بدون كثير من التعقيد، والغوص في التفاصيل، فإن الأردن بالقيادة الهاشمية التاريخية، وبثبات شعبه على موقف الالتفاف والولاء الواعي حول القيادة والقائم على أن مصلحة الأردن أولاً، وبشهادة كل دول العالم بحكوماتها ومؤسساتها الرسمية والأهلية، أثبت بأنه رمز الاعتدال الدولي، وصاحب النظرة “النادرة” في بُعد نظرها وشموليتها لكل بقعة على وجه هذه البسيطة، فبرغم صِغر هذا البلد، وبالرغم من محدودية موارده، التي تُشكّل في كثير من البلدان، الرافعة الأساس للمواقف السياسية، إلا أنه كان وما زال، صاحب تأثير، بل وبوصلة “دقيقة” لعواصم التأثير العالمي متكئاً على خبرات متراكمة وتأثير قيادته في المشهد العالمي برمته.
من هنا، ومن هذه الزاوية تحديداً، تتضح الرؤيا لقرار حلف شمال الأطلسي “الناتو”، الأخير، والذي أفضى إلى فتح مكتب للحلف، الأكبر والأقوى، بالعالم، في عمان، فالعلاقات الممتدة بين الحلف والأردن منذ العام 1996، كانت كفيلة بأن “تُراكم” ملفاً كبيراً من الأداء الأردني “المُتّزن” في المشهد الدولي، وفوق هذا، فقد كانت عمان دوماً، المرجع الأكثر “إئتماناً” فيما يخص قضايا منطقة الشرق الأوسط والإقليم، ومن هنا، فإن عمان رسّخت ثقة دولية كبيرة جداً برأيها ورؤيتها، فأصبحت شريكة فعلياً للكبار، وحجزت مكاناً مرموقاً لها بينهم، واللافت أن هذا القرار أتى الآن، في لحظة حاسمة وفاصلة تمر بها المنطقة، وتقلبات دولية يمر بها العالم، فالأردن تجاه كل ذلك، سطّر عناوين “ذكية” وانتهج، بقيادة الملك عبدالله الثاني، ذات نهج الهاشميين التاريخي بالاعتدال المُطالب بالعدل، وبُعد النظر الذي لا يغفل “الحق” خصوصاً في قضايا الأمة المصيرية وعلى رأسها فلسطين، أم القضايا.
ما ذهبنا إليه سابقاً، عززه “الخبر” الذي أصدره الناتو عن قراره بافتتاح مكتب له في عمان، فقد وصفه بأن مكتب “تمثيلٍ” للحلف، وهدفه تعزيز الحوار السياسي والتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك بين الحلف والأردن، فهذا إذن تأكيد على الدور الأردني المحوري، والفاعل، ليس في قضايا المنطقة فحسب، وإنما في كل قضايا العالم، وفوق هذا، فإن المواطن الأردني، ولا شك، دائماً ما يتطلع إلى الملف الاقتصادي، وينتظر أن تنعكس على البلد، كل خطوة، اقتصادياً، وفيما يحظى الأردن بمثل هذا الثقل السياسي العالمي، فإن هذا ولا شك، يعزز الثقة الدولية أيضاً في الأردن كوجهة اقتصادية آمنة ومثمرة، وعليه فإن المستقبل سيحمل الكثير في هذا الملف.
يبقى أن نقول إن الأردن، وبقيادته الهاشمية، وعلى مر سنواته المائة الماضية، وكلما تحرك في أي محفل دولي، فإن لا شغل شاغل له إلا مصلحة مواطنيه أوّلاً، وتحقيق العدل و”العدالة” للشعب الفلسطيني الشقيق، ثانياً، وعليه فإن وجود الأردن بين كبار العالم، وبشراكته معهم، فإنه يعمل على الوصول إلى حلم دولة فلسطين الناجزة، ولأن غِيّ الاحتلال وغطرسته ما زالت مستمرة، فإن الأردن، وفي المقدمة “الجندي الأول”، جلالة الملك عبدالله الثاني، لن يتوانى عن استثمار كل ما هو ممكن لوقف نزيف دماء الأشقاء في فلسطين، وكما قلنا دائماً، فإن الأردن القوي والآمن هو قوة للأشقاء في فلسطين، وعُمقاً آمناً لهم.