بشكل مفاجئ أصدر العاهل المغربي الملك محمد السادس عفوًا عن الآلاف من صغار مزارعي القنب الهندي في المغرب الذين كانوا موضوع متابعة قانونية، بسبب زراعتهم لتلك المادة المحظورة، وجاء هذا العفو تزامنًا مع إحياء المملكة ذكرى “ثورة الملك والشعب”.
وزارة العدل المغربية، ذكرت في بيان الإثنين 19 أغسطس/آب 2024، أن العاهل المغربي أصدر أمره بالعفو عن 4831 شخصًا من المدانين أو المتابعين أو المبحوث عنهم في قضايا متعلقة بزراعة القنب الهندي ممن تتوفر فيهم شروط تتطلب الاستفادة من العفو الملكي.
فقد كان هؤلاء المزارعون في منطقة جبالة والريف شمال المغرب، قبل هذا العفو مواطنين مغاربة أحرار لكنهم سجناء في القرى والجبال، لا يقصدون الإدارات العمومية ولا يتجولون في مركز المدينة، وأغلبهم لا يتوفر على بطاقة هوية.
عفو بطابع إنساني
وفق بيان وزارة العدل المغربية فإن هذا العفو عن مزارعي القنب الهندي في المغرب، فضلًا عن جوانبه الإنسانية، “سيمكن المشمولين به من الاندماج في الاستراتيجيات التي انخرطت فيها الأقاليم المعنية في أعقاب تأسيس الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي، والأثر المهيكل الذي سيحدثه نشاطها على المستويين الاقتصادي والاجتماعي”.
وكان المرسوم رقم 2.22.159، حدد المناطق المسموح فيها زراعة وإنتاج القنب الهندي أو “الكيف”، كما يسمى محليًا، إذ نصت المادة الأولى منه على أنه لا يجوز الترخيص بزراعة وإنتاج القنب الهندي في المغرب وإنشاء واستغلال مشاتله إلا بأقاليم الحسيمة وشفشاون وتاونات.
وعام 2023 لم يكن عامًا عاديًا في تاريخ زراعة “الكيف” في تلك المناطق المغربية، إذ كانت أول سنة يُزرع فيها القنب الهندي بشكل قانوني، تحت إشراف ومراقبة هيئة رسمية تسمى “الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي”.
يقول رئيس جمعية الريف لحقوق الإنسان، شكيب الخياري: “لقد جاء هذا العفو الملكي، استجابة من جلالة الملك لمطالب سكان هذه المناطق، ولهيئات المجتمع المدني، التي ما فتئت ترفع مطالبها بالعفو عن مزارعي القنب الهندي، والذي رافق النقاش الدائر حول تقنين الاستعمال الطبي والصناعي للقنب الهندي”.
يضيف الخياري في تصريح ، أن “تقنين القنب الهندي في المغرب لا يمكن أن ينجح دون وضع حد للمتابعات القضائية في حق المزارعين، واستمرار اعتقال العديد منهم على خلفية هذه الزراعة”.
قبل ذلك كان الخوف هو السائد بين المزارعين طيلة 3 عقود، خاصة بعد الظهير (القانون) الذي سنَّته الدولة سنة 1974 والقاضي بتجريم زراعة الكيف أو القنب الهندي، وقبل هذا التاريخ “كانت الأمور عادية”.
ففي سنة 1954 أصدرت سلطات الاحتلال الفرنسية قانونًا يمنح السكان المحليين الحق في زراعة القنب الهندي، وهو القانون الذي استمر بعد الاستقلال سنة 1956.
ولذلك، فالعفو الملكي عن مزارعي “الكيف” البسطاء، بمناسبة الذكرى الـ71 لثورة الملك والشعب، يقول الخياري: “يعد عفوًا استثنائيًا بامتياز، خصوصًا أنه يحمل دلالات إنسانية واجتماعية قوية”.
ويمكن اعتباره “نقطة مفصلية في تاريخ مناطق زراعة القنب الهندي والمملكة بشكل عام”، يردف الحقوقي ومنسق الائتلاف من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للقنب الهندي.
تعزيزٌ للثقة بين المزارعين والدولة
لم يسعَ المغرب في تقنين القنب الهندي أو “الكيف” لأهداف اقتصادية واستثمارية فقط، ولكن كانت الطبيعة الاجتماعية والحقوقية حاضرة بقوة منذ بداية المشروع “لإنقاذ” المزارعين الصغار من الزراعة غير المشروعة للكيف في شمال المغرب.
يؤكد الباحث في اقتصاد القنب الهندي، والفاعل من أبناء مناطق زراعة الكيف، شريف أدرداك، أن هذا العفو الملكي “خطوة تاريخية ستعرف من خلالها المنطقة نوعًا من الانفراج الاجتماعي، وسيكون أيضًا خطوة مهمة لتعزيز الثقة بين المزارعين والدولة”.
ولفت أدرداك ، أن “فئة المبحوث عنهم من فئة المزارعين البسطاء؛ هي الحلقة الأضعف في سلسلة إنتاج القنب الهندي، الأمر الذي دفعنا إلى التماس العفو عنهم دون غيرهم (يقصد فئة أخرى تتشكل من المهربين”.
وأضاف المتحدث ذاته، أن “العفو عن المزارعين البسطاء، يُعد خطوة مهمة للمصالحة الاجتماعية مع المنطقة، في انتظار مصالحة اقتصادية تروم إخراج بلاد الكيف من العزلة والتهميش؛ لأن المنطقة بحاجة إلى نموذج تنموي خاص يرتكز على زراعة القنب الهندي في المغرب وما يتطلبه ذلك من بنى تحتية وموارد بشرية ومالية لإنجاحه”.
وضع حد للشكاوى الكيدية
من المؤكد أن هذه المستجدات اليوم على ساحة مناطق زراعة “الكيف” أو القنب الهندي في المغرب، سيسمح لا محالة في وضع حد للمآسي الاجتماعية والنفسية التي عانت منها أسر مزارعي الكيف الصغار المُترتبة عن إصدار مذكرات اعتقال في حق أبنائهم أو آبائهم أو إخوانهم.
وتجسد الخطوة الملكية، بداية إنهاء كافة الرواسب السلبية التي أفرزتها الزراعة غير المشروعة للقنب الهندي في المناطق الشمالية بالمغرب، خصوصًا على الفلاحين والمزارعين الصغار، خوفًا من الاعتقال ومخالفة القانون.
يرى الفاعل من منطقة صنهاجة السراير (إحدى المناطق التاريخية لزراعة القنب الهندي بالريف شمالًا)، إلياس أعراب، أن “ساكنة المناطق المعنية بزراعة القنب الهندي في المغرب، عانت طويلا من تبعات زراعة الكيف، وخاصة من الشكاوى الكيدية التي كانت تُستعمل لإرضاخهم وترهيبهم”.
لهذا، يعد “هذا العفو رسالة لكل المغاربة عامة، أن مزارعي الكيف هم مواطنون مغاربة كغيرهم، ولا يفرق بينهم حرف البطاقة الوطنية أو مكان الولادة. وهو عفو سيساهم لا محالة في منح المواطنة الكاملة للمزارعين في أعالي جبال الريف بعد عقود من التهميش والمعاناة”، يوضح أعراب.
وقال المصدر نفسه: ” من المؤكد أن الوضعية التي كان يعيشها مزارع الكيف جعلت مناطق الزراعة بصفة عامة تعيش خارج التاريخ، إذ ظل هذا الموضوع يشكل تابوهًا لسنوات طويلة، مما أدى إلى تعطل عجلة التنمية لعقود من الزمن، وهو ما أثر على المستوى المعيشي والاقتصادي والحقوقي للمزارعين، الذين جُردوا من أبسط الحقوق بتهمة زراعة الكيف”.
تقنين زراعة القنب الهندي في المغرب تأخر كثيرًا
وكان القانون التنظيمي لتقنين زراعة القنب الهندي في المغرب الصادر عام 2017، استغرق أربع سنوات ليدخل إلى حيز الوجود سنة 2021، مع مصادقة الحكومة على القانون المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، ثم أنشأت الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي.
وأصدرت هذه الوكالة منذ مطلع 2024، في إطار القانون 13.21 المتعلق بالاستخدام القانوني للقنب الهندي، 3,029 ترخيصًا، يشمل 2,837 رخصة لفائدة 2,659 فلاحًا ينشطون في زراعة وإنتاج القنب الهندي.
في هذا السياق، يُجمع الفاعلون في مناطق زراعة “الكيف” أو القنب الهندي، أن الدولة تأخرت كثيرًا في تقنين زراعة هذه النبتة في تلك المناطق شمال المغرب، إذ بدأ النقاش حول مسألة التقنين منذ سنوات طويلة.
يقول الباحث في اقتصاد القنب الهندي في المغرب، شريف أدرداك، “في الحقيقة، المغرب تأخر في استصدار قانون يسمح باستغلال القنب الهندي في المجالين الطبي والصناعي، إذ سبقته دول عدة، ما يجعل اللحاق بالركب صعب، لكنها غير مستحيلة”.
وبالتالي، “على المغرب أن يخطو خطوة في هذا السياق، كي يستفيد جميع المزارعين من عائدات هذا المجال الاجتماعي الاقتصادي المهم، خصوصًا وأن المغرب هو المنتج الأول عالميا للقنب الهندي”.