تتواصل التحذيرات من حدوث أزمة مالية عالمية جديدة في عام 2025، قد تكون مشابهة من حيث الحجم لأزمة عام 2008، وذلك بعدما حذر بنك روسيا من هذا السيناريو، بسبب القفزة السريعة وغير المسبوقة في أسعار الفائدة الرئيسية في الدول المتقدمة خلال العامين الماضيين.
وقالت الكاتبة أولغا ساموفالوفا، في مقال نشرته عبر موقع “فزغلياد”: إنه بعد فترة طويلة قاربت الـ15 عاما من المعدلات القريبة من الصفر، هناك أوجه تشابه بين الوضع الحالي وما حدث في عام 2008، واحتمالات بحدوث هذه الأزمة الجديدة، التي قد تؤثر على روسيا أيضا.
وأضافت الكاتبة أن السنوات الأخيرة شهدت تهديدات مستمرة بحدوث أزمة اقتصادية عالمية جديدة، ولكن كل عام كانت هذه التوقعات لا تتحقق، وأعطى ذلك انطباعًا بأن الاقتصاد العالمي قد نجا هذه المرة من الأزمة، لكن الواقع ليس كذلك تمامًا.
وذكرت أن احتمال وقوع أزمة مالية عالمية لا يزال قائمًا، حيث يمكن أن تصل ذروتها في منتصف عام 2025، وذلك وفقًا لما أعلنه بنك روسيا في مشروعه المنشور حول “الاتجاهات الأساسية للسياسة النقدية والائتمانية الموحدة للدولة”.
وأضافت الكاتبة أن الزيادة في معدلات السياسة النقدية في العامين 2022-2023 في الدول المتقدمة تُعد واحدة من أسرع الزيادات في التاريخ، وقد جاءت بعد فترة استمرت قرابة الـ15 عامًا من معدلات الفائدة القريبة من الصفر في البنوك المركزية لهذه الدول.
وأوضحت أن المستوى المرتفع لمعدلات الفائدة وتراكم الاختلالات في الأسواق المالية للدول المتقدمة قد يؤديان إلى أزمة مالية عالمية، تقارن في حجمها بأزمة عامي 2007-2008، وهو أحد السيناريوهات المحتملة التي أشار إليها البنك المركزي.
وأشارت الكاتبة إلى أن احتمال حدوث أزمة مالية كبرى عالميًا الآن مرتفع بشكل غير مسبوق، حيث يقدر بنحو 16-20 بالمئة. ويرى سيرغي غريشونين، المدير الإداري لخدمة التصنيف في الوكالة الوطنية للتصنيف، أن المشاكل الهيكلية قد تكون بمثابة الزناد الذي يفجر الجروح المالية غير الملتئمة من الماضي، ما يؤدي إلى عاصفة عالمية.
وأكد أن المشكلة الرئيسية تكمن في أن هذه الأزمة تتمتع بطبيعة فريدة، ما يجعل من الصعب التنبؤ بتداعياتها، ولكن من الواضح أنها قد تدفع العالم نحو ركود جديد يستمر لعقد من الزمن.
وأوضحت الكاتبة أن سيرغي غريشونين يعتقد أن الأزمة العالمية القادمة، إذا حدثت، فستكون بطبيعة مختلفة تمامًا عن أزمة عام 2008. وأضاف أن “المقارنة” بأزمة 2008 التي يشير إليها بنك روسيا ترتبط بالأساس بالحجم وليس بالطبيعة، فالأزمة العالمية القادمة ستكون هيكلية مالية بطبيعتها.
وأشار غريشونين إلى أنه من جهة، هناك تراكم كبير للمشاكل الهيكلية في العالم، بدءًا من التغيرات التكنولوجية، وتزايد مخاطر الاستدامة، والمخاطر الجيوسياسية، وتفاقم التفاوت الاقتصادي. ومن جهة أخرى، تعيق الفائدة المرتفعة، والحماية التجارية، والجغرافيا السياسية تدفق رؤوس الأموال بحرية، وهو ما يمنع حل هذه المشاكل الهيكلية.
بالإضافة إلى ذلك، أشار غريشونين إلى أن العديد من المشاكل التي نشأت منذ أزمة 2008 ما زالت قائمة، مثل تزايد “الأصول السيئة”، ومحاولات إخفائها من خلال التوريق، والانتشار المفرط للأدوات المشتقة، وتحول الأسواق المالية إلى كازينو، حيث لم تعد أسعار الأصول تعكس الوضع المالي الحقيقي للشركات.
وأكدت الكاتبة أن هناك رأيًا بأن الأزمة في الواقع لم تنته بعد. حيث أشار أوليغ أورلوف، المستشار المالي وخبير التخطيط المالي، إلى أن “العملية الحالية والأزمة يمكن وصفهما في إطار عام كجزء من أزمة تمتد لمئة عام ضمن دورة كبرى؛ حيث يمكن اعتبار عامي 2007 و2008 بمثابة مقدمة للأزمة. لم يشهد تاريخ البشرية أزمة بهذا العمق من قبل. وبدأت ذروة هذه الدورة في أواخر عام 2019، ومن المتوقع أن تصل إلى نهايتها بحلول نهاية عام 2025، ثم تبدأ بالتراجع”.
وبين أورلوف أنه يرى أن احتمال حدوث أزمة في منتصف عام 2025 كبير جدًا. وأشار إلى أن الاختلالات الحالية في الأسواق المالية، ومستوى الديون المرتفع، واستمرار ارتفاع أسعار الفائدة تخلق بيئة مواتية لحدوث أزمة.
وأضاف أن المخاطر الجيوسياسية وحالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي قد تؤدي إلى تفاقم الوضع. ولكنه نبه أيضًا إلى أن هذه العمليات تتسم بالطابع الديناميكي ويمكن أن تتغير في الوقت الفعلي.
وأشار أورلوف إلى أنه عند مقارنة الوضع الحالي بالمقدمات التي أدت إلى أزمة عام 2008، يمكن ملاحظة بعض الاختلافات وكذلك بعض أوجه التشابه.
وأشارت الكاتبة إلى أن فلاديمير تشيرنوف، المحلل في شركة Freedom Finance Global، يرى أن “الوضع في سوق العمل الأمريكي هذا العام والسياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي خلال العامين الماضيين يشبهان الوضع في عام 2008”. ومع ذلك؛ أضاف أن الاختلاف الرئيسي يكمن في أن “دوامة الأزمة” في عام 2008 بدأت بسبب الانخفاض الحاد في مبيعات سوق العقارات في الولايات المتحدة.
وأوضح تشيرنوف أن “الأزمة الاقتصادية العالمية لعام 2008 بدأت على خلفية تراجع حجم مبيعات العقارات في الولايات المتحدة منذ عام 2006، وذلك بسبب الزيادة الحادة في معدلات الفائدة على القروض. ثم تطورت هذه الأزمة إلى أزمة قروض الرهن العقاري عالية المخاطر، ما أدى إلى إفلاس بعض أكبر البنوك الأمريكية. وتسبب ذلك في عمليات بيع واسعة في الأسواق المالية وتدفق رؤوس الأموال الاستثمارية خارجها”.
وذكرت الكاتبة أنه في الوقت الحالي، لا توجد مؤشرات على انخفاض حاد في مبيعات العقارات في الولايات المتحدة. ومع ذلك، يشير فلاديمير تشيرنوف إلى وجود علامات تدل على احتمال كبير لما يُسمى “هبوطًا اقتصاديًا حادًا” أو ركودًا في الاقتصاد الأمريكي، وذلك على خلفية التراجع المفاجئ في سوق العمل بالولايات المتحدة في تموز/ يوليو.
وأوضح تشيرنوف أن عدد الوظائف الجديدة التي تم إنشاؤها في تموز/ يوليو 2024 انخفض بنحو 30 بالمئة مقارنة بالأشهر السابقة، ووصل معدل البطالة إلى 4.3 بالمئة، وهو أعلى مستوى منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، وهو ما يُعتبر ظاهرة أزمة.
وأضاف الخبير أنه “في عام 2008، واجهت الولايات المتحدة أيضًا مشكلات كبيرة في سوق العمل، حيث بلغت البطالة آنذاك أعلى مستوياتها منذ 16 عامًا، ما أدى إلى انخفاض النشاط الاقتصادي”.
ولفت تشيرنوف إلى أن الوضع الحالي مع سعر الفائدة الرئيسي مشابه لما حدث في 2008؛ حيث رفعت الولايات المتحدة بشكل حاد سعر الفائدة الرئيسي لمدة عامين (وهو ما أدى إلى انخفاض مبيعات العقارات)، ثم بدأت في عام 2008 بتخفيضها بسرعة للتخفيف من آثار الأزمة. الآن، تمر الولايات المتحدة بدورة رفع أسعار الفائدة، والجميع ينتظر متى سيبدأ الاحتياطي الفيدرالي في خفضها.
وأوضحت الكاتبة أن فلاديمير تشيرنوف يرى أن احتمال حدوث أزمة في عام 2025 موجود، لكنه ليس كبيرًا. فقد خفضت أكبر البنوك الأمريكية تقديراتها لاحتمال حدوث ركود في الولايات المتحدة من 25 بالمئة إلى 10-15 بالمئة، وهم ينتظرون البيانات النهائية لسوق العمل في الولايات المتحدة لشهر آب/أغسطس، التي ستصدر يوم الجمعة المقبل.
وأضاف تشيرنوف: “إن مخاطر الركود في الولايات المتحدة قد انخفضت بشكل ملحوظ إذا اعتمدنا على البيانات الأولية لسوق العمل. ومن المتوقع أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي بخفض سعر الفائدة الرئيسي قريبًا، حيث تقدر احتمالية بدء هذا العملية في اجتماع سبتمبر بنسبة 100 بالمئة. ووفقًا لأداة FedWatch، فإن 65.5 بالمئة من المتداولين يتوقعون خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع الاحتياطي الفيدرالي المقرر في أيلول/ سبتمبر، بينما يتوقع الـ35 بالمئة المتبقون خفضًا أكبر بمقدار 50 نقطة أساس”.
ووفق الكاتبة، فإنه إذا تحقق السيناريو السلبي واندلعت أزمة مشابهة في حجمها لأزمة عام 2008، فإن ذلك سيعني انهيار الاقتصاد العالمي بأسره، وانهيارات في الأسواق المالية وأسواق السلع الأساسية، وإفلاسات جماعية للشركات.
ونوهت الكاتبة إلى أن أوليغ أورلوف حذر من أنه “إذا اندلعت الأزمة في منتصف عام 2025، فقد تكون العواقب خطيرة لكل من الاقتصاد العالمي وروسيا. يمكننا توقع انخفاض حجم التجارة، وتراجع أسعار السلع الأساسية، وتدهور الظروف المحيطة بالأعمال التجارية. بالنسبة للمواطنين العاديين، يعني ذلك ارتفاع معدل البطالة، وانخفاض الدخل، وزيادة أسعار السلع والخدمات، وحتى احتمال حدوث تضخم مفرط. بشكل عام، قد يتطلب هذا من روسيا تخصيص موارد كبيرة لتخفيف آثار الأزمة”.
واختتمت الكاتبة مقالها بتحذير تشيرنوف من أن “الأسعار العالمية للسلع الأساسية ستنخفض، ما سيؤدي إلى انخفاض حاد في إيرادات الميزانية الروسية من صادرات الطاقة وزيادة عجز الخزانة الروسية. وسيكون من الضروري سد هذا العجز إما بزيادة حجم الاقتراض الداخلي أو بتقليص بنود الإنفاق في الميزانية، على الأرجح عن طريق تقليل النفقات على المشاريع الاجتماعية والبنية التحتية”.