من البديهيات أن القضية الفلسطينة برمتها هي قضية أردنية خالصة، وهذا كان، وما زال، موقف جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين ومن خلفه الحكومة الأردنية وكل الشعب الأردني، فمنذ اندلاع العدوان الغاشم على غزة وأهلها المرابطين الصابرين، كانت عمان أول عاصمة عربية، بل وعالمية، تهب لنصرة أهلنا هناك والدفاع عنهم عبر كل وسيلة سياسية ممكنة، ثم انتقل الأردن الى الدور الإغاثي بعد أن أٌغلقت بوجه أهلنا هناك كل وسيلة ممكنة لوصول الدواء والغذاء، فبدأت أول رحلات الإغاثة من قبل قواتنا المسلحة الباسلة ونسورها الأشاوس، وبتوجيه، بل ومشاركة مباشرة، من قبل القائد الأعلى للقوات المسلحة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين.
والآن، ها هو الأردن يعود الى تصدر واجهة العمل والحراك الدبلوماسي مع تصاعد العدوان الإسرائيلي الغاشم على أهلنا في الضفة الغربية، فآلات القتل الإسرائيلية تعيث فساداً وقتلاً وتدميراً في مدن وقرى ومخميات الضفة بعد أن قتلت الإنسان ودمرت الأرض والحجر والشجر في قطاع غزة، فيما العالم لم يحرك ساكناً تجاه هذه الجريمة البشعة، فتحركت عمان، وقالت الحكومة الأردنية، وبملء الفم، إن كل الخيارات مفتوحة بما فيها اللجوء الى القضاء الدولي لمعاقبة دولة الاحتلال على ما ترتكب من جرائم في الضفة بعد كل ما ارتكبته في غزة، وإذا ما قال قائل “وما الفائدة من ذلك”، فإننا نقول إن الأردن، وعندما يتحدث عن كل الخيارات، فإن في هذا من المعاني العميقة الكثير، فلطالما كان نهج الأردن هو نهج السلام لكل المنطقة وللأجيال القادمة، وعلى دولة الاحتلال أن تقرأ جيداً رسالة عمان، فما تقوم به هو تهديد مباشر للسلام في كل المنطقة، وفي الوقت الذي يمسك فيه الأردن بالسلام، فإنه لن يطيل التجاوب، وقد يضطر للحظة ما أن يضع كل العملية السلمية على “المحك” إن بقيت إسرائيل تقود المنطقة على طريقة سياسة “الحافة” التي تنتهجها.
على العالم الآن، وخصوصا عواصم القرار العالمي ومؤسساته السياسية وعلى رأسها الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، أن تعي أن تل أبيب ومَن يقودون حكومة التطرف فيها، هم من يضعوا السلام برمته على المحك الآن، وهم من يهددون المنطقة بأتون حرب، قد تتسع أكثر، إذا ما باتوا يشعلون فتيلها، ففي غزة وحدها ارتقى ما يقرب من خمسين ألف شهيد، وها هي الضفة الآن تقدم الشهيد تلو الشهيد، وإن كانت إسرائيل تفكر في إفراغ الأرض من أهلها، وإن كانت تعتقد بأن هذه هي اللحظة المناسبة لذلك، فإنها تُخطئ الحسابات، فعمان أكدت ألف مرة ومرة بأن سياسة التهجير خط أحمر، فما حدث في عام 1948، وفي عام 1967، لن يتكرر ذلك أنه أعطى للاحتلال فرصة التوسع في قضم الأرض واحتلال البيوت وتوسيع رقعة احتلال الأرض، هذا مع التأكيد، وفي ذات الوقت، بأن الفلسطيني لن يترك أرض أهله وأجداده، بل أنه يتمسك بها أكثر وأكثر حتى وإن كان الدم هو الثمن.
لم يعد هناك من مسوغ إنساني أمام العالم للسكوت أكثر، وعلى كل دولة فاعلة ومؤثرة أن تتحرك وبسرعة، خصوصاً واشنطن، لوقف جنون حكومة التطرف في تل أبيب حتى لا تقود المنطقة إلى كارثة لا تحمد عقباها، مع التأكيد بأن الأردن سيبقى سند وعمق فلسطين وأهلها.