فشلت هدى عادل في الحصول على جرعة الأنسولين التي تحتاجها منذ أكثر من أسبوع، بسبب أزمة نقص الأدوية التي تشهدها مصر.
تقول هدى التي تقطن في منطقة الأهرام بمحافظة الجيزة، إن رحلتها في البحث عن الأنسولين المستمرة منذ أكثر من أسبوع لم تأت بجديد، وإنها بحثت عن الدواء في أكثر من 30 صيدلية بمحيط سكنها دون جدوى.
اضطرت هدى إلى اللجوء لأصدقائها، وهاتفت أقاربها في محافظة الغربية لعلهم يتمكنون من توفير بعض الجرعات، مؤكدة أن حياتها باتت مهددة، وأنها تخشى من الدخول في غيبوبة سكر بسبب عدم حصولها على الجرعة منذ أيام.
هدى ليست الوحيدة التي تعاني بسبب أزمة نقص الأنسولين، فملايين المواطنين يعانون الأزمة نفسها منذ أسابيع، في ظل وعود حكومية بحل الأزمة قريبا.
وتحتل مصر الترتيب الثامن عالميا في انتشار الإصابة بمرض السكري، بمعدل إصابة يبلغ 20.9 في المئة من عدد السكان الذي يبلغ 106 مليون نسمة، بحسب تقرير لمنظمة “وايس فوتر” المتخصصة في الأرقام والإحصاءات، فيما تتحدث الأرقام الرسمية عمّا يفوق 12 مليون مريض بالسكري في مصر.
وتتواصل أزمة نقص الأدوية في مصر، خاصة “الأنسولين”، على الرغم من إعلان الحكومة المصرية انتهاء الأزمة المالية التي شهدتها البلاد على مدار العامين الماضيين، التي تسببت في احتجاز شحنات الأدوية المستوردة في الجمارك بسبب نقص الدولار.
تصدير المنتج المحلي
لكنّ مراقبين قالوا إن تفاقم أزمة الأنسولين تعود لسببين، الأول عدم الإفراج عن شحنات الأدوية الموجودة في الجمارك، إضافة إلى لجوء الحكومة المصرية إلى تصدير جزء من الأنسولين المصنع محليا لتوفير الدولار.
وتنتج مصر 30 في المئة من احتياجاتها من “الأنسولين”، فيما تعتمد على استيراد النسبة المتبقية من الخارج، بحسب محمود فؤاد مدير مركز الحق في الدواء.
وانتقد فؤاد تصدير الأنسولين، وكتب على صفحته في فيسبوك: “كلام غير مقبول في هذا الوقت ويمثل إهانة لكل رجل أو امرأة واقفة في طابور صيدليات الإسعاف (صيدليات تابعة للشركة المصرية للأدوية) تحت الشمس الحارقة لساعات”.
وتابع: “أهلا بالتصدير وأهلا بالدولار لكن بعد اكتفاء السوق المحلي بل وتأمينه بكميات كبيرة، وبحسب جمعيات أمراض السكر وتقديرات معهد السكر والغدد الصماء السابق فإن عدد المرضى تجاوز 12 مليونا”.
وكان نائب رئيس الوزراء، وزير الصحة والسكان المصري خالد عبد الغفار، نفى أن يكون تصدير مصر للأنسولين هو سبب الأزمة، قائلا إن مصر لم تصدر إلا شحنة واحدة صغيرة فقط، وإنها لا تعاني من أي مشكلة في إنتاج الأنسولين المحلي، وإن الأزمة الحالية تتعلق فقط بالمستورد.
إلا أن تصريحات وزير الصحة تتنافى مع أعلنت عنه وزارة الصحة في مارس/ آذار الماضي، عن بدء تصدير الأنسولين إلى كوبا. وبيّنت آنذاك أن الأنسولين المصري يستحوذ على حصة سوقية تتراوح ما بين 12 إلى 18 مليون عبوة سنويا، ويتم تصديره إلى 11 دولة أفريقية.
خطة حكومية
الدكتور محمد عوض تاج الدين، مستشار رئيس البلاد للشؤون الصحية، علق على أزمة نقص الأنسولين والأدوية في مصر خلال الفترة الأخيرة.
وقال في تصريحات متلفزة مساء السبت الماضي، إن الدولة المصرية تتابع أزمة نقص الأدوية بدقة شديدة جدا.
وأضاف أن الدولة تعمل على تنفيذ خطة لتوفير الأدوية التي تحتاجها السوق المصرية كافة، مشيرا إلى وجود دراسة مستفيضة لمنع تكرار هذه الأزمة.
ولفت إلى بدء توافر الأدوية في السوق المصرية، متابعا: “الأزمة لن تتكرر مرة أخرى، هناك خطة مستقبلية مصرية لتوفير الدواء”.
تحركات برلمانية
أزمة نقص الأدوية، دفعت نواب لإثارة الأمر داخل البرلمان، وطالبوا الحكومة بحلول عاجلة لإنقاذ المرضى.
وتقدم إيهاب رمزي، عضو مجلس النواب، بسؤال إلى المستشار الدكتور حنفي جبالي رئيس مجلس النواب، لتوجيهه إلى الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة، حول نقص العديد من الأصناف الدوائية، وفي مقدمتها أدوية مرضى السكر بصفة خاصة، وعلى وجه الخصوص للأطفال وصغار السن.
وقال رمزي إنه تلقى العديد من شكاوى المرضى تتعلق بنقص دواء الانسولين وعدم توافره متسائلا: “إلى متى تستمر هذه الأزمة؟ ولماذا لم تتدخل الحكومة بصورة عاجلة لحلها؟ وإلى متى ينتظر المرضى توفير مثل هذه الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة التي لا يمكن الاستغناء عنها؟”.
وتابع: “هل السبب وراء مشكلة نقص بعض الأصناف الدوائية عدم وجود عملة دولارية لاستيرادها؟ ولماذا لا يقوم وزير المالية بتدبير الدولار لاستيرادها؟ ولماذا أزمة نواقص الأدوية مستمرة رغم اتخاذ الحكومة قرار برفع أسعار العديد من الأصناف الدوائية؟”.
ودعا الحكومة لإعلان الأسباب الرئيسية والحقيقية خلف استمرار مثل هذه المشكلات الجماهيرية، وجميع الإجراءات التى سوف تتخذها لحلها، مؤكداً أن المواطنين من القادرين ليست لديهم مشكلات للحصول على جميع الأصناف الدوائية لأن لديهم القدرة المالية على استيرادها، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن فى وجود الآلاف بل الملايين من المرضى غير القادرين والذين يكفل الدستور علاجهم بالمجان على نفقة الدولة.
أسعار الدواء
كانت هيئة الدواء المصرية رفعت أسعار 400 صنف دوائي فقط خلال الفترة الماضية، بنسب تتراوح بين 25 و50%.
وسمحت هيئة الدواء المصرية لشركات الأدوية العاملة في السوق المحلي بزيادة أسعار عدد كبير من أصناف الأدوية بنسبة تتراوح بين 20-25% لأدوية الأمراض المزمنة، وبنسبة تصل إلى 50% لأدوية الفيتامينات والمكملات الغذائية.
وكانت شركات الأدوية العاملة في مصر، طالبت بزيادة أسعار منتجاتها، بسبب ارتفاع تكلفة استيراد المواد الخام للأدوية من الخارج بالدولار الذي زاد سعره بنسبة تفوق 60% بعد قرار تحرير سعر الصرف في 6 مارس/ آذار الماضي.
الرصيد صفر
البرلمانية إيرين سعيد، عضوة لجنة الصحة في مجلس النواب، قالت إن أزمة نقص الأنسولين في صيدليات الهيئة العامة للتأمين الصحي تتفاقم، وإنه يجب وضع حلول نهائية لها، خصوصا أن الأنسولين علاج دائم لمرضي السكر ولا يمكن الاستغناء عنه.
وأضافت سعيد في طلب إحاطة تقدمت به إلى مجلس النواب بشأن نقص الأنسولين، إنها تلقت عددا كبيرا من الشكاوى من المواطنين، مؤكدة أن رصيد الصيدليات من الأنسولين الذي يؤخذ عن طريق السرنجات صفر، ما يشكل خطرا حقيقيا على مرضى السكر بالإضافة لوجود نقص في الصيدليات من الأنسولين الذي يؤخذ عن طريق القلم.
ولفتت إلى أن معظم صيدليات الهيئة العامة للتأمين الصحي تصرف نصف الجرعة فقط بسبب النقص الموجود بالأنسولين الذي يؤخذ عن طريق القلم. وأكدت أن هناك عجزا أيضا في الشرائط والأجهزة المقدمة لقياس السكر للأطفال مرضى السكري، قائلة: “يجب توضيح هذه الأمور والإجابة عن هذه التساؤلات وعلامات الاستفهام من جانب المسؤولين في وزارة الصحة”.
وفي سؤال برلماني، قالت النائبة سحر العشري، إنها تتلقى شكاوى واستغاثات يوميا من المواطنين، راغبين في إيصال أصواتهم إلى وزارة الصحة، لإيجاد حل في توفير حقن الأنسولين المختفية من الصيدليات والمستشفيات، ما ينذر بظهور سوق سوداء إن لم تكن موجودة بالفعل، في ظل وجود نواقص من آلاف الأصناف الدوائية.
وقالت العشري، إنها تأكدت من عدم توافر حقن الأنسولين في التأمين الصحي أو الصيدليات أو المستشفيات، وكلما يتردد المريض على التأمين الصحي أو المستشفى يفاجأ بأنه ناقص، حتى الصيدليات ليس متوفرا بها، وأنه ورغم تأكيد هيئة الدواء، ضخ 400 ألف عبوة من الأنسولين المنتجة محليا في شهري يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز الماضيين إلى الصيدليات منتجة محليا، وأنها تكفي الطلب، إلا أن في الحقيقة لم تكف سوى 5% من مرضى السكر في مصر.
وبينت أن مرضى السكري نوعان الأول يعتمد على حقن الإنسولين فقط والثاني يعتمد على الأقراص، وأن الاثنين بهما نقص يهدد حياة الملايين من المصريين، خاصةً أن مصر صُنفت الأعلى إصابة بمرض السكر بين الدول العربية بعدد مصابين يصل إلى 10.9 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 20 و79 عاما، حسب تقرير منظمة الاتحاد الدولي للسكري.