قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الأحد، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي استخدم معتقلين مدنيين فلسطينيين دروعا بشرية وأجبرهم على استكشاف مناطق قتال خطيرة، وهو نموذج لسياسة منهجية ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وأكد المرصد، أنه “وثق عشرات الحالات لاستخدام مدنيين دروعا بشرية ولإضفاء الحصانة على عمل القوات بما يشكل جريمة حرب”.
وأوضح أن المشاهد المروعة التي نشرت “لمقاطع فيديو مسربة من الجيش (الاحتلال) الإسرائيلي تظهر استخدام مدنيين، بما في ذلك معتقلين جرحى، دروعا بشرية وإجبارهم على دخول مناطق قتال خطيرة، وتثبيت كاميرات على أجسادهم وربطهم بحبال، تعبر عن سلوكيات إجرامية ووحشية وغير إنسانية للجيش (الاحتلال) الإسرائيلي، وفيها انتهاك جسيم لقواعد القانون الدولي الإنساني، وتشكل بحد ذاتها جرائم حرب مكتملة الأركان”.
وشدد على أن هذه المشاهد وغيرها العشرات من الحالات المماثلة تستوجب إجراءات عاجلة من نظام العدالة الدولية لضمان حماية المدنيين، ومنع استخدامهم دروعا بشرية، ومساءلة المستوى السياسي والعسكري الإسرائيلي على هذه الجرائم الخطيرة.
وأكد الأوروتوسطي أنه ومنذ بدء العميات البرية لجيش الاحتلال في تشرين أول/ أكتوبر 2023 كان قد وثق عشرات الحالات التي استخدام فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي مدنيين فلسطينيين دروعًا بشرية، وفرضت على بعضهم قسرا القيام بأعمال عسكرية تشكل خطرا مباشرا على حياتهم، بما فيها دخول بنايات أو أنفاق أو البحث عن متفجرات وأنفاق محتملة، إلى جانب احتجاز آخرين في منازل ومواقع في مناطق اشتباكات مما يعرض حياتهم للخطر، بما يخالف قواعد القانون الدولي الإنساني.
وأشار إلى أن استخدام جيش الاحتلال للمدنيين دروعا بشرية بنمط متكرر لم يقتصر على قطاع غزة، بل وثق العديد من الحالات المماثلة في الضفة الغربية، وهو “امتداد لسياسة متبعة في جيش (الاحتلال) الإسرائيلي منذ سنوات طويلة سواء خلال جولات التصعيد أو خلال الاقتحامات المتكررة في الضفة الغربية”.
واستعرض الأورومتوسطي شواهد مما وثقه لاستخدام الجيش الإسرائيلي مدنيين دروعا بشرية، ففي مساء 27/6/2024، وثق “جريمة مركبة مكتملة الأركان” ضد أسرة مدنية مكونة من أم مسنة وأربعة من أبنائها، منهم 3 فتيات وحفيدة لا تتعدى العام والنصف، باقتحام منزلهم وإطلاق النار والقنابل تجاههم مباشرة، داخل منزلهم في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وإخراجهم منه ثم احتجازهم وهم مصابون داخل وقرب دبابات إسرائيلية لأكثر من ثلاث ساعات، في منطقة قتال خطيرة واستخدامهم دروعًا بشرية، ومن ثم دهس الأم “صفية حسن موسى الجمال”، 65 عامًا، وقتلها، بعد إصابتها بجنازير دبابة إسرائيلية وهي لا تزال على قيد الحياة على مرأى من ابنها.
وفي 20 مارس/آذار 2024، استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي الطبيب يحيى خليل ديب الكيالي (59 عاما) وعددًا من أفراد أسرته دروعا بشرية بعد اقتحام منزلهم وأجبروهم على الوقوف في شرفة المنزل خلال تبادل إطلاق نار مع مسلحين غرب مدينة غزة.
وخلال اقتحام جيش الاحتلال الإسرائيلي مجمع الشفاء الطبي في مارس/ آذار 2024، استخدم مدنيين من المرضى والنازحين دروعا بشرية واستغلهم لتحصين عملياته العسكرية داخل المستشفى، ولتشكيل ساتر خلف قواته وآلياته العسكرية، وإرسالهم تحت التهديد إلى منازل وبنايات سكنية في محيط المجمع الطبي، للطلب من سكانها أن يخلوها، وذلك قبيل تنفيذ جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليات اقتحامها، واعتقال بعض من فيها، ومن ثم تدمير العديد منها.
وقال فلسطيني، طلب عدم الكشف عن اسمه، وهو نازح كان في مجمع الشفاء الطبي، إن قوات الاحتلال أجبرته و3 شبان آخرين بالدخول إلى غرف عدة داخل مجمع الشفاء الطبي، بعد أن ثبتت كاميرات على رؤوسهم، وأجبرتهم على التحرك من خلال إصدار أوامر لهم عن بُعد باتجاه أماكن محددة لفحصها.
وأضاف أنه أجبر على التحرك بتعليمات من جيش الاحتلال الإسرائيلي في مبنى الجراحة العامة داخل مجمع الشفاء الطبي لساعات عدة متواصلة، قبل أن يتم إخلاؤه بشكل قسري مع زوجته وطفلته، فيما لا يعرف شيئًا عن مصير الشبان الآخرين الذين استخدمهم جيش الاحتلال دروعا بشرية في الحادثة نفسها.
كما قال مسن وهو في الستينات من عمره إن جيش الاحتلال أجبر نجله البكر بالدخول إلى أقبية مجمع الشفاء وأماكن الصرف الصحي، فيما شاهد معتقلين آخرين وُضعوا داخل مدرعات أثناء القتال، وآخرين تم إجبارهم على الوقوف خلف قوات الاحتلال وآلياته العسكرية المتمركزة على أطراف مداخل المجمع، لتحصينها ومنع أي استهداف لها.
وأفادت زوجة ممرض أجبرها جيش الاحتلال الإسرائيلي على إخلاء المجمع دونه باتجاه مدينة دير البلح وسط قطاع غزة لفريق الأورومتوسطي، أنها شاهدت استخدام قوات الاحتلال زوجها درعا بشريا من أجل فتح أبواب أقسام في مجمع الشفاء على مدار ساعات متواصلة، مشيرة إلى أن مصير زوجها لا يزال مجهولًا، وتخشى من تعرضه للتصفية.
كما أفاد أفراد من عائلات عدة تقطن في محيط مجمع الشفاء بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي استخدم شبانًا تم اعتقالهم من داخل مجمع الشفاء في الدخول إلى منازلهم من أجل الطلب منهم بإخلائها فورًا والنزوح إلى وسط وجنوب قطاع غزة.
وذكرت سيدة من عائلة “عرفات” لفريق الأورومتوسطي، أنهم تفاجئوا بدخول شاب في نهاية الثلاثينات من عمره تم تعريته من ملابسه باستثناء ملابسه الداخلية، وأخبرهم أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أرسله لهم لإخلاء المنزل خلال 30 دقيقة، وإلا سيتم قصفه فوق رؤوسهم، موضحة أنهم عند خروجهم من المنزل، تنفيذًا لطلب الإخلاء، شاهدوا عددًا من الشبان الفلسطينيين بنفس الحال، إذ أجبرتهم قوات الاحتلال على الدخول إلى المنازل المجاورة لتحذير سكانها.
وأكد الأورومتوسطي أنه وثق عددا من الحالات المماثلة في الضفة الغربية المحتلة، منها استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي في 22 يونيو/حزيران الحالي، الجريح مجاهد فياض، درعا بشرية بتثبيته على مقدمة جيب عسكري لجيش الاحتلال والتجول به في حي الجابريات في جنين الذي كان يشهد توغلا يتخلله اشتباكات مسلحة.
وأشار إلى إصابة السيدة وفاء نايف جرار (49 عامًا)، في 21 مايو/أيار الماضي، بعدما اعتقلها جيش الاحتلال الإسرائيلي واحتجزها لمدة 4 ساعات في منطقة اشتباكات خطرة معرضا حياتها بشكل متعمد للخطر المباشر، إذ أصيب بجروح خطيرة أدت لبتر ساقيها، بانفجار خلال وجودها داخل الآلية العسكرية التي احتجزت داخلها.
كما وثق استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي 3 أطفال فلسطينيين دروعا بشرية خلال اقتحامه مخيم طولكرم للاجئين شمالي الضفة الغربية في 5 و6 مايو/ أيار الماضي.
وأجبر جيش الاحتلال الأطفال على السير أمامهم في بنايات وأزقة المخيم، وتفتيش منازل والطلب من السكان الخروج، وفي حالتين وضع الجنود بنادقهم على كتفي طفلين وأطلقوا الرصاص.
وذكر المرصد أنه سبق أصدر في تقرير مفصل حمل عنوان “منظومة السيطرة الإسرائيلية: استخدام المدنيين الفلسطينيين دروعا بشرية”، وثق فيه قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلية أثناء حرب 2014 التي استمرت 50 يوما (8 تموز/ يوليو – 26 آب /أغسطس 2014)، باستخدام المدنيين الفلسطينيين دروعا بشرية.
ووثق التقرير استخدام قوات الاحتلال الإسرائيلية للمدنيين الفلسطينيين دروعا بشرية لحماية الجنود أو الآليات الاحتلال أثناء توغلها في قطاع غزة، على الأقل في 6 حالات وقعت في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، من بينها حالة جرى فيها استخدام طفل درعا بشريا.
كما وثق الأورومتوسطي استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي مدنيين فلسطينيين دروعا بشرية ووضعهم على نحو متعمد في أماكن استراتيجية وأمام الأهداف العسكرية، بقصد محاولة منع مهاجمتها، ولتحصين قواته وعملياته العسكرية في قطاع غزة، ولتسهيل عملياته العسكرية وعرقلة العمليات العسكرية المقابلة.
وعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي استخدام المدنيين الفلسطينيين لحماية نقاط تجمع وتحرك قواته أثناء الاقتحامات البرية وتنفيذ الهجمات العسكرية، وكذلك إجبارهم على السير أمام الآليات العسكرية لدى اقتحام منازل وبنايات يُعتقد أنها مفخخة.
وشدد الأورومتوسطي على الحظر المُطلق لاستخدام المدنيين وأي من الفئات المحمية الأخرى دروعا بشرية خلال النزاعات المسلحة، وذلك وفقًا لقواعد القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك ما تنص عليه قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي واتفاقيات جنيف وبروتوكولها الأول.
كما ويُعتبر استخدام الأشخاص المحميين، بما في ذلك المدنيين، دروعا بشرية جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وطالب بتفعيل المساءلة القضائية الدولية لمرتكبي هذه الجرائم وتحقيق العدالة للضحايا.
وجدد الأورومتوسطي مطالبته للمجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤولياته القانونية الدولية بحماية المدنيين الفلسطينيين من الجرائم والانتهاكات التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضدهم في كل الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك حمايتهم من جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضدهم في قطاع غزة، وفرض العقوبات الفعّالة على إسرائيل، ووقف كل أشكال الدعم والتعاون السياسي والمالي والعسكري المقدمة إليها، وإنهاء الأسباب الجذرية لمعاناة الشعب الفلسطيني واضطهادهم، والعمل فورا على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي المفروض على الأرض الفلسطينية، وتفكيك نظام الفصل العنصري المفروض ضد الفلسطينيين جميعا، وإنهاء الحصار غير القانوني المفروض على قطاع غزة وسكانه على مدار 17 عاما.