أثرت التغيرات المناخية وتواتر مواسم الجفاف لأكثر من 7 سنوات في التوازنات المائية لتونس التي أصبحت سياساتها تتجه أكثر للتقشف في استعمالات المياه في النشاط الزراعي والصناعي والسياحي، ولفرض قيود على الاستهلاك المنزلي للمواطنين.
ودعا الخبراء إلى تطبيق خطة طوارئ مائية، في ضوء تضرر الموارد الجوفية للمياه وتراجع نسبة امتلاء السدود إلى 27.5% من طاقة استيعابها بما لا يفي باحتياجات التونسيين، وترشيد استعمالات المياه من قبل الدولة والمواطنين على حد السواء ووضع الحلول اللازمة لتجاوز خطر العطش.
وشهد شهر يوليو الحالي احتجاجات للمواطنين في عدد من المناطق بسبب انقطاع المياه أو تراجع جودتها وتلقى المرصد التونسي للمياه، عبر تطبيقية ”واتش واتر” التابعة له، عشرات التبليغات يوميا أعلاها كان يوم 21 يوليو الجاري بـ68 تبليغا عن انقطاع المياه، في ظل ارتفاع درجات الحرارة التي تراوحت بين 40 و46 درجة.
وقال رئيس المرصد التونسي للمياه علاء المرزوقي إنهم يتلقون تبليغات تهم انقطاعات في توزيع مياه الشرب دون الإعلام المسبق وتخص جودة مياه الشرب وتسرّب المياه على مستوى شبكة التوزيع الوطنية بالإضافة إلى تحركات احتجاجية ضد صعوبة الوصول إلى مصادر مياه الشرب.
واعتبر المرزوقي، في تصريحات ، أن أزمة المياه أثرت على نمط عيش المواطنين في ظل عجز السلطة عن تدبرها ومجابهة التحولات المناخية، مشيرا إلى أن ارتفاع درجات الحرارة يزيد من استهلاك المياه ويعمق أزمة العطش خاصة في عدد من المناطق الريفية مما يضر بحق المواطن في الولوج إلى مياه آمنة.
ودعا المرزوقي السلطات إلى دعم شركة استغلال وتوزيع المياه بالإمكانيات المالية والتقنية والبشرية اللازمة لمواجهة أزمة انقطاع المياه خلال هذه الصائفة، وإلى العمل على وضع حلول طارئة وجذرية لمشكل انقطاع الماء إلى جانب اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف تصدير المياه من طرف الشركات الفلاحية المستنزفة للموارد المائية.
ويُعرف عن الشركات الفلاحية الكبرى المُستثمرة في زراعات موجهة للتصدير استخدامها للمياه العميقة التي تتغذّى من المياه السطحية لريّ الخضروات والفواكه المستهلكة للماء والموجهة كليا للتصدير.
محطات تحلية المياه هل هي الحل؟
وفي مواجهة أزمة ندرة المياه، دعت وزارة الفلاحة والموارد المائية المؤسسات السياحية إلى التجهز بمحطات تحلية للمياه والعمل على تدوير المياه المستعملة ومعالجتها، كما طالبت الصناعيين بتركيز تجهيزات لتصفية المياه وتنقيتها وإعادة استعمالها في الدورة الصناعية فيما حثت العائلات على استعمال الحنفيات المقتصدة للماء التي تساهم في الحدّ من تبذير المياه بـ60%.
كما أعلنت عن إنشاء 7 محطات لتحلية مياه البحر لتأمين جزء من الموارد المائية على أن تدخل 3 منها حيز الاستغلال خلال العام الجاري ثم بدأت فعليا في تشغيل اثنين منها في محافظتي صفاقس وقابس بهدف تقليص الضغط على سدود شمال البلاد وتوفير ما يعادل 200 ألف متر مكعب يومي.
وتعمل محطات تحلية المياه عبر تحلية المياه الجوفية في الجنوب التونسي ومياه البحر بهدف تنمية الموارد المائية العذبة في الوسط والجنوب في انتظار إضافة 4 محطات أخرى من أجل دعم الموارد المائية المتاحة في كامل البلاد والتي لم تعد تسمح بضخ المياه بوتيرة مسترسلة 24 ساعة على 24 ساعة.
الاستهلاك المنزلي هو الأقل استنزافا للموارد
وتشير بيانات وزارة الفلاحة والموارد المائية إلى أن القطاعان الزراعي والصناعي يستأثران بالنصيب الأكبر من المياه في حين لا يتجاوز الاستهلاك المنزلي 8% منها.
كما أوضح استطلاع للرأي أن 45% من التونسيين يعتمدون على المياه المعلبة مصدرا أساسيا للشرب بينما يعوّل 31% على ماء الحنفية و9% على مياه الأمطار كمصدر أساسي للمياه، وأكد الاستطلاع الذي أعلنت نتائجه شبكة البحوث الإفريقية الأسبوع الماضي أن 57% من التونسيين المتواجدين في الوسط الحضري يعتمدون على المياه المعبئة في قوارير للشرب، في المقابل لا تتجاوز هذه النسبة 20% في الوسط الريفي.