بدأ الاحتلال الإسرائيلي خطوات عملية لتنفيذ مخطط السيطرة المدنية على كامل الضفة الغربية، عقب قرارات غير مسبوقة بعمليات الهدم في “مناطق ب”، ما يمهد الطريق لهجمة استيطانية واسعة.
رغم أن الاحتلال صعّد من عمليات الهدم ومصادرة الأراضي خلال السنوات الأخيرة، إلا أن التصعيد الجديد بخطة الحسم لسموتريتش يتمثل بـ”توسيع صلاحيات الإدارة المدنية للاحتلال بما يشمل مناطق ب”، تنفيذاً لقرار إسرائيلي صدر حديثاً بهذا الخصوص بالتزامن مع حرب غزة.
بحسب القناة 14 العبرية، فإن قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال الإسرائيلي، يهودا فوكس، اتخذ قراراً بتوجيهات من وزير جيش الاحتلال، يوآف غالانت، في 17 يوليو/تموز 2024، يسمح بهدم بيوت الفلسطينيين في المناطق المصنّفة “ب” التابعة للسيطرة المدنية للسلطة الفلسطينية، ومنع البناء فيها.
وجرى مؤخراً، تسليم إخطارين بهدم منازل فلسطينيين في بلدة بيت عوا بمحافظة الخليل، وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إصدار إخطارات بالمنطقة المصنفة ب، والحاصلة على تراخيص من الحكم المحلي الفلسطيني.
خطة الحسم لسموتريتش
يصبّ ذلك في صالح ما يسميه وزير المالية الإسرائيلي يتسلئيل سموتريتش توسيع صلاحيات “الإدارة المدنية” التابعة لإسرائيل، أو “خطة الحسم لسموتريتش”، التي تهدف إلى سحب صلاحيات السلطة الفلسطينية الإدارية من المناطق المصنفة “أ” و”ب” وفق اتفاقية أوسلو، وتوسيع صلاحيات الإدارة المدنية الإسرائيلية، سعياً إلى ضم الضفة الغربية بشكل كامل لـ”إسرائيل”.
وبحسب اتفاقية أوسلو الثانية فإن مناطق الضفة الغربية مصنفة وفق التالي:
1- مناطق أ: تشكل نحو 17.5%من مساحة الضفة الغربية، ويفترض أن تكون تحت السيطرة المدنية والأمنية بالكامل للسلطة الفلسطينية، إلا أنها ليست كذلك.
2- المناطق ب: تشكل نحو 18.7%، وهي تحت السيطرة المدنية للسلطة وتشترك مع الاحتلال بالسيطرة الأمنية.
3- مناطق ج: تشكل نحو 61%، وهي تحت السيطرة الإدارية والأمنية الكاملة للاحتلال الإسرائيلي.
4- تبقى 3% هي محميات طبيعية.
من جانبه، أوضح مدير التوثيق والنشر في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في الضفة أنه بموجب خطة سموتريتش، فإنه سيتم سحب صلاحيات منح تراخيص البناء من السلطة الوطنية في المناطق المصنفة “ب” لصالح سلطة الاحتلال.
وأفاد بأن أكثر المناطق عرضة لهذه الإجراءات هي جنوب الخليل، وبادية بيت لحم الشرقية والغربية، وبادية القدس، خاصة التجمعات البدوية ما بين القدس وأريحا في السفوح الشرقية، إلى جانب منطقة سلفيت، بهدف الربط الاستيطاني بحدود عام 1948.
وقال إنه يتوقع موجة كبيرة من عمليات هدم واسعة وفق خطة سموتريتش، خاصة مع التغيرات التي تستهدف مناطق ج، ومطامع المستوطنين في تلك المناطق، إلى جانب عمليات هدم سوف تطال مناطق ب بعد القرار الأخير.
ونبّه داود إلى أن الأمر العسكري الصادر عن جيش الاحتلال في يوليو/تموز 2024، يمنع بموجبه البناء الفلسطيني فيما يعرف بحرم الجدار العنصري المقام على أراضي الفلسطينيين بالضفة الغربية.
وأوضح أنه بموجب هذا القرار، فإن قوات الاحتلال تعمل على هدم المنازل الفلسطينية على بعد يتراوح ما بين 150 إلى 200 متر من هذا الجدار، وهذا قبل قرارات سموتريتش.
لكنه أشار أيضاً إلى أن “القرارات الجديدة تُعدّ خطوة خطيرة في إطار الهدم بحيث يطال منازل خارج هذه الحدود.
ونوّه داود إلى أن بموجب هذه القرارات تم مصادرة أراضي في 3 عمليات مصادرة مؤخراً، إلى جانب 9 أوامر بوضع اليد على أراضٍ أخرى في الضفة الغربية، وسحب صلاحيات تخطيطية من مناطق المحمية الطبيعية في بيت لحم.
ولفت إلى أن الاحتلال يدعي وجود من 550 إلى 650 موقعاً أثرياً، بالتالي سيمنح صلاحية هدم أي بناء بجانب هذه المواقع، إضافة إلى الهدم في مناطق المحميات الطبيعية كما جرى في بادية بيت لحم التي تصل مساحتها إلى 167 كيلومتراً.
بالإضافة إلى سحب صلاحية السلطة من منح التراخيص للبناء، وتنفيذ الهدم للمنازل، وعدم وجود أي سلطة للسلطة الفلسطينية في المحميات الطبيعية في مناطق “ب”.
تعليقاً على ذلك، اعتبر رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التابعة للسلطة الفلسطينية، مؤيد شعبان أن “ما يجري هو فرض حقائق على الأرض من قبل سموتريتش في الضفة الغربية والقدس، وضمن خطته” بالسيطرة المدنية على كامل الضفة الغربية.
وتابع شعبان بأن سموتريتش يريد من خلال هذه الإجراءات أن تبقى، حتى مع مجيئ أي شخص آخر مكانه مستقبلاً، من خلال فرض تغيير المفاهيم في الإدارة المدنية، ليقودها جيش الاحتلال او موظفين إسرائيليين.
وأوضح أن الهيئة التابعة للسلطة، ترى في ذلك “مؤشراً خطيراً على عمليات الضم، والتعامل مع الفلسطينيين على أنهم يجب أن يخضعوا للأنظمة والقوانين الإسرائيلية”، دون أن يوضح ما ستقوم به السلطة الفلسطينية للرد على هذا التصعيد.
وقال إن ما يحدث “مقدمة لعملية الضم الفعلي للضفة إلى إسرائيل، التي يتغني بها سموتريتش لحسم الصراع نهائيا من خلال مخطط الضم هذا”.
وبحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فقد نفّذ الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية 2024 حتى نهاية شهر يوليو/تموز 395 عملية هدم في الضفة الغربية والقدس المحتلة، طالت 453 منشأة فلسطينية.
في إشارة أخرى إلى تصعيد السيطرة على الأراضي الفلسطينية، صادر الاحتلال الإسرائيلي في عام 2023 نحو 50 ألف دونم.
بحسب تقرير آخر لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فإن سلطات الاحتلال استولت على نحو 4000 دونم من أراضي محافظة أريحا لصالح تعديل حدود محمية وادي درجة بمحاذاة البحر الميت، خلال يوليو/تموز 2024.
كما أنها أعلنت 441 دونماً كأراضي دولة غربي رام الله، وتحديداً أراضي قرى دير عمار ودير قديس وشبتين، من أجل توسيع مستعمرات نيلي ونعالي في المنطقة.
وأضاف التقرير أن جيش الاحتلال أصدر في يوليو/تموز 2024، ما مجموعه 11 أمراً لوضع اليد لأغراض عسكرية وأمنية، استولت من خلالها على 62 دونماً من أراضي الفلسطينيين.
هدفت 5 أوامر منها إلى إنشاء مناطق عازلة حول مستعمرات “نيفي نحميا” على أراضي اسكاكا في محافظة سلفيت، و”ايتمار” على أراضي عورتا وروجيب في محافظة نابلس، و”رحاليم” على أراضي الساوية ويتما في محافظة نابلس، و”حومش” على أراضي قرية برقة، و”كفار تفوح” على أراضي قرى ياسوف وزعترة في محافظة نابلس.
في السياق ذاته، أوضح رئيس الهيئة أن سلطات الاحتلال درست في يوليو/تموز 2024، ما مجموعه 54 مخططاً هيكليا لصالح مستعمرات الضفة الغربية والقدس، وصادقت على 20 مخططاً منها، وأودعت من أجل المصادقة اللاحقة 33 مخططاً.
وأشار التقرير إلى أنه بالإضافة إلى هذه المخططات، يريد الاحتلال “شرعنة” 3 بؤر استعمارية جديدة في الأغوار وأريحا والخليل، بهدف تحويلها إلى مستعمرات، تحظى بكامل الامتيازات المستوطنات، تضاف إلى 11 بؤرة أخرى تم الشروع بتسوية أوضاعها منذ مطلع العام 2024.
من جانبه، قال مدير معهد أريج للدراسات التطبيقية، جاد اسحق، إن ما جرى في بادية بيت لحم التي تعتبر محمية طبيعية وسحب صلاحيات السلطة الفلسطينية بحجة أنها محمية طبيعية، سيقود إلى هدم منازل ومنشآت ومصادرة مزيد من الأراضي القريبة منها.
وأشار الى أن منطقة بادية بيت لحم، صنّفت على أنها محمية طبيعية وليست ضمن تصنيف أ ولا ب ولا ج، إلا أن سموتريتش قرر سحب صلاحيات السلطة الوطنية وتحويلها إلى وضع مشابه لمناطق ج.
الخطير بهذا الخصوص وفقاً لإسحق، أن مؤسسة ريغيفيم التي تراقب البناء الفلسطيني في مناطق ج، تدعي أن هناك نحو 3040 منشأة أقيمت في هذه المنطقة، أي أن هناك تهديداً بهدم هذه المنشآت جميعها، أو أوامر وقف بناء، وغيرها من الإجراءات.
عن مستقبل الضفة الغربية على ضوء هذه القرارات، أوضح إسحق أنها ستصبح عبارة عن معازل يُقدّر عددها بـ35 معزلاً، ومنعزلة عن بعضها البعض، وربما يتم ربطها بجسور وأنفاق.
وقال إن هذا المخطط يجري حوله رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حواراً مع فرنسا، لعمل بعض الجسور أو الأنفاق.
وشدد إسحاق على أن هذه الخطوات جميعها، تأتي ضمن خطة الحسم لسموتريتش.
يشار إلى أن التصعيد الإسرائيلي مستمر في الضفة الغربية، بالتزامن مع عدوان الاحتلال المدمر على غزة، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إذ وسع جيش الاحتلال عملياته في الضفة والقدس، مخلفاً 620 شهيداً، ونحو 5 آلاف و400 جريح، بحسب معطيات رسمية فلسطينية.