التي تحتاج إلى الانتقال من المناطق التي تم تصنيفها كمناطق عالية الخطورة.
كانت هذه المبادرة نواة لإطلاق مشروع تنمية متكامل في ذات الاتجاه، سمي مشروع “القرى النموذجية للنازحين” وكان ذلك في عام 2010، وتشرف عليه هيئة الإسكان، ووسع البرنامج في عام 2016 ليشمل المجتمعات الحضرية في جميع مقاطعات رواندا.
وبحلول عام 2024 تم بالفعل إنشاء مجمعات سكنية نموذجية في المقاطعات الـ30، مما وفّر مئات الآلاف من الوحدات السكنية للمواطنين.
اعتبرت هيئة الإسكان أن تحسين مستويات المعيشة وتوفير السكن اللائق للمواطنين الأقل حظًّا في مناطق مختلفة من البلاد أولوية لها، تنطلق من “رؤية الأمة 2050” التي تحدد التحضر كمحرك رئيسي للتحول الاقتصادي.
وتؤكد الأدبيات الصادرة عن الحكومة أن هذه المبادرات تأتي استكمالا للرؤية القائمة على “تحسين حياة الناس وإعطائهم الأمل، وعدم القلق بشأن المأوى”، ومنحهم فرصة “الفخر بالعودة إلى منازلهم آمنين كل يوم”.
وبحسب هذه الأدبيات فإن هذه القرى لا تسهم في توفير المأوى فحسب، “بل تعزز تنمية المجتمع وقدرته على الصمود، مما يضمن عدم تخلف أي شخص عن الركب في رحلة الأمة نحو التحول والنمو”.
وتوفر هذه القرى للسكان إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية والاجتماعية الشاملة والبنية الأساسية والفرص الاقتصادية، مما يساهم بشكل كبير في التحول الاجتماعي والاقتصادي للمناطق الريفية وشبه الحضرية.
أنواع القرى النموذجية
وأوضحت إيما كلودين مديرة التواصل والعلاقات العامة في أمانة العاصمة كيغالي أن هناك 3 أنواع من القرى النموذجية، بالنظر إلى طبيعة المستفيدين منها، وآليات تنفيذها.
وقالت إن النوع الأول هو تلك القرى التي يشرف الجيش بشكل كامل على تنفيذها، وتكون على أراض تابعة للدولة ويتم تجهيزها بالكامل على حساب الدولة أو بمشاركة منظمات محلية ودولية.
ويوطن في هذه القرى سكان المناطق البعيدة الأكثر حاجة، ويتم ترشيحهم في جميع أنحاء البلاد من قِبَل المجالس المحلية، ليحصلوا على حصصهم من هذه البيوت مجانا، وهم بذلك يشكلون مجتمعا جديدا جاء من عدة مناطق.
مناطق خطرة
أما النوع الثاني من القرى النموذجية، فهو مخصص للسكان في بعض المناطق الخطرة التي تتعرض للفيضانات والسيول، ويوفر للسكان في هذه الحالة منازل عوضا عن منازلهم التي يطلب منهم مغادرتها لخطورة السكن فيها.
والنوع الثالث من القرى النموذجية، هو القرى التي تبنى للسكان في مناطق يراد تطويرها وإعادة تأهيلها من قبل السلطات، وينقل السكان إلى قرى نموذجية قريبة من أماكن سكنهم الأولى.
ويحصل المواطنون في هذه الحالة على مساكن تعادل قيمتها قيمة مساكنهم القديمة، ومن يرغب الحصول على بيت أفضل يدفع قيمة الفرق بين المنزلين، وفق التسهيلات المتبعة.
وتوفر القرى النموذجية الاحتياجات الأساسية للسكان، كالمدارس والمراكز الطبية والملاعب والأسواق الصغيرة ومراكز حرفية وخدمات الاتصال، كما أن بعضها في المناطق الريفية يضم حظائر للأبقار والدواجن.
تحديات وصعوبات
وتحدثت المسؤولة الرواندية عن أهم الصعوبات التي تواجههم في هذا المشروع، وهو عملية تأقلم السكان مع سُكُنهم الجديدة، وهو ما يشكل تحديا لهم في كيفية استجابتهم للظروف التي يفرضها السكن الجديد.
كما أن جمع الناس من مناطق شتى ووضعهم في منطقة واحدة جديدة، يشكل تحديا لهم، يكمن في مدى قدرتهم على التأقلم مع المجتمع الجديد، وإنشاء روابط وعلاقات.
ويضاف لهذه التحديات، حالة التأقلم العام مع الحياة في المناطق الحضرية، خصوصا القادمين من مناطق قروية مفتوحة، فليس من السهل إقناع المواطنين بالتخلي عن أسلوب حياتهم في الصيد والحرف اليدوية والزراعة، للعيش في منزل جديد مزود بشبكة كهرباء ومياه نظيفة وسوق حديث ومدرسة وشبكة طرق.
وهنا يأتي دور الحكومة في توفير الدعم النفسي والمجتمعي والتعليمي لهم لمساعدتهم على بدء حياة جديدة.