فيما كشفت نتائج اختبار برنامج التقييم الدولي للطلبة “بيزا” التي أعلنت مؤخرا، عن تراجع في أداء طلبة الأردن في دورة 2022 بمقدار 39 نقطة في الرياضيات و77 نقطة في القرائية و54 نقطة في العلوم، اتفق خبراء تربويون بأن النتائج صادمة، تستوجب الدراسة والمكاشفة الوطنية، برغم أن التراجع كان ملاحظا في غالبية الدول.
وأوضحوا بأن التراجع في الأداء عما كان عليه في دورة 2018، يعود الى أسباب عدة، أبرزها تراجع الاهتمام على مستوى سياسات التعليم بأهمية الدراسات الدولية، والتراجع الملموس في نوعية التدريس الصفي في المدرسة الأردنية، وجائحة كورونا.
وأكدوا أن الارتقاء بمستوى تعلم الطلبة وأدائهم على الاختبارات الدولية، يتطلب مقاربات سريعة وأخرى متوسطة او طويلة المدى، وعلى المستوى القصير والعاجل، لا بد من تشكيل فريق وطني من متخصصين يجرون دراسة متعمقة للكشف عن محددات أداء الطلبة الأردنيين، وبناء نموذج يوجه سياسات النظام التربوي للارتقاء بنوعية التعليم، كذلك تشكيل فريق دائم في الوزارة وشركائها للتخطيط للدراسات الدولية، وإعداد الأدوات والأدلة وتنظيم الحملات الوطنية ومتابعتها، ومتابعة برامج تدريب المعلمين.
ودعوا الى تبني سياسات فاعلة للمعلمين، تجعل من التعليم مهنة جاذبة لها شروطها في الاستقطاب والتعيين والترقية والمسار المهني.
وفي هذا الصدد، قال وزير التربية والتعليم الاسبق د. تيسير النعيمي، إن أداء طلبة الأردن في دورة 2022 تراجع بمقدار 39 نقطة في الرياضيات و77 نقطة في القرائية و54 نقطة في العلوم، وهي نتائج صادمة وتستوجب الدراسة والمكاشفة الوطنية برغم أن التراجع كان ملاحظا في غالبية الدول.
واضاف النعيمي أن أداء الطلبة الأردنيين في دراسة “بيزا”، نلاحظ تقدما أو استقرارا من دورة لأخرى، ثم بدأ التراجع منذ عام 2012 وعاد للارتفاع عام 2018، ليعود الى التراجع في الدورة الأخيرة عام 2022، والتي أعلنت نتائجها مؤخرا.
وأرجع النعيمي التراجع في الأداء عما كان عليه في دورة 2018 لجملة أسباب متمثلة بتراجع الاهتمام على مستوى سياسات التعليم بأهمية الدراسات الدولية، والايفاء بمتطلباتها في التخطيط والتنظيم، وبناء الشراكات الوطنية والمتابعة والمراقبة، وتفعيل البحث الرصين وتوظيف نتائجه في توجيه سياسات التعليم وتطوير التعليم، وتعزيز إدارة ملف المشاركة الوطنية في الدراسات الدولية.
وأشار الى ان ذلك، يتطلب دورا واسعا للجهة التي تدير ملف الدراسات الدولية في علاقاتها مع وزارة التربية والتعليم، وتمكينها ماليا وفنيا للقيام بهذا الدور على نحو، يمكن هذه السياسات من الانتقال من مجرد تطبيق للاختبارات وادخال البيانات، الى جهة أكثر فعالية لا سيما في التخطيط للدراسات واعداد الادوات والأدلة الارشادية، واجراء أبحاث السياسات الرصينة المتقدمة التي تخدم راسمي سياسات التعليم.
فضلا عن التراجع الملموس في نوعية التدريس الصفي في المدرسة الأردنية من سنة لأخرى، كما أكدته دراسات وطنية أجريت بهذا الخصوص، وهذا بالطبع يمثل العامل الأكثر أهمية في تفسير هذه النتائج وما يجب الالتفات اليه، من ضرورة تبني سياسات معلمين فاعلة استقطابا وتحفيزا ومسارا مهنيا ونظام مساءلة، اذ تشير الدراسات العالمية والوطنية الى أن ممارسات المعلمين الصفية في أساليب واستراتيجيات التدريس، هي العامل الحاسم في نوعية تعلم طلبتهم وأدائهم في الأختبارات الوطنية والدولية، بالاضافة إلى القيادة المدرسية الفاعلة.
ومن اسباب التراجع ايضا، بحسب النعيمي، الاستقطاعات من العام الدراسي في العامين 2018-2020 التي رافقت اضرابات المعلمين واعتصاماتهم، والتي قدرت حينها بما يعادل 18 % من جملة الأيام الدراسية، بالإضافة الى جائحة كورونا التي رافقتها إغلاقات في دول العالم، وبالتالي قصر العام الدراسي، وعدم اكتماله والتحول للتعلم عن بعد بصورة مفاجئة قد أثر سلبا على تعلم الطلبة، وهذا ما يفسر تراجع الأداء في غالبية الدول المشاركة بين عامي 2018 و2022.
وشدد النعيمي على ان هذه النتائج، يجب أن تقرع الجرس على المستوى الوطني بضرورة المكاشفة والمصارحة حول الأسباب الحقيقية للتراجع، بالتركيز على المدرسة وجودة التعليم فيها، عبر تبني نهج جديد في القيادة المدرسية وسياسات المعلمين، استقطابا وتعيينا ومسارا مهنيا وحوافز، ووضع نظم للمساءلة قائمة على نتائج الممارسة المهنية، مقاسة بتعلم الطلبة، وهذا ما أكدت عليه خطة التحديث الأقتصادي.
وأكد أن الاستجابة لمستهدفات خطة التحديث الاقتصادي، المتمثلة في الارتقاء بمستوى تعلم الطلبة وأدائهم على الاختبارت الدولية، يتطلب مقاربات متعددة المديات، وتشكيل فريق وطني من متخصصين يجرون دراسة متعمقة للكشف عن محددات أداء الطلبة، وبناء نموذج يوجه سياسات النظام التربوي للارتقاء بنوعية التعليم، وتشكيل فريق دائم في الوزارة وشركائها للتخطيط للدراسات الدولية، وإعداد الأدوات والأدلة وتنظيم الحملات الوطنية ومتابعتها ومتابعة برامج تدريب المعلمين.
بالإضافة الى تبني سياسات فاعلة للمعلمين تجعل من التعليم مهنة جاذبة لها شروطها في الاستقطاب والتعيين والترقية والمسار المهني والمساءلة، ثم التوسع في الاستثمار بالتعلم المبكر والتنفيذ الفاعل، لبرامج التدخلات العلاجية التي صممتها وزارة التربية، وفتح المدارس لمدة أطول أمام الطلبة، كما لا بد من تفعيل ادارة ملف مشاركة الأردن في الدراسات الدولية، وفق النعيمي.
وشاركه الرأي مدير إدارة التخطيط والبحث التربوي في وزارة التربية سابقا د. محمد ابو غزلة الذي قال إن نتائج مشاركة الأردن في اختبار “بيزا”، لا يتوافق مع توجهات رؤية التحديث وينذر بالخطر، ويطلب مراجعة جذرية في عناصر المنظومة التعليمية كافة.
وبين أبو غزلة، أن مستوى الأداء في الرياضيات بلغ 361 والمستوى الدولي 472 وبتراجع 38.5 عن المستوى الدولي، وفي موضوع القرائية بلغ 342 مقارنة بالمستوى الدولي (476)، اي بتراجع 134 نقطة، وفي العلوم بلغ 375 مقارنة بالمستوى الدولي (485)، أي بتراجع 110 نقطة عن المستوى الدولي.
وأضاف انه برغم ما اعلنته منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية عن تراجع أداء الدول بشكل عام، لكن ذلك لا يبرر التراجع الكبير في أداء الأردن، ليكون من بين أخر 5 دول، يتراجع مستوى الأداء في الرياضيات فيها بمعدل اكثر من 30 نقطة ومن آخر 7 دول مشاركة من أصل 81 دولة في هذه الدورة، وبعدد 38.5 نقطة عن آخر دوره في عام 2018.
كما لا يبرر الفجوة في الأداء في بين الطلبة والطالبات في الأردن بالموضوعات الثلاثة، اذ كانت نتيجة الطالبات في الرياضيات والقرائية والعلوم وبالترتيب: 386،364، 390، في حين كانت نتائج الطلاب الذكور وحسب ترتيب الموضوعات: 353، 318،358، حيث تسجل الفجوة لصالح الطالبات برغم التراجع في أداء الرياضيات بينهما وبـ43 نقطة، وايضا بمقدار درجتين للطلبة النازحين مع التقارب بينهما، ولا يوجد فروق بين اداء الطلبة النازحين عموما والمواطنين في 9 دول، ما يعني بانها تقدم لهم التعليم نفسه.
واكد ابو غزلة ضرورة الوقوف على مفاصل العملية التعليمة في الأردن، واجراء دراسات تشخيصية دقيقة ومتخصصة من أصحاب الرؤية الاستشرافية والخبرة والكفاية، لإعادة النظر في السياسات التربوية التي أوصلتنا إلى تذيل النتائج الدولية في مؤشرات جودة التعليم، واعادة النظر في البرامج والمشاريع في الخطة الاستراتيجية، لانقاذ ما يمكن انقاذه من هذا الوضع، وخلق بيئة مناسبة تمكن العاملين من تحقيق أداء تربوي منتج وفعال، وعليهم وضع خطط كفيلة بتطوير كل مفاصل العمل التعليمية، وأيضا العمل مع المؤسسات المعنية كالمركز الوطني للمناهج لتحليل جوانب الخلل في أداء الطلبة في هذه المواد وغيرها.
ودعا ابو غزلة، العمل مع المؤسسات المعنية، بتدريب المعلمين من الجامعات ومؤسسة الملكة رانيا لتدريب المعلمين، والعمل مع المؤسسات التعليمية والخاصة والمجتمعية، للمشاركة بوضع الخطط، ناهيك عن تفعيل أدوار القائمين على العملية التعليمية الفنية، وأسس اختيارهم.
واكد ضرورة قيام القائمين على الإدارة التعليمية بذل مزيد من الجهود لمتابعة الميدان التربوي وتفعيل دور كوادره، ووضع خطط مستقبلية بعد اعادة دراسة جدوى المشاركات المستقبلية، كما عليهم الاستفادة من ملخصات السياسات وما تقدمه التقاريرالوطنية من توصيات واجراءات، يعدها المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية، ووضع الخطط الكفيلة بتنفيذها، كما عليهم الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة، والتي حققت مراكز متقدمة وتحليل نتائجها والاستفادة من هذه النتائج.
وقال إن جميع محاولات الاصلاح التي تمت، حافظت في الماضي القريب على ادامة النظام التعليمي، بخاصة في معدلات الالتحاق بالتعليم الاساسي والتكافؤ بين الجنسين وغيرها، إلا أنه من المهم التركيز على كفاءة النظام الداخلي، وتحسين عملياته، ومعالجة جوانب الضعف الفني والإداري فيه، وزيادة الدافعية لدى بعض المعلمين والطلبة.
بدوره، قال الخبير التربوي د. محمود المساد، إن نتائج الدراسة الدولية لتقييم الطلبة المعروفة “بيسا” للعام الدراسي 2022، تظهر تراجعا في أداء الأردن مقارنة بنتائج 2018.
واضاف أن الدراسة تسعى إلى تقييم قدرات الطلبة على إدماج واستثمار معارفهم لاستخدامها في حياتهم اليومية، عبر التفكير العقلاني والتحليل السليم والتواصل الفعال، وهذا ما لم يتوفر لطلبتنا ولم يتدربوا عليه في اختباراتهم المدرسية.
واكد المساد، ان النتائج التي حققها الطلبة في الدورة الاختبارية في العام 2018 تصف وضعنا الأردني بالكارثي نتيجة ما تحصل عليه طلبتنا من نتائج، بحيث كانت في العلوم 429 وفي الرياضيات 400 وفي اللغة العربية 419، في حين نتائج هذه الدورة الاختبارية الأخيرة للعام 2022، حصل طلبتنا على 375 في العلوم و361 في الرياضيات و 342 في اللغة العربية، وهذه النتائج المتراجعة بشدة عن الدورة السابقة للعام 2018 تجعل من وضعنا أشد كارثية.
واشار الى ان ترتيبنا العالمي للعام 2018 الإجمالي بلغ 56 من بين 79 دولة شاركت في الاختبارات، في حين بلغ ترتيبنا 75 في اختبارات عام 2022 من اصل 81 دولة مشاركة، اي أننا في ذيل القائمة، ومن بين الدول العشرة الأخيرة الأسوأ في العالم.
واوضح المساد، ان هناك الأسباب الرئيسة لهذا الإخفاق المريع تتصل بالسياسات، فهدف النظام التربوي، هو الطالب شخصيته وقيمه وتفكيره والمهارات التي يكتسبها، ويتمكن منها وتخدمه في العيش في المستقبل بطرائق ناجحة وفعالة، ولكن نحن في الأردن ومع سبق الإصرار نكتفي بحفظ المحتوى وتسميعه وتفريغه في أوراق الاختبارات، وعلى رأسها “التوجيهي”، دون القبول الفعلي بالتوجه للطالب وإعداده وتمكينه من مهارات التفكير ومنظومة القيم التي يريدها المجتمع، والتوجه للمستقبل ومتطلباته المعروفة لذلك نخفق بهذه الاختبارات بجدارة.
وأكد ان الغاية من الاختبار الدولي من الطلبة في الرياضيات على سبيل المثال (لا يرتبط بالكتب المدرسية، بل بتطبيق معارف الطلبة ومهاراتهم في الرياضيات في مواقف حياتية واقعية، تمكنهم من المشاركة الفاعلة في المجتمع، والكشف عن قدراتهم في صياغة المفاهيم الرياضية واستخدامها وتفسيرها في سياقات متنوعة، واكتساب عقلية رياضية تسمح باستخدام هذه المفاهيم والإجراءات والحقائق والأدوات الرياضية بتوصيف وتوقع ظواهر معينة”.
وبحسب المساد، لا يمكن بأن نتحسن في نتائج اختبارات طلبتنا، إلا إذا فهمنا الغايات من الاختبارات الدولية، وأخذناها في الاعتبار الجاد عند إعداد مناهجنا وتدريب معلمينا، وإلا ستبقى كل الجهود ومنها ما أوصت به خطة التحديث الاقتصادي حبرا على ورق.