برواتب لا تصل إلى الحد الأدنى للأجور، وبلا ضمان اجتماعي أو تأمين صحي، ووسط ظروف فيها الكثير من الاستغلال، تضطر العديد من الفتيات في محافظة إربد، إلى العمل لإعالة أنفسهن وأسرهن، في ظل عدم إيجادهن فرص عمل أفضل حالا، علما أن غالبيتهن يحملن شهادات جامعية.
وتعمل هؤلاء الفتيات في منشآت صغيرة، مثل محلات بيع الألبسة، مشاغل الخياطة، صالونات التجميل، العيادات الطبية، مكاتب المحامين، عيادات الأطباء وغيرها، برواتب مختلفة تبدأ من 120 دينارا وتصل إلى 200 دينار، في حين يبلغ الحد الأدنى للأجور المقر رسميا 260 دينارا.
وحسب ما ذكر عدد من الفتيات، فإنه وبالإضافة إلى تدني الرواتب، فإنهن يعملن لساعات طويلة تزيد على 8 ساعات، كما يتم إجبارهن على الدوام في الأعياد والعطل الرسمية من دون حصولهن على إجازات باستثناء يوم الجمعة.
وأشارت الفتيات إلى أن المنشآت التي تشغل أكثر من 5 فتيات يقوم صاحب العمل بتسجيل 3 منهن في الضمان الاجتماعي، خوفا من ملاحقة الضمان الاجتماعي ووزارة العمل.
كما أشرن إلى أن العاملات في المنشآت الصغيرة بوظيفة سكرتيرة لا يتم إخضاعهن للضمان، وكثير منهن لا يتقاضين الحد الأدنى للأجور البالغ 260 دينارا، لافتات إلى أن محدودية الوظائف في محافظة إربد دفعتهن للعمل في تلك المنشآت في سبيل توفير دخل للأسرة أو تلبية الاحتياجات الشخصية.
وأكدت الفتيات، أن بعض العاملات أمضين سنوات في تلك المنشآت من دون أن يقوم صاحب العمل برفع أجورهن إلا بمبالغ بسيطة، رغم مطالبتهن بزيادة الأجور لتصل إلى الحد الأدنى الذي حدده قانون العمل والعمال الأردني، بالإضافة إلى حاجتهن الماسة لحقوقهن في الضمان الاجتماعي والأمان الوظيفي والتأمين الصحي والإجازات.
وأوضحت الفتيات أنهن يقبلن بهذه الأجور المجحفة وساعات العمل الطويلة ليتمكن من المشاركة في إعالة أسرهن أو إعالة أنفسهن على أقل تقدير، مبينات أن بعض أصحاب العمل يقومون بتشغيل بعضهن لفترات زمنية قصيرة ثم يتخلون عنهن حتى لا يكون لهن أي حقوق، وبعد فترة يقومون بإعادتهن للعمل مرة أخرى.
وطالبن، الجهات المختصة في الضمان الاجتماعي ووزارة العمل، بضرورة إيجاد آلية لإنصافهن من دون تقديم شكاوى، مؤكدات أن الظروف المعيشية الصعبة دفعتهن إلى القبول بهذه الرواتب المتدنية.
وكانت دراسة استطلاعية نفذتها جمعية “خطوة أمل” حول واقع الشابات في سوق العمل غير الرسمي، بينت أن 90 % من العاملات في قطاع التجميل غير مشمولات بمظلة الضمان الاجتماعي، وأن 50 % منهن لا يتقاضين الحد الأدنى من الأجور.
وأشارت الدراسة إلى عدم توفر حاضنات الأطفال للعاملات في قطاع السكرتاريا بنسبة 77 %، وأنه لا يوجد عقود عمل موثقة بين العاملات وأصحاب العمل في هذا القطاع.
وذكرت الفتاة رولا، أنها تخرجت في إحدى الجامعات الحكومية في إربد منذ 5 سنوات ولم تفلح في الحصول على فرصة عمل في مجال تخصصها، مما دفعها للبحث عن أي وظيفة، فلم تجد سوى وظيفة عاملة في محل ألبسة، فاضطرت للعمل براتب 160 دينارا من دون إشراكها في الضمان الاجتماعي.
وقالت فتاة أخرى، إنها تعمل سكرتيرة عند أحد الأطباء وتقوم بتدوين المواعيد، مراجعة ملفات المراجعين، وتقديم القهوة والشاي لصاحب العمل، لافتة إلى أنها تتقاضى 180 دينارا وغير مشتركة في الضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى أنها تضطر للعمل ساعات إضافية من دون تقاضيها أجورا بدل عمل إضافي.
من جهته، قال الناطق الإعلامي لوزارة العمل محمد الزيود، إن الوزارة تستقبل الشكاوى العمالية عبر المنصة الإلكترونية “حماية”، وتوفر هذه المنصة السرية للمشتكي في حال اختار أن تكون شكواه سرية.
وأشار إلى أن الوزارة تقوم بالتفتيش على البنود المتعلقة بقانون العمل للتأكد من مدى التزام منشآت القطاع الخاص بأحكام قانون العمل والأنظمة والتعليمات الصادرة بموجبه.
وأكد الزيود، أن فرق التفتيش في وزارة العمل زارت في النصف الأول من العام الحالي نحو 11 ألفا و73 منشأة للتأكد من مدى التزامها بدفع الحد الأدنى للأجور، حيث بلغ عدد الشكاوى التي استقبلتها الوزارة في النصف الأول من العام الحالي بخصوص الحد الأدنى للأجور 61 شكوى فقط.
وبين أن مديرية التفتيش تنفذ جولة تفتيشية إذا ورد لها أن منشأة لا تلتزم بدفع الحد الأدنى للأجور، من دون التطرق لاسم المشتكي.
وأوضح الزيود أن المادة 53 من قانون العمل نصت على عقوبات للمنشآت التي لا تلتزم بدفع الحد الأدنى للأجور، وجاء فيها: “يعاقب صاحب العمل بغرامة لا تقل عن خمسمائة دينار ولا تزيد على ألف دينار عن كل حالة يدفع فيها إلى عامل أجرا يقل عن الحد الأدنى للأجور أو عن أي تمييز في الأجر بين الجنسين للعمل ذي القيمة المتساوية، وذلك بالإضافة إلى الحكم للعامل بفرق الأجر وتضاعف العقوبة كلما تكررت المخالفة”.
ووفق دراسة للنقابة العامة للعاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة، فإن 85 % من العاملات في مهنة السكرتاريا غير مشمولات بالضمان الاجتماعي.
وأوضحت الدراسة التي أجراها فريق النقابة عبر استطلاع عدد من السكرتيرات، أن نسبة تقدر بـ75 % من السكرتيرات في المكاتب والشركات لا يملكن عقود عمل تحفظ حقوقهن لحمايتهن من الفصل التعسفي، ووجد أن أغلب عقود العمل، وبنسبة 55 %، هي عقود شفهية بين السكرتيرات وأصحاب المكاتب، ولهذا يكون الفصل من دون التسلسل الإداري المعروف من توجيه إنذارات ولفت نظر وغيرهما من العقوبات المعروفة.
وبينت أن عدد العاملات في مهنة السكرتاريا في الشركات والمؤسسات يصل إلى نحو سبعة آلاف فتاة، معظمهن من حملة الشهادة الثانوية العامة والدبلوم، ونسبة أقل جامعيات بمختلف التخصصات.
وأكدت شرائح من السكرتيرات لفريق النقابة، أنهن يعملن ساعات طويلة تصل إلى 15-18 ساعة، ولكن لا يحصلن على العطل الرسمية والمناسبات الوطنية وأحيانا الأعياد الدينية، مما يعني أنه يجب أن يكون أجرهن مضاعفا يوميا وأن الإجازات التي يحصلن عليها غير مدفوعة الأجر، ولا يوجد بند عمل إضافي لهن في أعمالهن حيث تحدد مدة عملهن بثماني ساعات.
أما بخصوص الرواتب، فقد أشارت الدراسة نفسها إلى أن 65 % من العينة يتقاضين أقل من الحد الأدنى للأجور.
وأظهرت الدراسة، وعبر اللقاءات، أن شريحة واسعة من السكرتيرات اشتكين من تأخر دفع الرواتب الشهرية المتفق عليها، وفي أحوال أخرى تأخير دفعها من قبل بعض أصحاب المكاتب لأيام وأسابيع وربما أشهر. أما عن حقوق نهاية الخدمة أو عند الاستغناء عن العمل، فهذه الحقوق غير واردة ويتم تجاهلها من قبل أصحاب العمل ولا يتم التعامل معها أبدا في قطاع العاملات بمهنة السكرتاريا.
وفيما يخص التأمين الصحي، فقد أكدت النقابة، من خلال الدراسة، استثناء شريحة واسعة منهن من قبل أصحاب المكاتب من التأمين الصحي بنسبة 75 %، رغم أن عملهن الطويل على آلات الطابعة وأجهزة الكمبيوتر، وفي معامل تتعامل بمواد خطرة في استعمال الأدوات الحادة والعمل في البوفيهات وصيانتها، وهذا كله يخالف شروط العمل التي أقرها لها القانون.
وفي المقابل، رصد التقرير ضعفا في أداء بعض السكرتيرات ونقصا في المهارات ومتطلبات العمل بنسبة 45 %، وعدم التقييد بالدوام الرسمي، وإنجاز الأعمال، وعدم الجدية في تنفيذ الواجبات، والبطء والتأخير، وذلك بسبب افتقارهن لحقوقهن المكتسبة والامتيازات التي كفلها لهن قانون العمل. كما أن غالبيتهن يفضلن العمل في مهنة السكرتاريا بشكل مؤقت، حيث إنهن لا يشعرن بالاستقرار ويفتقرن إلى الأمان الوظيفي، وينتظرن الفرصة المناسبة للانتقال إلى وظيفة أفضل.
وطالبت النقابة بتحسين ظروف معيشتهن وأجورهن، وضرورة توفير الأمان الاجتماعي والوظيفي لهن، وتوفير خدمات التأمين الصحي، وتحسين ظروفهن المعيشية والتكافل الاجتماعي، والتقييد بصرف الحد الأدنى للأجور المعمول به.
كما أكدت ضرورة إخضاع العاملات كافة في مهنة السكرتاريا للضمان الاجتماعي برواتبهن الحقيقية، وعلى وزارة العمل القيام بحملة تفتيش على آلاف المكاتب للتأكد من تقيدها بصرف الحد الأدنى للأجور المعمول به حاليا في هذه المكاتب